ولا تكتفي روسيا بالتقارب مع نظام عبدالفتاح السيسي في شمال شرق أفريقيا حالياً، بل أصبح لها منذ عامين دور أوسع تأثيراً في توجهات السياسة السودانية، مقابل تطوير التعاون العسكري بين البلدين وتولي روسيا بشكل حصري خطة تحديث أسلحة الجيش السوداني ودعمه بمقاتلات روسية، فضلاً عن وجود مفاوضات بين الجانبين لإنشاء قاعدة روسية على ساحل السودان المطل على البحر الأحمر، وكذلك لدخول روسيا مجال التنقيب عن النفط السوداني لأول مرة.
وركزت المحادثات المصرية الروسية، أمس الاثنين، بشكل رئيسي على مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى كل من الملف السوري والليبي والإيراني، والتنسيق السياسي والاستخباراتي بين الدولتين لمساندة نظام بشار الأسد في سورية، وتيار اللواء خليفة حفتر في ليبيا، إلى جانب دراسة مشروعات دعم روسيا لتسليح الجيش المصري بصفقات سلاح جديدة بأسعار مخفضة، إلى جانب توثيق التعاون الاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية إن الاجتماعات تطرقت إلى آفاق استكمال استئناف الرحلات المباشرة بين البلدين، والتغلب على المشاكل التي شابت التنسيق في هذا الملف خلال الفترة الماضية، مثل تعثر التعاون المعلوماتي بين سلطتي الملاحة الجوية في البلدين حول واقعة سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/ تشرين الأول 2015. ولا تزال روسيا تطالب باعتراف مصر بالتقصير الأمني وتقديم مسؤولين مباشرين عن هذا التقصير للتحقيق، ولا تزال لديها شكوك في تورط مسؤول مصري واحد على الأقل في تسهيل عملية زراعة العبوة الناسفة على متن الطائرة الروسية. وفي كلا الحالتين – سواء كانت المسؤولية تقصيرية أو جنائية، فتأكيد ذلك بتحقيقات قضائية مشتركة سيرتب على مصر دفع تعويضات ضخمة للضحايا الروس.
كما تطرقت المباحثات إلى محاولة مصر انتزاع ضمانات لاستئناف الرحلات بين المدن الروسية والمطارات الأكثر استخداماً للسياحة الروسية في مصر، وهي شرم الشيخ والغردقة والأقصر، وتطوير حلول عملية لموافقة روسيا على الاستئناف دون اشتراط أن يكون لها مراقبون أمنيون وملاحيون دائمون في تلك المطارات لا يختصون بالتفتيش على الإجراءات الأمنية الخاصة بالرحلات الروسية وحسب، بل تمتد سلطاتهم للرقابة على الإجراءات الأمنية الخاصة بباقي الرحلات.
كذلك تناولت المباحثات سبل تطوير التعاون التجاري، خصوصاً في مجال استيراد القمح الروسي وتحسين مواصفات التوريدات الزراعية المصرية. وبحث الجانبان إمكانية استحداث نظام مركزي لاستيراد القمح الروسي وتوريد المحاصيل المصرية من خلال كيان اقتصادي مشترك بين الدولتين تقوم عليه إدارة مشتركة دائمة، لضمان تقليل المشكلات والمخالفات المالية والفنية، حسب ما كشفت المصادر الدبلوماسية.
وكانت الخارجية المصرية قد أكدت انفصال الأزمة الأخيرة عن مسار التعاون الثنائي بين البلدين، انطلاقاً من الاتفاق الذي أجري بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وعبدالفتاح السيسي في القاهرة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خلال الزيارة التي شهدت توقيع العقود الأولية لإنشاء محطة الضبعة النووية، وما أعقبها من استئناف الطيران المباشر بين البلدين الشهر الماضي.
ومن المقرر أن يتوجه وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد انتهاء زيارته لموسكو إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، إذ يحضر، اليوم الثلاثاء، الاجتماع التساعي بين وزراء الخارجية والري والمخابرات في مصر والسودان وإثيوبيا بحثاً عن حل لقضية سد النهضة. ويسود توتر بين القاهرة من جهة والخرطوم وأديس أبابا من جهة ثانية بسبب رفض السودان وإثيوبيا الموقف المصري المؤيد للتقرير الفني الاستهلالي بشأن سد النهضة، والتقارب المستمر بينهما في هذه القضية وغيرها من الملفات، بما في ذلك الإفراج عن الإثيوبيين المحبوسين وإرجاء التفاهم حول النزاع الحدودي بين البلدين، لصالح الاتفاق على استفادة السودان من مشروع السد تنموياً.