الرقة السورية... مدينة من أسماء وماء ودماء

17 نوفمبر 2016
جانب من المدينة العتيقة في الرقة السورية (Getty)
+ الخط -
هي الرقة مدينة ممتدة من عصور الإنسان الأولى على هذه الأرض إلى يومنا هذا. آثارها موزّعة في متاحف العالم، وستجد اسمها في متحف برلين، كما أن متحف الميتروبوليتان في أميركا يحتفي بخزفها الذي لا يقدر بثمن. 

هي مدينة الرشيد ومدينة حكمته، وهي مدينة الأصابع الماهرة التي كانت ترسم لغتها وزخرفها على الأواني الخزفية لتعلم العالم لغة فنية نادرة، وهي مدينة الفرات ومدينة السد الذي يولد الكهرباء لمدن الجزيرة السورية ولمدينة حلب.

هي الرقة، المدينة التي عاشت في كل الحضارات التي عبرت بلاد الشام وبلاد الرافدين، فهي عروس الفرات واهب الحياة، نامت على كتفه منذ أكثر من خمسة آلاف عام، ولم تزل تحمل في كل حجر فيها متحفاً كاملا للتاريخ كي تتعرف فيها البشرية إلى نفسها.
لم يزل موقع تل البيعة فيها يشهد بآثارها على وجود الحياة في هذه المدينة منذ العصر البرونزي 3000 ق.م وعلى قيام مملكة نوبل القديمة العريقة في هذه الأرض والتي ازدهرت وتفوقت الى أن دمرها حمورابي في عام 1750 ق.م وهي التي كانت في العصر الآرامي عبارة عن إمارة آرامية تدعى (بيت آدين) وكانت عاصمتها تل برسيب وذلك في القرن الحادي عشر والعاشر والتاسع قبل الميلاد.


والرقة هي المدينة الأولى في زمن الإغريق فقد بناها الإسكندر الكبير بعد أن قطع نهر الفرات وقد سماها (نيكفوريوم) الاسم الذي حملته لفترة طويلة قبل العهد الهلنستي الذي جاء لها باسم جديد لتعيش فيه زمنا آخر، إذ إنها كانت قد سميت (قالينيقوس) وذلك تبعا لاسم الإمبراطور سلوقس الثاني أو قالينيقوس والذي كان أيضا يعني الأرض المنبسطة وكثيرة المياه وسلوقس هو مؤسس الدولة السلوقية الذي أسس مدينة جديدة أو جدد المدينة القديمة فيها في سنة 244-242 ق.م في منطقة تل البيعة الحالية التي بقيت قائمة حتى جاء العصر الروماني لتحمل هذه المدينة التي كانت تعيش في أسمائها اسما جديدا يدل على ما كان لهذه المدينة من قيمة عالية على مر حضارات الأرض بسبب موقعها الجغرافي كواسطة بين الشمال والجنوب وبين الغرب والشرق وكمدينة تزدهي بمياه الفرات مثلما ازدهى الفرات بها إذ حملت المدينة في العصر الروماني اسم (كالينيكيوم) وذلك أيضا اسم يعود إلى الإمبراطور الروماني غالينوس 266 بعد الميلاد. الذي جدد المدينة وأقام فيها.

لكن الرقة كانت قد تحولت إلى مركز عسكري محصن جدا بأسوار في عهد الإمبراطور الروماني جوليان، وكانت تعد مدينة حدودية مع الفرس. عصفت بالمدينة هزة أرضية، فجددها الإمبراطور ليون الثاني وفي عام 474م تعرضت المدينة لهزة أرضية عنيفة دمرتها، وسماها أيضا من جديد باسمه (ليونتوبوليس) ليضيف لأسمائها اسماً جديداً ولحياتها حياة أخرى، وفي سنة 529م منحها الإمبراطور جوستنيان منحة تجارية تربح منها، عندما قرر حصر التجارة في مدن الحدود مع الفرس بمدينة نصيبين وقالينيقوس (الرقة) وارثكساتا.

لكن المدينة عادت وسقطت عام 542م بيد كسرى أنوشروان ملك الفرس، وهو الإمبراطور الفارسي الذي عمد إلى توطين قبيلة مضر العربية فيها، ما جعل كل منطقة الجزيرة تعرف بديار مضر، وكانت الرقة (كالينيكوس) عاصمة لها.
دخل المسلمون المدينة عام 639 م وسموها الرقة لأنها أرض منبسطة تغمرها الماء ثم تعود عنها وقد كان للخلفاء الأمويين اهتمام كبير بها إذ أحبها الخليفة هشام بن عبد الملك وبنى فيها منزلا له، وشق فيها قناتين بنى فوقهما جسراً وتحولت المسافة بين القناتين إلى مدينة في قلب المدينة، وعرفت حينها بوجود سوق شعبي كبير، هو سوق هشام الكبير.

تربعت الرقة على عرش التاريخ بعد استلام الخليفة العباسي هارون الرشيد الحكم إذ إنه انتقل إليها لكي يعيش فيها أجمل أيامه، فقد عشقها وأراد لها أن تكون مدينته، لذا بنى فيها قصر السلام وقصر هرقلة والقصر الأبيض وزرعها كلها بالورود، كما أنه أقام ميناء للسفن فيها، وطبع المدينة بطابع جديد له روح العصر العباسي الى أن جاء المغول ودمرها تيمورلنك كما دمر بغداد، لكن المدينة عادت ونهضت من جديد، وعادت إليها حركتها التجارية المميزة جدا، وبالرغم مما فعل فيها تيمورلنك الذي يحمل عقلا أسود مثل الرايات السوداء التي تعيش فيها لم تزل إلى الآن تحمل أجمل أسمائها "الرقة: مدينة الرشيد".

والرقة أيضا هي المدينة التي حصلت منذ سنوات على جائزة منظمة المدن العربية التابعة لجامعة الدول العربية لدورها المهم في صناعة الحضارة العربية والإسلامية، وهي الآن المدينة التي تدفع ضريبة طلبها الحرية في ثورة الكرامة السورية.



دلالات
المساهمون