وتشبه عجينة "الرشتة" في شكلها الخارجي عجينة "الكنافة"، غير أنّها مختلفة تماماً في التكوين وطريقة التحضير والمذاق. إذ لا تُطهى على صفيحة ساخنة بل يتمّ تبخيرها حتى تنضج. وهي عبارة عن خيوط رفيعة وطويلة من العجين المصنوع من الدقيق والملح، بحيث يراوح سمكها بين "الشعيرية" العربية و"السباغيتي الإيطالية". وهي تُبَاع في السوق جاهزة، لكنّها لا تزال تُصنَع في المنازل بطرق تقليدية، ثم تطهى في إناء على البخار بعد وضع كمية قليلة من الزيت والتوابل عليها.
ولا تقدم "الرشتة" منفردة بل تصاحبها صلصلة خاصة، مصنوعة من المرق والحمص والخضروات والبهارات واللحم أو الدجاج، وتكون إما "حمراء"، فيُضاف الطماطم إليها، أو "بيضاء"، وهي الأكثر شيوعاً، وتصاحبها لمسات ساحرة من القرفة التي تزيد من انتشار رائحتها الشهية.
يعتقد كثيرون أن للرشتة أصولا تركية، غير أنّ هذا ليس صحيحاً تماماً، إذ إنّ أصل التسمية في حدّ ذاته يعود إلى أصول فارسية وتحديداً إلى كلمة "تارشتا". و"رشت" تعني الخيط. ولا تزال إلى يومنا هذا تُدعى "تارشتا" في مدينة تلمسان أقصى غرب الجزائر. كما يتمّ تناولها في بعض المدن التونسية. ولا يوجد مصادر تاريخية تحدّد تاريخها بشكل دقيق. إلا أنّه ورد ذكرها في كتاب المؤرخ ومؤسس علم العمران، عبد الرحمن بن خلدون.
وتقول الحكاية إن ابن خلدون توجه إلى بلاد الشام في العام 803 هجرية، إلى القائد المغولي المسلم تيمورلنك، كسفير دبلوماسي لطلب السلام، فدوّن رحلته هذه في كتابه "تاريخ ابن خلدون".
ونجد في الصفحة 4804 من طبعته الصادرة عن "دار الفكر" في بيروت الفقرة التالية: "ثم أشار إلى خدمه بإحضار طعام من بيته يسمونه "الرشتة" ويُحكمونه على أبلغ ما يمكن، فأُحضِرت الأواني منه و أشار بعرضها عليّ، فمثلتُ قائماً وتناولتها وشربت واستطبت، وقع ذلك منه أحسن المواقع، ثم جلست وسكتنا".
من المرجّح أن تكون هذه الأكلة، قد قطعت التاريخ والجغرافيا حتى وصلت إلى المغرب العربي. ولعلّ لابن خلدون يداً في ذلك، فتركت موطنها الأصلي في فارس والعراق لتستقرّ في الجزائر، وتصبح جزءاً من مطبخ بلاد الأمازيغ، وجزءاً من العادات والتقاليد المغاربية والعربية التي لا تزال تثبت كلّ يوم تنوعّها وثراءها وعمق هويتها الثقافية والتاريخية.