الرئيس الدوبلير

07 يونيو 2014

عدلي منصور يدلي بصوته في انتخاب خلفه (Getty)

+ الخط -
الدوبلير هو الشخص الذي ينوب عن الممثل، أو البطل، في القيام بالمشاهد الخطرة حفاظاً عليه؛ وكل ما على الدوبلير القيام به إيهام المُشاهد، وأخذ ملابس الممثل نفسها، والقيام بالحركات المطلوبة نفسها، في صمت تام، حتى لا يلاحظ المشاهد الاختلاف بينهما.
إذن، نحن أمام مهنة فريدة من نوعها، فكلما قام الدوبلير بما يجب ان يقوم به غيره نجحت مهمته؛ وذروة النجاح أن يتلقى الضربات والمخاطر الحقيقية، فيحصل البطل على التقدير والمجد والثناء على شجاعته، وإتقانه ما قام به غيره.
وقد جرت العادة أن يمتهن هذه المهنة أناس مجاهيل، حتى لا ينافسوا النجوم في شهرتهم، حتى جاء المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت المعين في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر، وكسر القاعدة؛ فالرجل كان رئيساً للمحكمة الدستورية، وكونه غير معروف إعلامياً لا ينفي عنه صفة الأهمية، وترؤسه واحدة من أخطر مؤسسات الدولة التي جعلت نفسها طرفاً في الصراع السياسي المصري، في أعقاب ثورة يناير.
قبل عدلي منصور الذي كان رأس محكمة، مهمتها صيانة الدستور والحفاظ عليه، أن يلغي الدستور الذي استفتى عليه المصريون، لأن الدور المرسوم له يحتم عليه هذا؛ وفي سبيل الإتقان الكامل للمشاهد التي كان عليه أن يؤديها بدلاً من البطل، قبل الرجل أن يتناسى كل ما استقرت عليه الأعراف والقواعد الدستورية والقانونية، وكل ما صدعت به المحكمة الدستورية رؤوسنا طوال فترة حكم الدكتور محمد مرسي، من وجوب الفصل بين السلطات! ورضي عدلي منصور أن يحشر السيسي بين يديه السلطات التشريعية والتنفيذية، فضلاً عن استمرار رئاسته المحكمة الدستورية!
لم يتوانَ المستشار عدلي منصور في أن تقع أبشع مذبحة مصرية في عهده، وأن تكون قرارات تنفيذها ممهورة بتوقيعه، ولم يتردد الرجل في السكوت عن فتح المعتقلات وحبس الصحفيين ومطاردة المراسلين والإعلاميين واغتصاب الفتيات في مقار الاحتجاز، وعلام التردد، فمهمته تقتضي أن يقوم بالحركات الخطيرة، بدلاً من البطل في صمت تام.
وقد شهدت المشاهد الأخيرة للدوبلير الرئاسي، في فيلم الفترة الانتقالية، نشاطاً وحماساً كبيريْن، فأصدر، بدلاً من النجم السيسي، عشرات القوانين، لكي يتحمل وزرها، عوضاً عن البطل، إلى درجة اصداره ثمانية قوانين في ساعة واحدة في يوم واحد.
على أي حال؛ سننسى سريعاً الدوبلير الصامت، عدلي منصور، حتى ولو كان مشهوراً، وسنظل دوماً نتذكر أن من كان وراء المذابح أمام مقر الحرس الجمهوري وميادين رابعة العدوية والنهضة ومصطفى محمود وفي ذكرى 6 أكتوبر وذكرى 25 يناير، هو السيسي؛ وأن من كان وراء جريمة منع الطعن على عقود الدولة، وإسناد العقود بالأمر المباشر للقوات المسلحة هو السيسي ومن هم وراءه، لا عدلي منصور؛ ولن ننسى أن من أصدر قانون التظاهر وطارد وقتل وعذب خيرة شباب مصر هو السيسي، لا عدلي منصور.
سنظل نتذكر، ونعلم أبناءنا أن الدوبلير سيذهب جفاء، أما ما أجرم به السيسي، فيمكث في الأرض.

 

51BD73CF-6742-4D3D-84E5-51D97F7FC82F
إسلام لطفي

كاتب وإعلامي مصري