الرقيب السوري يغلق "العنبر رقم مليون"

07 مايو 2014
من المراجعات / تصوير: علاء ناصر
+ الخط -

"المنع رقم مليون، والديمقراطية بالمليون"، بهذا علّقت ساخرةً إحدى المتعاطفات مع مسرحية "عنبر رقم مليون" التي ملأت إعلاناتها شوارع مدينة اللاذقية، وتم إيقافها قبل نصف ساعة من الافتتاح، رغم تخطّيها سلسلة اللجان الرقابية جميعها، من وزارة الثقافة، ولجنة قراءة النصوص في مديرية المسارح، ولجنة مشاهدة العروض.

وأعلن مخرج العمل، فرحان خليل، أنّ الإيقاف جاء "لأسباب كيدية بين عضوي لجنة المشاهدة، حيث طلب أحدهما إعادة مشاهدة العرض وتدخُّل كافة الأجهزة الرقابية، ومن ثم طلبَ مدير المسارح إعادة مشاهدة العرض .. ولكي يتم الكيد لم يوافق عضوا اللجنة". وكشف خليل على صفحته الشخصية على "فيسبوك" أنّ اللجنة المعنيّة سبق لها و"أشادت بالعرض مضموناً وفناً".

ويُشاع أن الأسباب الحقيقية تتعلق بمحتوى العرض الذي "يحرّض ويثير الجو العام"، علماً أنّ اللجنة نفسها أُعجبت بـ"وطنية" العرض، كما يقول كاتب النص، بسام جنيد.

وتروي المسرحية قصّة صديقين في قارب وسط البحر، أحدهما موالٍ للنظام، والآخر معارض له، تدور بينهما أحاديث عن الانكسارات، والخيبات، والهزائم.

قليلة هي العروض التي تمّ التعامل معها بمثل هذه الطريقة في سوريا. إذ بعد أن يمرّ أي عرض مسرحي على كل تلك الحلقات الرقابية المتعددة، يصلُ إلى الجمهور مفلتراً، معقماً، دون أي حاجة لإيقافه لاحقاً.

أما تلك العروض التي حملت مضموناً يتعارض مع عقلية هذه "الرقابات"؛ فقد أتيحت لها فرص عرض "مناسباتية"، تشكل استثناء يثبت القاعدة. كأن يمرّ عرض "المهاجران" خلال احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية (2008)، أو عرض "دبلوماسيون" ضمن احتفالات افتتاح دار الأوبرا بدمشق.

ورغم أن الحلقة الرقابية الأعلى، متمثلةً بوزارة الثقافة، أجازت العرض، فقد منعته حلقة دونها، وهذا ليس سوى جزء من نهج السلطة التي أدارت هذه المؤسسة ـ وسواها ـ على مدى العقود الأربعة الماضية، وأوصلت الحياة المسرحية السورية إلى حال من الترهل والبيروقراطية، وأبعدت المسرح عن دوره كحدث تواصلي تفاعلي، ومكان للحوار الجاد، إلى جانب المتعة والتسلية.

يأتي هذا المنع في فترة حساسة تشهدها البلاد عموماً، ومدينة اللاذقية بشكل خاص. إذ تبدو الحاجة ماسّة هنا إلى هامش حقيقي من حرية التعبير. فمع أن اللاذقية تبدو ظاهرياً نشطة مسرحياً، وتدور في عروضها عناوين حول الفساد والديمقراطية، ورفض العنف، والدعوة إلى الحوار الداخلي لحل "الأزمة"؛ إلا أنّ جسماً رقابياً صغيراً يمكن له أن يتحكم بأي عرض إلى حد إلغائه.

وسواء سُمح لـ"عنبر رقم مليون" بالخروج إلى الجمهور أم لم يُسمح له بذلك، فإنّ هذا لا يغير من حقيقة أنّ عقلية السلطة والقمع متجذرة حتى الرقيب الأصغر من تلك السلسلة.

دلالات
المساهمون