السبت الأسود في تاريخ الدولة السعودية

04 أكتوبر 2019
+ الخط -
يوم السبت الأسود، الرابع عشر من شهر سبتمبر/ أيلول من العام الحالي، ومع طلوع أول ضوء، انهالت حممٌ من نار على مواقع تابعة لشركة أرامكو لإنتاج النفط في منطقة بقيق وخريص في المنطقة الشرقية من السعودية، كان نتيجتها حرائق خلفت خسائر مادية ومعنوية للشعب والدولة. في الجانب المادي، خسرت السعودية نصف إنتاجها اليومي من البترول، أي ما يقدر بخمسة ملايين برميل يوميا. نقديا، ما يقدر بأكثر من ثلاثمائة مليون دولار يوميا. وإذا علمنا أن إصلاح ما خربته "طيور الأبابيل"، وهي طائرات مسيرة، سيأخذ وقتا ليس قصيرا، فإن الخسائر المالية ستتعاظم. 
الخسارة المعنوية أشد وأعظم، إذ يمكن تعويض الخسارة المادية، أما تعويض المعنويات فليس أمرا سهلا... استيقظ المواطن السعودي على هول ما حدث، وراح الكل في البلد يسأل: أين دفاعاتنا وسلاحنا الجوي؟ اين الرادارات الأميركية والروسية والصينية وكل رادارات العالم؟ أين الأقمار الصناعية التي تزاحم نجوم السماء، وتكاد تحجب عنا أنوار الشمس والقمر في الخليج من كثرتها في أجوائنا وعلى أرضنا؟ ألم تستطع اكتشاف تلك الطائرات المسيّرة عبر أجوائنا لتحط حممها في مصدر ثروتنا ومنبع رخائنا؟ يقول مواطنون سعوديون إن لدى بلدهم أجهزة عالية التقانة، تستطيع أن تكتشف حتى أسراب النمل الأسود في أحلك ظلمات الليل، وتستطيع أن تسترق السمع، وتحلل ما تسمع في لمح البصر. ويقولون أيضا إن لدى المملكة أسلحة قادرة على رد إيران، وكل من توسوس له نفسه بسوء، إلى ما قبل العصر الحجري. وقيل الكثير، ولكن الصديق والعدو اكتشفا أن تلك كلها أقوال هراء. وليس المراد هنا نكء الجراح بشأن عمليات التسلح في المملكة وأنواعه وفاعليته، ولكن يمكن القول إن الحرب في اليمن شاهد على خلل في المسألة كلها.
(2)
في هذه الفترة الحرجة من حياة الشعب السعودي، تسابق تجار السلاح من فرنسا ماكرون 
وبريطانيا جونسون وروسيا بوتين والصين شين جين بينغ وغيرهم من تجار الأزمات، ليعرضوا على القيادة السعودية كل بضاعتهم الحربية المتطوّرة كما يزعمون، وأنهم على استعداد للدفاع عن المملكة. وأوفد الرئيس الأميركي ترامب وزير خارجيته بومبيو إلى الرياض للغرض نفسه، وصرح في البيت الأبيض إن من حق السعودية أن تدافع عن نفسها "ونحن يمكن أن نساعدهم، ولكن عليهم أن يدفعوا" (!). وكان قد قال، في مقابلة تلفزيونية، إن الولايات المتحدة لم تعد بحاجةٍ إلى بترول الشرق الأوسط، لأنها "أصبحت أكبر منتج للغاز والبترول في العالم".
يقسم بالله مفسّرون للنيات أن الإدارة الأميركية كانت تعلم علم اليقين بالعملية، وسير أدوات تنفيذها من طائرات مسيرة أو صواريخ كروز صادرة من اليمن جنوبا أو من جنوب العراق، أو من عمق الأراضي الإيرانية، أو من البحر، وسكتت من أجل مزيد من الابتزاز المالي للملك سلمان وولي عهده، فهل يستجيبون للابتزاز الأميركي؟
(3)
يستغرب كثيرون ممن تابعوا الحدث الرهيب (تفجيرات بقيق وخريص النفطية) قول وزير الخارجية السعودي، إبراهيم العساف، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الأسبوع الماضي، إن الهجوم على "أرامكو" يمثل اختبارا لإرادة المجتمع الدولي، فيما هو للحق اختبار حقيقي لإرادة
 الدولة السعودية وليس سواها، لأنه وقع على أرضها، وأصاب منشآت حيوية فيها، وهي التي تملك من القوة العسكرية، كما يقول مسؤولون فيها، ما يؤهلها للانتفام من إيران أو غيرها.
وما يزيد في انحدار منحنى الروح المعنوية عند الجيش والشعب السعوديين، وكذات الثقة في قدرات بلادهم العسكرية، ما قاله المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية، العقيد تركي المالكي، إن "غزوة " الهجوم على "أرامكو" نفذتها 18 طائرة مسيرة وسبعة صواريخ كروز.. يا للهول!! هذا العدد الكبير من الطائرات المسيّرة لم تكتشفه وسائل الرصد والاستطلاع، ولو بالعين المجردة؟ يدفعنا ذلك، والشعب والجيش في السعودية، إلى التساؤل عن فاعلية الدفاعات الجوية والرادارات والأقمار الصناعية وطائرات الأواكس، وكذا وجود القواعد العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية المنتشرة في الفضاء الخليجي.
يتهم الأميركان والسعوديون إيران، ومنهما من يتهم أتباع إيران في العراق. وفي الأثناء، يصر الرئيس ترامب، في كل لقاءاته الإعلامية، على أنه لا يريد الحرب مع إيران، حتى ولو ثبت أنها مصدر تلك "الغزوة"، ويكتفي بفرض الحصار على إيران.
(4)
المهم أن الواقعة (غزوة أرامكو) وقعت.. من فعلها؟ طائرات مسيرة أم صواريخ كروز أتت من اليمن أو من العراق أو إيران أو من البحر.. والأهم أن هذا الفعل، كما سوابق غيره، يجعل الخليج العربي في أخطر عواصفه. إذا تم السكوت على ما حدث من دون ردة فعل فتلك مصيبة، وإن تم رد الفعل فالمصيبة أعظم. والرأي عندي، لإغلاق أبواب جهنم التي فتحت على خليجنا العربي يصير ملحا الإعلان الفوري لإنهاء الأعمال العسكرية في اليمن، شماله وجنوبه، وسحب جميع قوات التحالف الإماراتي السعودي السوداني من اليمن، والعودة إلى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، ورفع الحصار عن قطر، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الخليجية ــ الخليجية، وإجراء مصالحة مع الحركة الإسلامية الإصلاحية في الخليج، وجميع أرجاء الوطن العربي، وإطلاق سراح سجناء الرأي في دول مجلس التعاون الخليجي، الكفّ عن استجداء التأييد من القوى الكبرى في مقابل دفع الجزية بذريعة الحماية، ويجب الاعتماد على الوحدة الوطنية في الخليج، ولا غير.
آخر القول: سارعوا، قادَتنا الميامين، بإغلاق أبواب جهنم، قبل أن يستفحل الأمر، ونكون بذلك من النادمين.
EC78868B-7E9C-4679-9EB1-42A585C1A75D
محمد صالح المسفر

كاتب وباحث من قطر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، له عدة بحوث ومقالات وكتب.