الزمن التونسي المشاغِب

09 نوفمبر 2014
من حملة المرزوقي للرئاسة (الأناضول)
+ الخط -
تدرك قيادة حركة النهضة التونسية جيداً، أن الأمور في بلادها لا تزال في طورها الانتقالي، على الرغم من أنها رسمياً ودستورياً، يفترض أن تكون قد دخلت بالفعل مرحلة الديمومة، مع إقرار الدستور الجديد وانتخاب مجلس نواب. والحركة، في قرارها عدم ترشيح أي كادر من صفوفها بدايةً للرئاسة، ثم بعدم دعم أي من المرشحين الـ26 لرئاسيات 23 الشهر الجاري، تواصل التأكيد للعالم أنها فهمت الدرس المصري أيّما فهمٍ، لتبقى الرقم الصعب في العملية السياسية، لكن ليس الرقم واحد فيها.

بعد انتخابات 26 أكتوبر/تشرين الأول التشريعية في تونس، بات جائزاً الكلام عن النموذج التونسي الفريد للمحاسبة الشعبية، وهو ما أولته النهضة اهتماماً خاصاً في قرارها عدم دعم أي ترشيح رئاسي رسمياً. فتلك المحاسبة تبدو متقلبة حدّ العنف، غير مستقرة، مزاجية، غاضبة، عقابية، بدليل ما نالته أحزاب الترويكا الحاكمة منذ 2011، باستثناء النهضة نفسها التي نجت مع 69 مقعداً في مقابل المقعد الوحيد لحزب الرئيس منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر.

أغلب الظن أن "النهضويين" أدركوا، في الاجتماعات الماراثونية لمجلس شوراهم، أنه ما كان لحزبهم أن يحصد النتيجة المقبولة التي حصدها، لولا قراره التاريخي القاضي بعدم ترجمة نتيجة انتخابات 2011، أي بعدم الحكم منفردين، بعكس ما فعله إخوان مصر مثلاً حين تجاهلوا جميع نصائح الحكماء المقربين منهم حتى. أدرك النهضويون أن تقاسم السلطة سينعكس تقاسماً للمحاسبة الشعبية التي ستبقى عقابية لفترة لن تنتهي قريباً، ريثما يتحسن الوضع الاقتصادي والأمني، أي باختصار ريثما تنجز تونس فعلاً مرحلتها الانتقالية. فهمت "النهضة" أن الرئاسيات ستكون كأساً مرّة لمن "يتورّط" فيها، وأن الزمن هو زمن معارضة وليس حُكم في تونس، لأن بارومتر الشعبية لم يرسُ بعد على معايير واضحة.

في حال فوز الباجي قائد السبسي بالرئاسة، سيشكل، على الأرجح، مع حلفائه في "العائلة الديمقراطية" حكومة لن تشارك فيها "النهضة"، لكن أغلب الظن أن لا الكاريزما ولا خبرة عقوده المديدة ولا كل ما تعلمه من حنكة بورقيبة ستفيده في فهم أنّ الزمن التونسي لا يزال زمن معارضة وغضب، لا زمن حُكم وبرامج.
المساهمون