18 فبراير 2020
الروسي والتركي في سورية
أنتج التقارب التركي - الروسي، خلال السنوات الماضية، سلسلة تفاهمات بين الجانبين بشأن الأزمة السورية. وعلى وقْعها، حرص كل طرفٍ على تفهّم الآخر. وهكذا انتقلت روسيا من سياسة رفض الدور التركي في سورية إلى تفهّمه، وبل تفهم المخاوف التركية بخصوص الوضع في شمال شرق سورية. في المقابل، لم تعد تركيا تتحدّث عن روسيا بوصفها دولة معادية لسياستها في سورية أو مشاركة في ضرب الجماعات السورية المسلحة، بل تتحدّث عنها بوصفها شريكة في السياسة والميدان.
ثمّة أسباب رئيسية وقفت خلف هذه التفاهمات ووصول العلاقة بينهما إلى هذا المستوى من التنسيق، فعلى وقع توتر العلاقة التركية مع الولايات المتحدة، بسبب دعم الأخيرة المجموعات السورية الكردية المسلحة، صوّب الروسي والتركي معا على الوجود الأميركي في شرقي الفرات، كل طرفٍ لأسبابه، روسيا في إطار تنافسها مع أميركا على الساحة السورية، وتركيا لمنع تحوّل الوجود العسكري الأميركي هناك إلى سندٍ دائم للكرد، وتطلعهم إلى كيانٍ خاص بهم، وقد دفع هذا التوافق بينهما روسيا إلى الاندفاع نحو تركيا، لأسبابٍ عسكريةٍ تتعلق بصفقات السلاح، وأخرى اقتصادية، تتعلق بمشاريع النفط والغاز وإقامة مفاعلاتٍ نووية تركية، وهو ما عرفت تركيا كيف تستغله في دفع روسيا إلى الاقتراب من الموقف التركي أكثر فأكثر، إلى درجة أن العمليات العسكرية التي أطلقتها تركيا (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) حظيت بتفهّم روسي، على الرغم من أن ذلك يخالف شعاراتها المعلنة، بخصوص سيادة الأراضي السورية ووحدتها. ولعل هذا يعود إلى نظرة موسكو إلى العلاقة مع تركيا، وهي نظرةٌ تتجاوز الأزمة السورية إلى أهمية موقع تركيا في الصراع مع الغرب، حيث حلم الرئيس بوتين بإخراج تركيا من حلف شمال الأطلسي والمنظومة الغربية، وهو ما سيشكل ضربةً كبيرة للحلف بشكل عام، والولايات المتحدة خصوصا، فيما تحرص الأخيرة على إبقاء علاقتها التاريخية مع تركيا.
على وَقع هذه التفاهمات، انتقل الروسي والتركي إلى مرحلة جديدة من رسم خرائط النفوذ
والتحالفات في شرقي الفرات، فأنقرة لم تحرّك ساكنا إزاء خطوة انتشار القوات السورية النظامية، برفقة القوات العسكرية الروسية في منبج وعين العرب (كوباني)، بعد أن أعلنت رفضها ذلك، وعزمت على الدخول إلى هذه المدن. في المقابل، أبدت موسكو موافقتها على إقامة تركيا منطقةً آمنة بين رأس العين وتل أبيض، بعد أن كانت ترفض فكرة إقامة منطقة آمنة في سورية، بل وتحولت روسيا إلى قوة ضاغطة للحد من نفوذ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية هناك. ولكن على الرغم من كل هذه التفاهمات، ثمّة أسئلة كثيرة، منها: هل هذه التفاهمات نهائية أم مرحلية؟ وكيف لموسكو أن توازن بين تفاهماتها مع أنقرة واستراتيجيتها حيال دمشق؟ وهل يمكن لتركيا أن تذهب إلى أقصى التفاهم مع روسيا على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة؟ أسئلة ربما تشير خلافات كامنة تتعلق بالمدد الزمنية والسقوف والتحالفات، فالتفهم الروسي للوجود العسكري التركي على الأراضي السورية، وإقامة منطقة آمنة، يبدوان أقرب إلى تكتيك مرحلي لقلب الموازين، إلى حين تتغير لصالح المطالبة بإخراج القوات التركية من سورية، فيما تربط تركيا ذلك بحل سياسي للأزمة السورية، يؤدي إلى تغيير سياسي جوهري. وقد يكون تقدم هذا الاستحقاق نقطة صدام بينهما في ظل ضغط موسكو لإعادة العلاقة بين دمشق وأنقرة، وفق اتفاق أضنة أو صيغة معدلة له، من دون استبعاد خيار لجوء موسكو إلى التصعيد العسكري، إذا فشلت جهودها في هندسة الوضع السوري وفق استراتيجيتها الخاصة.
على وَقع هذه التفاهمات، انتقل الروسي والتركي إلى مرحلة جديدة من رسم خرائط النفوذ