الزردة... مزارات الأولياء تنعش التجارة في أرياف تونس

29 أكتوبر 2015
انتعاش أسواق الزراعة في موسم الاحتفالات (Getty)
+ الخط -
يعد فصل الخريف أكثر فصول العام نشاطاً في القرى والأرياف التونسية التي تستعد بداية من سبتمبر/أيلول للموسم الزراعي، وما يزيد أهمية فصل الخريف لسكان القرى هو إحياء احتفالاتهم السنوية لمزارات الأولياء أو ما يسمى في تونـس بـ"الزردة".
ولا تقتصر "الزردة" على إحياء ذكرى هذا الولي فقط بل تعد مناسبة هامة لإحياء العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية بين القرى كما تمثل سوقاً مهمة للباعة المتجولين.
فمنذ الإعلان عن موعد الاحتفال تستنفر العائلات القاطنة في المناطق المحيطة بمقام الولي الصالح، ويقوم الأهالي بدعوة أقاربهم وأهلهم من الضيعات (القرى الصغيرة) المجاورة وحتى من داخل المدن فدعوة "الزردة "لا ترد حسب اعتقادهم.
ويعتبر منتصر الخضراوي أن افتتاح الموسم الزراعي باحتفال الزردة وفق الموروث الشعبي لأهل قريته مباركة للدورة الزراعية، مشيراً إلى أن هذه الاحتفالات تحقق نتائج اقتصادية هامة وتوفر مداخيل لا بأس بها لأهالي القرى التي تعيش أساسا من ريع المنتجات الفلاحية.
ويشير الخضراوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن زردة "سيدي تليل" إلى أن التجار يتحولون طيلة أيام الاحتفال إلى سوق المدينة لعقد صفقات ومبادلات تجارية في الحبوب والبقول والصوف زيادة على المبيعات المختلفة للحلويات والمنتجات التقليدية التي تصنعها النساء في بيوتهن، من نسج الحلفاء أو العطور الطبيعية والأعشاب البرية والأقمشة، وهو ما يوفر لهن دخلا إضافيا يسمح لهن بتوفير مدخرات بمجابهة المصاريف العائلية في انتظار نضوج أول المحاصيل الزراعية .
ويعمد تجار الزردة إلى التخفيض في الأسعار اتقاء لغضب الولي الصالح حسب معتقداتهم الذي يحث على بيع المنتجات بأسعار زهيدة مراعاة لفقراء الحال وتلبية لرغبات كل الفئات الاجتماعية التي تتدفق إلى المكان لإحياء ذكراه حيث لا تتجاوز أسعار السلع التقليدية المعروضة العشرة دنانير في أقصى الحالات (5,5 دولارات)
ويقول الخضرواي إن طقوس الزردة تشهد تطورا من سنة إلى أخرى من حيث ابتكار أنشطة جديدة أو السلع التي يوفرها التجار، مشيرا إلى أن هذه المناسبة خلقت موارد شغل عديدة للباعة المتجولين ممن يتنقلون من ضيعة إلى أخرى لإحياء مواسم "الزردات" وترويج سلعهم، شعارهم التجاري في ذلك مباركة الأولياء الصالحين .
وتلتئم الزردة إلزاما في النصف الأوّل من خريف كل عام. ويشرف على تنظيمها الولد البكر (الأكبر) لإحدى عائلات العشيرة التي توارثت هذا الشرف أبا عن جد ومنذ أمد بعيد، ويسمونه وكيل الزردة.
يتم الإعلان عن الزردة قبل أسبوعين من يوم تنظيمها في مرتين متتاليتين. حيث يطوف الوكيل في الأسبوع الأول في السوق ويردد لثلاث مرات: بأمر الله وأمر الصالحين، زردة سيدي تليل في التاريخ المحدد ويكون بذاك قد أعلن عن موعد الزردة ويقال بأنه أعلم الناس وفي الأسبوع الذي يليه يطوف مجددا بالسوق ويردد نفس العبارة ويكون بذاك قد أكد موعدها.
يوم الزردة، تنتقل حركة السوق لذاك الأسبوع إلى موضع الضريح. حيث تنتصب الخيمات منذ ساعات الصباح الأولى ومع بداية أولى إشراقات شمس ذلك اليوم، تصطّف النسوة، وبخاصة الجدّات منهنّ، حول باب الضريح المبارك قبل أن يسمح لهنّ بالدخول برفقة أطفالهّن وأحفادهنّ إليه. فيشرعن في تقبيل "التابوت" بخشوع مهيب. بعد أن يتضرعن إليه بسيل من الأدعية والأمنيات يشعلن شمعة أو شمعتين، ويضعن بعض المال عند المغادرة يخصص لاحقا إما لصيانة مقام الولي الصالح أو لإحدى العائلات الفقيرة والفاقدة السند
ليلا، وبعد أن يشرع الليل في إسدال أولى ستائره وبعد أن تتّم تهيئة ساحة القرية جيدا لاحتضان تلك الليلة الموعودة. يبدأ الناس في التوافد لينالوا نصيبهم من أكلة "الكسكسي بلحم الظأن" التي تجلبها النساء لمقر الولي الصالح بعد أن إدّخرن من مواشي العائلة طيلة سنة كاملة أجود الأكباش (الخراف الكبيرة) لتقديمه كقربان للولي الصالح.
ويعتبر خبراء السياحة أن مواسم الزردة يمكن أن تمثل منتجا سياحيا مهما نظرا لثراء هذه الاحتفالات بالأنشطة الثقافية والموسيقية واختزانها على موروث شعبي كبير إضافة إلى قدرتها على تنشيط الحياة الاقتصادية في المحافظات والمدن التي تشكو صعوبات تنموية وارتفاعا في نسب البطالة.
المساهمون