على الرغم من الانحسار التدريجي لوباء كورونا في عموم أنحاء روسيا وعودة الحياة إلى طبيعتها، فإنّ أرباب العمل لا يبدون استعجالاً كبيراً لإعادة الموظفين إلى مواقع العمل إذا كانت طبيعته تسمح بمواصلته عن بعد.
وأظهرت دراسة أجراها مركز "بيتريكس 24" للتحليل، أنّ 74 في المائة من الشركات الروسية تعتزم مواصلة اعتماد نظام العمل عن بعد، بما فيها 15 في المائة من الشركات تعتزم تحويل جميع الموظفين إلى نظام العمل من منازلهم نهائياً.
ومن بين العوامل الإيجابية الرئيسية للعمل عن بعد، ذكر أرباب العمل توفير وقت الذهاب إلى موقع العمل وترشيد نفقات الأغذية (50 في المائة)، وإمكانية الاستعانة بموظف بصرف النظر عن محل إقامته في روسيا أو العالم (29 في المائة)، ووقف نفقات استئجار المكاتب (21 في المائة). ومن الجوانب السلبية الرئيسية التي ذكرها أرباب العمل، انعدام فرصة التواصل المباشر (43 في المائة) وصعوبة الرقابة على الموظفين (28 في المائة).
وفي هذا الإطار، تعتبر الأستاذة في قسم إدارة الموارد البشرية بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، يلينا فارشافسكايا، أنّ إطالة الفترة الزمنية لاستمرار وباء كورونا، هي التي حددت مدى تقبّل الموظفين وأرباب العمل الروس لنظام العمل عن بعد. وتقول فارشافسكايا لـ"العربي الجديد": "في ظل إطالة أمد الوباء، ازداد التوجه نحو تحويل الموظفين للعمل عن بعد، إن لم تكن وظائفهم تتطلب حضوراً مستمراً في موقع العمل. لذلك، من يمكنه أداء مهام وظيفته أونلاين، فقد يستمر في ذلك حتى بعد انتهاء الوباء بشكل كامل".
وحول أساليب مراقبة قيام الموظف بعمله عن بعد، تضيف: "هناك أعمال يمكن تقييمها بناءً على نتائجها والوفاء بالمواعيد المحددة، ولا جدوى من مراقبة عدد ساعات العمل. أما الأعمال التي تتطلب دواماً كاملاً مثل العاملين بمراكز الاتصال وخدمة العملاء، فيمكن مراقبتهم بسهولة". وتخلص فارشافسكايا إلى أنّ الأزمة الراهنة أتاحت فرصة للجميع لاختبار نظام العمل عن بعد، لكنّ نتائجه بعيدة المدى، ولا سيما في المجالات الحيوية مثل التعليم، لن تتضح سريعاً.
ومن مؤشرات ترسيخ ثقافة العمل من المنزل في روسيا، إحالة نواب عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم مشروع قانون تنظيم العمل بنظام عن بعد إلى مجلس الدوما (النواب) لإكمال أحكام الفصل 49.1 من قانون العمل الروسي وتدقيقها، الخاص بأوقات العمل والراحة للعاملين عن بعد، وتعويض النفقات عن استخدام المعدات والبرامج الشخصية، والسماح بإبرام عقود العمل إلكترونياً وغيرها من الإجراءات.
كذلك، يحدد مشروع القانون هذا ثلاثة أنواع من العمل عن بعد، بما فيها العمل الكامل بنظام عن بعد، والعمل المؤقت بنظام عن بعد، ونظام العمل المختلط، ويقتضي ضمان حصول الموظف على الأجر كاملاً في حال التزامه حجم العمل المنصوص عليه في العقد.
وفي السياق، تتوقع مستشارة الموارد البشرية، أليونا فلاديميرسكايا، أن يحتاج سوق العمل الروسي، في غالبيته العظمى، إلى الأحكام الجديدة بقانون العمل، مرجحة أن يصبح الجمع بين العمل من المكتب ومن المنزل في أيام مختلفة من المزايا للموظف في مرحلة ما بعد كورونا. وتقول فلاديميرسكايا لـ"العربي الجديد": "أول من يمكن رقمنة عملهم وتحويلهم إلى النظام عن بعد، هم العاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات والمحاسبون والخبراء القانونيون وخبراء الموارد البشرية، وجزئياً مديرو المبيعات، أي من لا يؤثر عليهم مكان العمل. في المقابل، هناك قطاعات مثل الصناعة وغيرها التي من المستحيل العمل فيها عن بعد". وتخلص إلى أنّ نظام العمل الهجين سيكون من امتيازات الموظف في الظروف الجديدة، حين يسمح له بالعمل بضعة أيام أسبوعياً من المكتب وبنظام عن بعد في بقية الأيام.
وأظهر استطلاع رأي أجراه موقع "هد هانتر" لإعلانات الوظائف في أثناء جائحة كورونا، أنّ 47 في المائة ممن استُطلعت آراؤهم، تحولوا إلى العمل من المنزل على خلفية وباء كورونا، وكانت النسبة الأكبر للعمل عن بعد في مدينتي موسكو (62 في المائة) وسانت بطرسبورغ (56 في المائة)، فيما سجل الخبراء القانونيون والعاملون في قطاع تكنولوجيا المعلومات أكبر نسبة للعمل من المنزل بواقع 57 و56 في المائة على التوالي.