الروانديون العرب

12 ابريل 2014
+ الخط -

مرّت، الأسبوع الماضي، الذكرى العشرون لواحدة من أبشع المذابح في القرن العشرين، مذابح رواندا، والتي اندلعت في السادس من أبريل/ نيسان 1994، واستمرت مائة يوم، سقط فيها أزيد من ثمانمائة ألف ضحية، بواقع ستة قتلى كل دقيقة تقريباً!

كانت للمذابح أسبابها ومقدماتها المسبقة، المتعلقة بتمكين الاستعمار البلجيكي، سياسياً واقتصادياً، الأقلية من قبائل التوتسي ضد الأغلبية المميز ضدها قبائل الهوتو، والتي تشكل حوالى 80% من تعداد رواندا. فقد سبقت تلك المذابح بسنوات حروب قبلية، كان سببها المباشر تدخلات المستعمر بين السكان، ومحاولة فرض واقع جديد، خلافاً لما تفرزه عوامل السياسة والديموغرافيا في البلد الصغير.

وفي قياسٍ مع الفارق، ربما يذكرنا هذا المشهد بسيطرة الأقلية العلوية في سورية، وتهميش باقي المكونات المذهبية، أو حتى السياسية، إذا وضعنا في الحسبان سيطرة حزب البعث. أو يذكّرنا المشهد بلجوء قوى مدنية لاديموقراطية إلى دعم انقلاب عسكري ومباركته، لعزل الأغلبية الدينية اللاديموقراطية، وإلغاء المظهر الديموقراطي الوحيد.

كان للصراع في رواندا مساران: رسمي، يتمثل في الصراع المسلح بين القوات الحكومية، الهوتوية المؤقتة، والجبهة الوطنية الرواندية التوتسية، المسلحة والمدعومة من الكونغو، وهو مسار لم يخلف وراءه عدداً كبيراً من القتلى. ومسار آخر، قادته وسائل الإعلام، في مقدمتها إذاعة RTLM وجريدة KANJURA، وهو اسم يعني بلغة "كينيرواندا" المحلية تنبيه الغافلين! وحصد هذا المسار أرواح مئات آلاف الضحايا الروانديين.

في شعبٍ يغلب عليه الجهل، تصبح وسائل الإعلام المسموعة والمرئية مصادر التعلم والمعرفة، والنافذة على العالم. وقد تدعم رسائلها الإعلامية بمقتطفات من كتابات مثقفين، يبررون القتل والحرق والاغتصاب.

كان الإعلام المحرك الرئيسي لعصابات الإنترهاموي، شبيحة الأسد في أيامنا هذه، والتي خاضت في بحور من دماء أبناء قبائل التوتسي. ولا شك في أن جملة مثل (ماذا تنتظرون؟ المقابر ما زالت خالية. احملوا سواطيركم، وقطعوا أعداءكم إرباً إرباً)، وكانت تذيعها إذاعة RTLM، لا شك في أنها كانت محفزة لجهلة كثيرين، ومدّعي الوطنية وبعض المحتقنين من هيمنة التوتسي وسيطرتهم، والمفزوعين مما يبثه الإعلام عن خيانة التوتسي وعمالتهم، ووجوب التخلص منهم. وهي جملة تبدو مهذبةً ومنمقةً بالنسبة إلى ما تردده أبواق الثورة المضادة في مصر ووسائل الإعلام الرسمية في سورية.

خلفت المذابح في رواندا وراءها أرقاماً مفزعة؛ فعدد الضحايا ارتفع من 800 ألف إلى مليون، بعد اكتشاف أن متطرفي الهوتو تخلصوا، في غمرة المذابح، من معتدلي الهوتو باعتبارهم خونة!

لم تستطع المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ICTR، والتي عقدت في تنزانيا، أن تحدد عدد اللواتي اغتصبن في أثناء المجازر، ربع مليون امرأة أم أكثر؟ لكن، ما تأكد للمحكمة أن هناك 20 ألف طفل ولدوا نتيجة اغتصاب أمهاتهم! وهناك نسبة 67% من النساء، اللاتي عرف عنهن تعرضهن للاغتصاب، أصبن بعدوى فيروس HIV+ ومرض الإيدز، والرجال المصابين بالمرضين كان يتم استخدامهم في أثناء عمليات الاغتصاب كسلاحٍ من أسلحة التطهير العرقي.

وأورد حكم المحكمة فقرة بخصوص رئيس تحرير جريدة "تنبيه الغافلين" إنجيزي. وجاء فيها أنه "كان مالكاً ومحررا لصحيفة معروفة في رواندا، وكان في وضع يمكنه من توفير المعلومات للجمهور، وصياغة آرائهم، وتوجهاتهم نحو تحقيق الديمقراطية والسلام لكل الروانديين. لكنه بدلاً من استخدام الإعلام لترقية حقوق الإنسان، استخدمها للهجوم على تلك الحقوق وتدميرها". وتضيف: كانت قدرته على الحماية أكبر، مقارنةً مع قدرته على القتل. (لكنه) سمّم عقول قرائه، وبكلماته وأفعاله، تسبب في موت آلاف المدنيين الأبرياء.

عزيزي القارئ: لو رفعت اسم انجيزي، ووضعت اسم أحمد حاج علي أو شريف شحادة أو طالب إبراهيم من سورية، أو أسماء لميس الحديدي أو إبراهيم عيسى أو عمرو أديب أو أحمد موسى من مصر. هل سيتغير شيء في نص حكم المحكمة؟

لا أعتقد.

51BD73CF-6742-4D3D-84E5-51D97F7FC82F
إسلام لطفي

كاتب وإعلامي مصري