الريال الإيراني يتحسن... ودولتان تفرجان عن أموال طهران

21 يوليو 2020
عودة بطيئة لنشاط الاقتصاد (فرانس برس)
+ الخط -

بعد هبوط كبير، خلال الفترة الأخيرة، بدأ الريال الإيراني يتحسن منذ الثلاثاء، حيث استعاد نحو 25 في المائة من قيمته.
وفي معاملات اليوم الثلاثاء، تراجع سعر صرف كل دولار أميركي إلى أقل من 200 ألف ريال، وذلك بعدما ارتفع إلى نحو 260 ألف ريال، حتى الأحد الماضي، حيث خسرت العملة الإيرانية نحو 90% من قيمتها منذ مارس/ آذار الماضي، لكن الهبوط الحاد وقع خلال الشهرين الأخيرين.
وأكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، اليوم الثلاثاء، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن قيمة الريال ستتحسن أكثر، كاشفا عن الإفراج عن موارد إيرانية بالعملة الصعبة في دولتين أجنبيتين، من دون تسميتهما.
وقال ربيعي إنه "بجهود الخارجية والبنك المركزي توفرت ظروف عودة عوائد بالعملة الصعبة من البلدين إلى الداخل"، مؤكدا "سنعيد أموالنا بالعملة الصعبة إلى الداخل"، لكنه لم يكشف المزيد من التفاصيل عما إذا كانت تلك الأموال التي أفرج عنها دخلت البلاد أم لا.
يشار إلى أنه بعد العقوبات الأميركية المفروضة على طهران إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018، طاولت كافة مفاصلها الاقتصادية، بما فيها الصادرات النفطية وتعاملاتها المالية والمصرفية مع الخارج، أصبحت إيران تواجه مشكلات كبيرة في إعادة أموال صادراتها من الخارج، حيث تقدر تقارير أن حجم الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج بلغ أكثر من 100 مليار دولار. من بينها نحو 9 مليارات دولار في كوريا الجنوبية، فبعد رفضها إعادة هذه الأموال، عازية ذلك إلى العقوبات الأميركية، اشتكت طهران لدى الأوساط الدولية القانونية، خلال الشهر الجاري، وهو ما دفع بيونغ يانغ إلى استدعاء السفير الإيراني لديها اليوم الثلاثاء احتجاجا على الخطوة.

ويثير التراجع الحاد والسريع في قيمة الريال الإيراني، خلال الفترة الأخيرة، وفي الوقت نفسه، تحسنه السريع خلال اليومين الأخيرين، تساؤلات ملحة، حول أسباب الأمرين المتناقضين، وفيما اتهمت الحكومة الإيرانية، جهات خارجية بالتلاعب بالعملة الإيرانية من خلال العالم الافتراضي والتسبب بتراجعها من خلال "الإشاعات"، وعوامل أخرى، إلا أن تقارير إعلامية ومراقبين عزوا سبب هذا التراجع إلى مساع حكومية لتعويض عجز الموازنة.
وتسببت ظروف تفشي كورونا في إيران منذ التاسع عشر من فبراير/الماضي، في تراجع حاد بموارد إيران بالعملة الصعبة، بعدما أحكم كورونا مفاعيل العقوبات الأميركية، إثر تسبب الفيروس بإغلاق الحدود التجارية الإيرانية مع الدول الجارة، وتحديدا العراق الذي يشكل الوجهة الثانية من الصادرات الإيرانية، ويبغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين نحو 12 مليار دولار سنويا.
وعليه، فإن تداعيات كورونا تشكل أحد أهم عوامل ارتفاع سعر الدولار في إيران، فضلا عن أن عوائد الصادرات الإيرانية خلال العامين الأخيرين، لم تعد إلى الداخل، وهو ما تسبب بمزيد من شح الموارد بالعملة. ويُقدر حجم هذه العوائد بـ27 مليار دولار. وتأخير المصدرين الإيرانيين في إعادة هذه المبالغ إلى الداخل، دفع الحكومة الإيرانية إلى تحديد مهلة لهم، تنتهي اليوم الثلاثاء.
ولإجبار المصدرين على إعادة هذه الأموال، دخلت السلطة القضائية الإيرانية على الخط ليهدد المتحدث باسم السلطة، غلام حسين إسماعيلي، أخيرا، بملاحقتهم قضائيا.
وأدى شح الموارد الإيرانية بالعملة الصعبة إلى اختلال التوازن بين العرض والطلب، حيث تراجع عرض البنك المركزي الإيراني، العملات الأجنبية في الأسواق، في مقدمته سوق "نيما" الذي أسسه البنك المركزي عام 2018 لتأمين العملات الأجنبية للتجار الإيرانيين بأسعار أقل من التي في السوق الموازي، وهي غير السعر الرسمي 42 ألف ريال، الذي خصصت الحكومة لتأمين السلع الأساسية فحسب.

وفي البحث عن أسباب التحسن السريع للريال الإيراني، خلال اليومين الأخيرين،  يرجع ذلك إلى جملة عوامل، في مقدمتها  قيام البنك المركزي الإيراني بضح نحو 500 مليون دولار في سوق "نيما"، بالإضافة إلى 481 مليون درهم إماراتي خلال اليومين الأخيرين. فضلا عن قرب انتهاء المهلة للمصدرين لإعادة عوائد الصادرات بالعملة الصعبة إلى سوق "نيما" وفي الوقت نفسه، الأنباء عن قرب عودة أموال إيرانية بالعملة الصعبة من الخارج.
وفيما رفض المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، اليوم الثلاثاء، تسمية الدولتين اللتين ستسمحان بعودة أموال إيرانية بالعملة الصعبة، لكن يبدو أن العراق يشكل أحداهما، حيث تجري هذه الأيام مباحثات مكثفة بين البنكين المركزيين الإيراني والعراقي.
وقال المدير العام للشؤون الدولية بالبنك المركزي الإيراني، حميد قنبري، بعد زيارته للعراق، الأحد الماضي، إن الوفد الإيراني أجرى "مباحثات مفيدة وبناءة" مع الجانب العراقي، بشأن مصير أموال إيرانية لدى بغداد، هي عوائد الصادرات الإيرانية للعراق، تجنبت بغداد دفعها لإيران خوفا من العقوبات الأميركية. وتقدر تقارير إيرانية هذه الأموال بنحو 5 مليارات دولار.
وأضاف قنبري أنه توصل إلى تفاهمات خلال مفاوضاته في العراق "ستصبح نهائية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي والوفد المرافق له إلى إيران"، التي بدأت ظهر اليوم الثلاثاء.
وتوقع المسؤول الإيراني عودة الإيرادات الإيرانية بالمليارات من الدولارات في حال التوصل إلى اتفاق نهائي خلال زيارة الكاظمي.

الأسعار في الأسواق الإيرانية، تسجل ارتفاعا يتفاوت بين 20 إلى 200 في المائة وأحيانا أكثر من ذلك، خلال الشهرين الأخيرين، بالمقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي.


ويأتي الرهان الإيراني على نتائج زيارة الكاظمي اقتصاديا، في وقت، أدى فيه تراجع الريال إلى انكماش حاد في القوة الشرائية للمواطن الإيراني، بعد ارتفاع هائل في أسعار السلع والخدمات، وخصوصا في السلع الأساسية، وذلك بعدما لجأت الحكومة الإيرانية إلى إلغاء الاعتماد على سعر الصرف الرسمي للدولار (42 ألف ريال) لتوفير أصناف من السلع الأساسية، وذلك على خلفية شح الموارد بالعملة الصعبة.
ورصد "العربي الجديد" أن الأسعار في الأسواق الإيرانية، تسجل ارتفاعا يتفاوت بين 20 إلى 200 في المائة وأحيانا أكثر من ذلك، خلال الشهرين الأخيرين، بالمقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي.
وتتصاعد الأسعار في إيران بوتيرة يومية، حيث الشهر الأخير، سجلت ارتفاعا أكثر من ذي قبل في أسعار السلع الأساسية في إيران، بالمقارنة مع الشهر الذي سبقه، حيث ارتفعت أسعار الرز المستورد نحو 20 في المائة، والبقليات نحو 10 في المائة.
إلا أن أسعار العقارات خلال العامين الأخيرين، منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ودخول الريال في مسار تراجعي مستمر، سجلت نحو 300 في المائة من الارتفاع ليرتفع معدل سعر المتر الواحد من العقارات في العاصمة طهران إلى نحو 190 مليون ريال.
ودفعت الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران حاليا، الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى القول في وقت سابق من الشهر الجاري، إن بلاده تواجه "العام الأصعب بسبب الضغوط الاقتصادية للعدو (الأميركي) وجائحة كورونا".
وبعد ما تسببت العقوبات الأميركية بأزمة اقتصادية في إيران، فاقمها كورونا خلال الشهور الخمسة الأخيرة، حيث بحسب الأرقام الرسمية فإن 4 ملايين إيراني معرضون للبطالة بعد تفشي كورونا خلال الشهرين الماضيين. كما أنه بحسب الحكومة الإيرانية فإن الفيروس أثر بشكل مباشر على 3 ملايين و300 ألف شخص من أصحاب المشاغل في البلاد وتسبب بإغلاق أكثر من 1.5 مليون معمل إنتاجي حكومي أو غير حكومي.

جاء كورونا وتداعياته الاقتصادية الكبيرة، في وقت، ودعت فيه إيران عامها الاقتصادي قبل نحو ثلاثة أشهر بنمو سلبي وصل إلى 7.2- في المائة بعد تراجع كبير في صادراتها النفطية


وجاء كورونا وتداعياته الاقتصادية الكبيرة، في وقت، ودعت فيه إيران عامها الاقتصادي قبل نحو ثلاثة أشهر بنمو سلبي وصل إلى 7.2- في المائة بعد تراجع كبير في صادراتها النفطية، حيث كشفت بيانات شركة "كبلر" التي ترصد التدفقات النفطية، الجمعة الماضية، إن الصادرات النفطية الإيرانية قد بلغت في المتوسط 70 ألف برميل يومياً في إبريل/نيسان انخفاضاً من 287 ألفاً في مارس/ آذار، بما يعني أن حجم الصادرات تراجع بنسبة 76% دفعة واحدة.
فيما قالت كبلر إنه ثمة صعوبة في تتبّع الصادرات، وبأنه من الممكن تعديل الرقم إلى 200 ألف برميل يومياً، لكن حتى في تلك الحالة فإنه سيظل الأدنى في عقود.

المساهمون