الزحف المقدّس

13 يناير 2018

(Getty)

+ الخط -
لا يعيب رئيس اتحاد الكتاب السوريين الحالي أن يعلن، بكل فخر، أن اجتماعاً للمكتب الدائم للاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب سوف يُعقد في دمشق قريباً برعاية الأسد. فالرجل، منذ البدايات الأولى للثورة السورية، حين كانت في أبهى صورة لها، وقف ضدها بصمته عما يحدث، أو بمواربةٍ بالغة الرداءة، حين كان يقول حين يُسأل عن رأيه بما يحدث، ولم يكن وقتها يخطر في باله أنه سوف يصبح رئيساً للاتحاد، أنه "يقف مع الوطن"، وكأن الوطن حالةٌ مفصولةٌ عن الشعب الثائر، وكأن من تظاهر في شوارع سورية، واعتقل وعُذب وقُتل وشُرّد، ليس من هذا الوطن، أو كأن ذلك كله حدث من أجل أوطان الآخرين! هذا التهرّب الرديء من الإجابة على سؤالٍ ملحٍّ وأخلاقي في ذلك الوقت، كان نوعاً من البراغماتية والانتهازية الواضحة، فالوقوف "مع الوطن" سيضمن له صفحة بيضاء، وموقفاً لا يُحسب عليه في حال انتصار الثورة. و"الوقوف مع الوطن" أيضاً يعني الوقوف مع النظام، في حال انتصار النظام، فالوطن تم دمجه، منذ استلم آل الأسد حكم سورية، بالنظام، والمعارضون للنظام هم خونة الوطن. هذا، في كل حال، وضعٌ عربيٌّ بامتياز، لا يمكنك أن تنتقد أي نظام عربي حاكم من دون أن يطلع عليك من يتهمك بكراهية الشعب والبلد الذي تنتقد نظامه وعدائهما.
لا يعيب، إذاً، رئيس اتحاد الكتاب السوريين ما أعلنه، فالرجل حسم خياراته، وتخلى عن إجابته البراغماتية، وأعلن ولاءه الكامل للنظام، واستلم رئاسة واحدةٍ من أكبر مؤسسات النظام الثقافية. والمجتمع الدولي حالياً يتجه نحو إعادة تدوير النظام السوري وتبييض صفحته، متناسياً أو غاضّاً النظر عن كل ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب، من قتل أكثر من نصف الشعب السوري وتعذيبه وتشريده، وتدمير أكثر من سبعين في المائة من البلد، وتخريبها بذريعة محاربة الإرهاب. فلمَ لا يفاخر الرجل بهذا (الإنجاز)، ويعلنه بكل فخر، وكأنه يعلن فيه بيان الانتصار، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، قبل أن يتكشف أكثر من نصف الشعب السوري عن (إرهابه وعمالته)! وتعود "سورية الأسد" لتكون "قلب العروبة النابض وقلعتها الصامدة" في وجه المخططات الإمبريالية، ووجه إسرائيل التي استباحت السماء السورية خلال السنوات الأخيرة، وقصفت مواقع سورية عسكرية بالغة الحساسية. وما زال قلب العروبة النابض يحتفظ بحق الرد على إسرائيل حتى هذه اللحظة، بينما يبرّر مؤيدوه من (المثقفين) السوريين والعرب حربه ضد السوريين بأنها الحرب على إسرائيليّي الداخل السوري.
لكن، ماذا بالنسبة لوفود الكتاب والأدباء العرب الذين سيشدّون الرحال إلى دمشق، للمشاركة في اجتماعات الأمانة العامة، والأنشطة المصاحبة. وسيقابلون، كما قيل، رأس النظام السوري، وسيصافحون يده الموغلة في دم شعبه وخراب بلده؟ ماذا بالنسبة لهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم نخب شعوبهم، فالكاتب هو لسان حال الشعب، والشعوب على مد الزمن تفاخر بكتابها ومبدعيها، باعتبارهم يمثلون ضمائر الشعوب الظاهرة والمضمرة؟ كيف سيكون حالهم وهم يمجّدون سورية الأسد، على عادة وفود الأدباء العرب، بينما في السجون والمعتقلات التي تبعد عن مركز اجتماعهم كيلومترات قليلة فقط، يموت يومياً عشرات من خيرة شباب سورية تحت التعذيب؟ لن نسأل عن موقف هؤلاء من القصف المتواصل للغوطة، والذي سيسمعونه حتماً في أثناء إقامتهم الميمونة في رحاب دمشق، فالنسبة لهم كل من في الغوطة يُصنف تحت بند الإرهاب. لكن سنطلب منهم أن يسألوا، ولو من باب الفضول، عن مصير عبد العزيز الخير ورجاء الناصر ورفاقهما المختفين  من أعضاء هيئة التنسيق الوطنية، والتي تمثل "المعارضة الوطنية" التي كانت أول من طرح اللاءات الثلاث، وهي اللاءات نفسها التي يبرّر فيها مؤيدو النظام السوري من المثقفين العرب وقوفهم ضد الثورة.. هل سيجرؤ أحدهم على فعل ذلك؟ وهل سيجرؤ أحدهم على الإجابة على سؤال قد يطرحه أي سوري: بعد كل ما حصل ويحصل في العالم العربي، كيف يمكنكم التهليل لنظامٍ لا يزال يعتقل مواطنيه، لمجرد مطالبة الجميع بوقف الحرب؟ كيف يمكنكم الذهاب إلى بلدٍ لا يستطيع أكثر من نصف شعبه العودة إليه، وأكثر من سبعين بالمئة من كتابه ومثقفيه خارجه، ويتعرّضون يومياً للتخوين والتشنيع لرأيهم السياسي المعارض؟
هنيئاً لوفود الكتاب والمثقفين العرب "زحفهم المقدس" إلى "سورية الأسد"، وطوبى لمن يحلمون بسورية نقية، وخالية من أي استبدادٍ تُنسب له.
BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.

The website encountered an unexpected error. Please try again later.