فالبارز على سطح المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة عام 2016 هو تنافس المرشحَين الرئاسيَين، دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، على كسب تأييد الناخبين من خلال مخاطبة مشاعرهم ومخاوفهم العنصرية والدينية ولون بشرتهم. والنبرة السياسية الهادئة التي يتحدث بها ترامب أمام جمهور من الأميركيين السود في كنيسة في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغن، هي غير لغة التعبئة العنصرية التي يعتمدها أمام جمهور من الأميركيين البيض في ولايات الجنوب الأميركي. وفي ولاية أريزونا يؤكد ترامب أنه سيجبر الحكومة المكسيكية على دفع تكاليف الجدار الذي ينوي بناءه على الحدود، لمنع دخول المهاجرين غير الشرعيين والمجرمين وتجار المخدرات إلى الولايات المتحدة، إلا أنه لم يبحث هذا الأمر على الإطلاق، عندما قام بزيارة "رئاسية" مفاجئة إلى العاصمة المكسيكية، في إطار محاولته استقطاب التأييد في أوساط الناخبين من أصول لاتينية.
غلبة مؤشر العنصرية
انعكست غلبة الاعتبارات العنصرية في الخطاب الانتخابي للمرشحين، حضوراً أكبر في استطلاعات الرأي المواكبة لتطور المشهد الانتخابي، إذ اعتمدت مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام قراءة اتجاهات التصويت المرتقبة، وفق الاعتبارات العنصرية، وما يتفرع منها وعنها من اعتبارات دينية وإثنية.
وتُقدّم النتائج والأرقام التي تنشرها دورياً مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأميركية صورة واضحة عن حجم القوة الناخبة للمجموعات العنصرية والإثنية والدينية، ودورها في اختيار الرئيس المقبل للولايات المتحدة. إذ تميل المعادلة الانتخابية حالياً بين كلينتون وترامب لصالح المرشحة الديمقراطية التي تحظى بتأييد غالبية ساحقة من ناخبي الأقليات ذات الأصول الأفريقية واللاتينية، ونسبة غير قليلة من البيض، إضافة إلى المسلمين والكاثوليك. بينما تقتصر شعبية ترامب على الأميركيين ذوي الأصول الأوروبية، وخصوصاً المجموعات المتطرفة عنصرياً.
وفي الأسابيع الماضية طرأ تغيير لافت في التكتيك الانتخابي للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، على وقع نتائج استطلاعات الرأي العام التي ما زالت ترجّح دفة كلينتون. ويحاول ترامب عبر تكتيكه الجديد إبعاد تهمة العنصرية عنه، وإصلاح ما يمكن في العلاقة مع الأقليات، بعد الضرر الذي لحق بهذه العلاقة على مدى الأشهر الماضية، منذ إعلان الملياردير النيويوركي ترشحه للانتخابات الرئاسية.
وقد بلغت نسبة التأييد لترامب بين الناخبين السود واحداً في المائة، كما لم تتجاوز العشرة في المائة في أوساط المهاجرين من ذوي الأصول اللاتينية. ولأن هؤلاء المهاجرين من الكاثوليك بأغلبيتهم، انخفضت أيضاً نسبة المؤيدين له في أوساط الناخبين الكاثوليك بشكل عام، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه أخيراً أحد مراكز الأبحاث الدينية الأميركية أن 52 في المائة من الناخبين الكاثوليك في الولايات المتحدة سيقترعون لصالح كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي، فيما لم يحصل دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري سوى على 32 في المائة من أصوات الناخبين الكاثوليك. ويُعتبر هذا الانحدار الحاد في نسبة تأييد الكاثوليك لمرشح رئاسي عن الحزب الجمهوري سابقة في سجل الانتخابات في الولايات المتحدة.
وتقوم الاستراتيجية الانتخابية لكلينتون على إظهار مخاطر عنصرية ترامب، واستثمار تصريحاته المعادية للمهاجرين والأميركيين من أصول لاتينية، وحملاته المتكررة على باراك أوباما، أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، ودعوته لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وتلجأ إلى استثمار كل ذلك في ترسيخ صورته العنصرية، وضمان تصويت ناخبي الأقليات لصالح الديمقراطيين.
كما أن تعيين ترامب لأحد أبرز رموز المجموعات العنصرية المتطرفة ستيفن بينان على رأس الفريق الذي يدير حملته الانتخابية، قدّم مادة سجالية دسمة لمنافسته الديمقراطية التي وصفته بالمتعصب الذي يحيط نفسه بمجموعة من رموز التطرف العنصري على غرار ديفيد ديوك القائد السابق لمنظمة "كو كلوكس كلان" العنصرية المتطرفة.
من المؤكد أن خطاب ترامب الانتخابي، الذي يعبّر عن مشاعر قلق عنصري وجودي لدى شرائح من الأميركيين البيض، تسبّب به وجود رئيس أسود في البيت الأبيض، وأثبت هذا الخطاب فعاليته في مرحلة الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري التي أفضت إلى ترشيح ترامب. إلا أن نتائج هذا الخطاب العنصري على المستوى الأميركي العام ستكون كارثية للجمهوريين في حال فشلت محاولات ترامب في رأب الصدع في علاقته مع الأميركيين من غير الأصول الأوروبية.
لوبي الأقليات
من أبرز نتائج التنافس الجمهوري-الديمقراطي المحموم على كسب أصوات ناخبي الأقليات في الولايات المتحدة، قيام حركة سياسية ناشطة في أوساط الأميركيين من أصول أفريقية تحت عنوان حماية الحقوق المدنية، ومكافحة كافة أشكال التمييز العنصري التي ما زال السود واللاتينيون والمهاجرون والمسلمون يتعرضون لها في الولايات المتحدة. كما أن الانقسامات العنصرية الحادة في المجتمع الأميركي حفّزت غالبية المجموعات العرقية والدينية في الولايات المتحدة على اقتفاء مثال الأقلية اليهودية التي استثمرت العصبية الدينية والقومية في تنظيم القوة اليهودية الناخبة التي تحوّلت إلى عامل مرجِّح في الانتخابات الأميركية، فيما يتولى اللوبي اليهودي المالي إحكام السيطرة على مفاصل القرار السياسي في واشنطن.
ويحظى أوباما بتأييد ساحق بين الأميركيين السود، وهو بالنسبة لهم رمز لانتصار تاريخي لن يسمحوا لأحد بإجهاض إنجازاته أو التشكيك فيه، ومشكلة ترامب مع الأميركيين السود تتمثل في هذه النقطة، وهي تعود إلى عام 2008 عندما قاد حملة التشكيك بمسيحية أوباما، والقول إنه مسلم واتهامه بتزوير شهادة ميلاده، وإنه لم يولد على الأراضي الأميركية. لذلك فإن محاولات المرشح الجمهوري تحسين حظوظه الانتخابية بين الأميركيين السود تبدو محكومة بالفشل، على غرار محاولاته مع ذوي الأصول اللاتينية.