أصبحت الزيادة السكانية هي الشغل الشاغل لجميع المسؤولين ووسائل الإعلام المصرية، وأمتد الأمر ليشمل وزارة الأوقاف والمفتي والأزهر كرد فعل لمقولة عبد الفتاح السيسي بأن السكان والإرهاب هما جناحا الأزمة المصرية في المنعطف التاريخي الحالي.
ومن المعروف علمياً أن عدم التناسب بين الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي هو أحد المحاور الثلاثة للمشكلة السكانية، أما المحور الثاني فهو سوء التوزيع الجغرافي للسكان؛ حيث إن المساحة المأهولة بالسكان لا تزيد عن 65% من إجمالي مساحة مصر الكلية، أما المحور الثالث فهو سوء الخصائص السكانية، وهذا يبدو واضحا من خلال عدد من المؤشرات:
1-اختلال التركيب العُمري للسكان وارتفاع نسبة الأطفال.
2- ارتفاع نسبة الأمية: ففي تعداد مصر 2017، تم الإعلان أن عدد الأميين بلغ 18.4 مليون نسمة، بنسبة 25.8% من اجمالي عدد السكان.
3- انهيار منظومة التعليم، حيث بلغت نسبة التسرُّب من التعليم لمن هم فوق 4 سنوات، في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية 7.3%، فيما بلغت نسبة الذين لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا 26.8%، وهي نسبة لا يُستهان بها، حيث تعني أن أكثر من ربع المصريين لم يلتحقوا بالتعليم من الأساس. ( تعداد مصر 2017 ).
اقــرأ أيضاً
4- انخفاض نسبة مساهمة الإناث في القوى العاملة، فنسبة مساهمة الإناث في الفئة العمریة ( 15 - 64 سنة) تبلغ 22.5% من إجمالي قوة العمل، وهي تمثل ما يقرب من ثلث مساهمة الرجال البالغة 70.5%.
5- ارتفاع معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15- 29 سنة) والبالغ 27.3% من إجمالي قوة العمل في نفس الفئة العمرية، و36.1% بين حملة المؤهلات من الشباب (15-29 سنة).
6- ارتفاع معدل الخصوبة، حيث بلغ 3.5 أطفال لكل سيدة.
7- انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي حيث تتزايد معدلات الفقر وأصبحت 27.8%.
8- عمالة الأطفال، فهناك 2.76 مليون طفل عامل، يمثلون حوالي 26%، أي أكثر من خُمس الأطفال في الشريحة العمرية من 14-16 سنة.
9- تدنّي مؤشرات الخدمات بالريف المصري، حيث إن نحو 60% من القرى تحتاج إلى إنشاء مدارس، و37% يحتاج إلى مراكز ثقافية، و74.3% من القرى لا يوجد بها صرف صحي، و21% من القرى بها صرف صحي متصل لمعظم المنازل. ورغم ضآلة النسبة التي يوجد بها صرف في القرى، فإن 52.6% من القرى التي يوجد بها صرف تعاني من انسداد في شبكاتها.
وتظهر المشكلة السكانية واضحة عندما لايتناسب معدل النمو الاقتصادي مع معدل الزيادة السكانية، لأن الإحساس بالتنمية الاقتصادية يعني أن النمو الاقتصادي أكثر من ثلاثة أمثال النمو السكاني، بمعنى أنه إذا كان معدل النمو السكاني يبلغ حاليا 2.6% سنويا، فإن من اللازم أن يزيد نمو الاقتصاد عن 8%، في حين أن المعدل الحالي لا يتجاوز 4.7%.
وقد شهد معدل النمو السكاني في مصر عدة طفرات من حيث الزيادة والنقصان بحسب الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد.
عبد الناصر وموجة الزيادة الأولى
تضاعف عدد السكان على مدى خمسين عاما من 9.7 ملايين عام 1897 إلى 19 مليونا عام 1949، في حين ظهرت زيادة سريعة منذ عام 1952 وحتى عام 1966 ليصل عدد السكان إلى 29 مليون نسمة، ويرجع هذا إلى قوانين الإصلاح الزراعي وتوزيع الأرض على المعدمين والدعاية الإعلامية حول تأميم القناة وإنشاء السد العالي والرخاء القادم للبلاد، مما شجع المواطنين على كثرة الإنجاب بهدف توفير الأيدي العاملة الزراعية والاستمتاع بالرخاء الموعود. وظهرت المؤشرات الأوّلية للزيادة السكانية عام 1965، حيث قرر الرئيس جمال عبد الناصر إنشاء هيئة عليا برئاسة وزير الصحة بهدف خفض المواليد والعمل على ضبط الزيادة السكانية.
السادات وموجة الزيادة الثانية
مع هزيمة يونيو 1967 ظهر تراجع في معدل الزيادة السكانية، خاصة أن معظم الشباب كان تحت التجنيد المستمر مع انتشار الإحساس العام بعدم الاستقرار المجتمعي، وجاء انتصار أكتوبر 73 وما تبعه عن الدعايات الإعلامية بالسلام وتوقف الحروب والوعود بالرخاء والاستقرار، وحديث الرئيس السادات التاريخي عن "عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون"، لتشهد مصر طفرة سكانية كبيرة ومستمرة لسنوات ليرتفع عدد السكان إلى 50.4 مليون نسمة عام 1986، مما أحدث قلقا بالغا عند ظهور بدايات المؤشرات السكانية عام 1985، وأدى ذلك إلى فكرة إنشاء المجلس القومي للسكان بأوامر من حسني مبارك رئيس البلاد في هذا التوقيت، وتولى بنفسه رئاسة المجلس بحيث يكون هو المهيمن على جميع الأنشطة الهادفة إلى حل المشكلة السكانية بمحاورها الثلاثة، وضم المجلس جميع وزراء الجهات المعنية بالسكان والنمو الاقتصادي.
اقــرأ أيضاً
وهنا بدأت مرحلة جديدة من الإجراءات الجادة بلغت ذروتها بعقد مؤتمر القاهرة الدولي للسكان عام 1994، وما تلاه من مشروعات وبرامج مجتمعية وإعلامية أثّرت بقوة على خفض معدل الزيادة السكانية خلال فترة التسعينيات، ولكن صدر قرار بنقل رئاسة المجلس القومي للسكان إلى وزير الصحة، قلل من القوة التأثيرية على باقي قطاعات الدولة، وصاحبها تراجع في الاهتمام الإعلامى منذ عام 2002.
ثورة يناير 2011 وموجة الزيادة الثالثة
بعد عام 2005 ظهرت طفرة سكانية شملت زيادة واضحة في شريحة الشباب المقبلين على الزواج، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في سبتمبر/أيلول 2017، واستمرت الموجة لتبلغ مداها بعد ثورة 25 يناير 2011 والإحساس الشعبي الجارف بالحرية والعيش وما تلاه عن مبشّرات بالاكتفاء الذاتي من الغذاء خاصة القمح، وانتشار الأمل والطموحات في مستقبل أفضل ليصل عدد السكان إلى 104 ملايين نسمة في تعداد 2017.
السيسي وبُشريات 11 ألف مشروع
شعب يستمع يوميا إلى خطابات سياسية تبشره بالرخاء وتتحدث عن إنجازات يومية بشكل غير مسبوق، فلماذا يخشى الزيادة السكانية إذا؟! فقد شهدت الساحة المصرية في الأشهر الأخيرة ضجة إعلامية كبرى حول الإنجازات التي بلغت 11 ألف مشروع خلال أربع سنوات بمعدل ثلاثة مشروعات يوميا، وتصريحات وزيرة الهجرة عن أملها في عودة المصريين من الخارج ووجود فرص عمل لهم، وحديث المسؤولين عن الرخاء القادم والاستقرار.
وقياسا على ما سبق في التاريخ المصري القريب فإنه من المتوقع أن يؤدي حديث الإنجازات إلى موجة جديدة من الزيادة السكانية، خاصة بين الفئات التي تعتمد في ثقافتها على مصادر الدعاية الإعلامية الداخلية، وبالتالي تنشأ عندها قناعات بأن تلك الإنجازات حقيقية فعلا، وهذا سيؤدي بكل تأكيد إلى كثرة الإنجاب أملا في مستقبل أفضل تعدهم به الحكومة غير عابئين بالبرامج والمشروعات الكثيرة التي تهدف إلى الحد من عدد المواليد، ولهذا السبب فإنه إذا كانت الدولة جادة في مواجهة المشكلة السكانية فعليها أن تكفّ عن تضخيم حديث الإنجازات الذي يؤدي بدوره إلى طفرة متوقعة في عدد السكان.
ومن المعروف علمياً أن عدم التناسب بين الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي هو أحد المحاور الثلاثة للمشكلة السكانية، أما المحور الثاني فهو سوء التوزيع الجغرافي للسكان؛ حيث إن المساحة المأهولة بالسكان لا تزيد عن 65% من إجمالي مساحة مصر الكلية، أما المحور الثالث فهو سوء الخصائص السكانية، وهذا يبدو واضحا من خلال عدد من المؤشرات:
1-اختلال التركيب العُمري للسكان وارتفاع نسبة الأطفال.
2- ارتفاع نسبة الأمية: ففي تعداد مصر 2017، تم الإعلان أن عدد الأميين بلغ 18.4 مليون نسمة، بنسبة 25.8% من اجمالي عدد السكان.
3- انهيار منظومة التعليم، حيث بلغت نسبة التسرُّب من التعليم لمن هم فوق 4 سنوات، في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية 7.3%، فيما بلغت نسبة الذين لم يلتحقوا بالتعليم مطلقًا 26.8%، وهي نسبة لا يُستهان بها، حيث تعني أن أكثر من ربع المصريين لم يلتحقوا بالتعليم من الأساس. ( تعداد مصر 2017 ).
4- انخفاض نسبة مساهمة الإناث في القوى العاملة، فنسبة مساهمة الإناث في الفئة العمریة ( 15 - 64 سنة) تبلغ 22.5% من إجمالي قوة العمل، وهي تمثل ما يقرب من ثلث مساهمة الرجال البالغة 70.5%.
5- ارتفاع معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15- 29 سنة) والبالغ 27.3% من إجمالي قوة العمل في نفس الفئة العمرية، و36.1% بين حملة المؤهلات من الشباب (15-29 سنة).
6- ارتفاع معدل الخصوبة، حيث بلغ 3.5 أطفال لكل سيدة.
7- انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي حيث تتزايد معدلات الفقر وأصبحت 27.8%.
8- عمالة الأطفال، فهناك 2.76 مليون طفل عامل، يمثلون حوالي 26%، أي أكثر من خُمس الأطفال في الشريحة العمرية من 14-16 سنة.
9- تدنّي مؤشرات الخدمات بالريف المصري، حيث إن نحو 60% من القرى تحتاج إلى إنشاء مدارس، و37% يحتاج إلى مراكز ثقافية، و74.3% من القرى لا يوجد بها صرف صحي، و21% من القرى بها صرف صحي متصل لمعظم المنازل. ورغم ضآلة النسبة التي يوجد بها صرف في القرى، فإن 52.6% من القرى التي يوجد بها صرف تعاني من انسداد في شبكاتها.
وتظهر المشكلة السكانية واضحة عندما لايتناسب معدل النمو الاقتصادي مع معدل الزيادة السكانية، لأن الإحساس بالتنمية الاقتصادية يعني أن النمو الاقتصادي أكثر من ثلاثة أمثال النمو السكاني، بمعنى أنه إذا كان معدل النمو السكاني يبلغ حاليا 2.6% سنويا، فإن من اللازم أن يزيد نمو الاقتصاد عن 8%، في حين أن المعدل الحالي لا يتجاوز 4.7%.
وقد شهد معدل النمو السكاني في مصر عدة طفرات من حيث الزيادة والنقصان بحسب الأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد.
عبد الناصر وموجة الزيادة الأولى
تضاعف عدد السكان على مدى خمسين عاما من 9.7 ملايين عام 1897 إلى 19 مليونا عام 1949، في حين ظهرت زيادة سريعة منذ عام 1952 وحتى عام 1966 ليصل عدد السكان إلى 29 مليون نسمة، ويرجع هذا إلى قوانين الإصلاح الزراعي وتوزيع الأرض على المعدمين والدعاية الإعلامية حول تأميم القناة وإنشاء السد العالي والرخاء القادم للبلاد، مما شجع المواطنين على كثرة الإنجاب بهدف توفير الأيدي العاملة الزراعية والاستمتاع بالرخاء الموعود. وظهرت المؤشرات الأوّلية للزيادة السكانية عام 1965، حيث قرر الرئيس جمال عبد الناصر إنشاء هيئة عليا برئاسة وزير الصحة بهدف خفض المواليد والعمل على ضبط الزيادة السكانية.
السادات وموجة الزيادة الثانية
مع هزيمة يونيو 1967 ظهر تراجع في معدل الزيادة السكانية، خاصة أن معظم الشباب كان تحت التجنيد المستمر مع انتشار الإحساس العام بعدم الاستقرار المجتمعي، وجاء انتصار أكتوبر 73 وما تبعه عن الدعايات الإعلامية بالسلام وتوقف الحروب والوعود بالرخاء والاستقرار، وحديث الرئيس السادات التاريخي عن "عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون"، لتشهد مصر طفرة سكانية كبيرة ومستمرة لسنوات ليرتفع عدد السكان إلى 50.4 مليون نسمة عام 1986، مما أحدث قلقا بالغا عند ظهور بدايات المؤشرات السكانية عام 1985، وأدى ذلك إلى فكرة إنشاء المجلس القومي للسكان بأوامر من حسني مبارك رئيس البلاد في هذا التوقيت، وتولى بنفسه رئاسة المجلس بحيث يكون هو المهيمن على جميع الأنشطة الهادفة إلى حل المشكلة السكانية بمحاورها الثلاثة، وضم المجلس جميع وزراء الجهات المعنية بالسكان والنمو الاقتصادي.
وهنا بدأت مرحلة جديدة من الإجراءات الجادة بلغت ذروتها بعقد مؤتمر القاهرة الدولي للسكان عام 1994، وما تلاه من مشروعات وبرامج مجتمعية وإعلامية أثّرت بقوة على خفض معدل الزيادة السكانية خلال فترة التسعينيات، ولكن صدر قرار بنقل رئاسة المجلس القومي للسكان إلى وزير الصحة، قلل من القوة التأثيرية على باقي قطاعات الدولة، وصاحبها تراجع في الاهتمام الإعلامى منذ عام 2002.
ثورة يناير 2011 وموجة الزيادة الثالثة
بعد عام 2005 ظهرت طفرة سكانية شملت زيادة واضحة في شريحة الشباب المقبلين على الزواج، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في سبتمبر/أيلول 2017، واستمرت الموجة لتبلغ مداها بعد ثورة 25 يناير 2011 والإحساس الشعبي الجارف بالحرية والعيش وما تلاه عن مبشّرات بالاكتفاء الذاتي من الغذاء خاصة القمح، وانتشار الأمل والطموحات في مستقبل أفضل ليصل عدد السكان إلى 104 ملايين نسمة في تعداد 2017.
السيسي وبُشريات 11 ألف مشروع
شعب يستمع يوميا إلى خطابات سياسية تبشره بالرخاء وتتحدث عن إنجازات يومية بشكل غير مسبوق، فلماذا يخشى الزيادة السكانية إذا؟! فقد شهدت الساحة المصرية في الأشهر الأخيرة ضجة إعلامية كبرى حول الإنجازات التي بلغت 11 ألف مشروع خلال أربع سنوات بمعدل ثلاثة مشروعات يوميا، وتصريحات وزيرة الهجرة عن أملها في عودة المصريين من الخارج ووجود فرص عمل لهم، وحديث المسؤولين عن الرخاء القادم والاستقرار.
وقياسا على ما سبق في التاريخ المصري القريب فإنه من المتوقع أن يؤدي حديث الإنجازات إلى موجة جديدة من الزيادة السكانية، خاصة بين الفئات التي تعتمد في ثقافتها على مصادر الدعاية الإعلامية الداخلية، وبالتالي تنشأ عندها قناعات بأن تلك الإنجازات حقيقية فعلا، وهذا سيؤدي بكل تأكيد إلى كثرة الإنجاب أملا في مستقبل أفضل تعدهم به الحكومة غير عابئين بالبرامج والمشروعات الكثيرة التي تهدف إلى الحد من عدد المواليد، ولهذا السبب فإنه إذا كانت الدولة جادة في مواجهة المشكلة السكانية فعليها أن تكفّ عن تضخيم حديث الإنجازات الذي يؤدي بدوره إلى طفرة متوقعة في عدد السكان.