الرئيس المؤمن جمال عبد الناصر

10 فبراير 2020
+ الخط -
هل بدأت الاستعانة بالأزهر لخدمة القرارات السياسية للدولة في عهد أنور السادات؟ هل كان "الرئيس المؤمن" كما كان يحب أن يسمي نفسه هو أول رئيس مصري يبدأ استدعاء الخطاب الديني ليصبح جزءاً من الخطاب الرسمي للدولة؟

قراءة الصحف الرسمية لعهد جمال عبد الناصر، ستجعلك تجيب عن هذين السؤالين بـ "لا" وأنت مطمئن. ربما يكون أنور السادات قد غالى في إضفاء الصبغة الإسلامية على حكمه، خصوصاً في الفترة التي تلت قراره بقطع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي، وبدء استخدام تيارات الشعارات الإسلامية في ضرب التيارات اليسارية والناصرية، التي كانت عامل الإزعاج الأول له في السنوات الأولى من حكمه، لكن نظام عبد الناصر سبق أن قام كثيراً باستغلال الأزهر في تأييد مواقفه السياسية بنفس الفجاجة الساداتية، وسأضرب لك مثالاً على ذلك بالبيان الذي أصدره شيخ الأزهر الإمام الأكبر حسن مأمون تعليقاً على الحلف الإسلامي الذي نشطت الدعوة له في ذلك الوقت من قبل بعض الدول المعادية لمصر، ودعمته الولايات المتحدة بقوة، وهو بيان أبرزته صحيفة (الأهرام) ونشرته تحت عنوان (هذا الحلف حلف استسلام لا حلف إسلام) في عددها الصادر بتاريخ 25 فبراير 1966، وكانت وقتها قد تم تعميدها كلسان حال الدولة والصحيفة الأقرب إلى النظام، بحكم علاقة رئيس تحريرها محمد حسنين هيكل بجمال عبد الناصر.

عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ومحمود الجيار 


بعد مقدمة إنشائية عن فكرة الاحتيال باسم الإسلام والتي يمتد تاريخها إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديث عن دور الإسلام في رد الطغاة المستبدين والمستغلين إلى مكانهم في صف البشر، جاء في البيان ما نصه: "أيها المسلمون ما أشبه الليلة بالبارحة فها أنتم هؤلاء تسمعون اليوم ما أسمعكم ربكم من قبل فقديما استغلت بعض شعارات الإسلام فكان مسجد الضرار واليوم يستغل كل الإسلام فيدعى إلى حلف الاستعمار. وحسبكم أيها المسلمون لاكتشاف الخداع أن تكشفوا عن هؤلاء القناع، حتى تعرفوا تاريخ بعض الداعين إليه وحظهم من الإسلام معرفة به وفقا له، وحتى تعرفوا حظ شعوبهم من إسلامية دعواهم، وحسبكم أن تقارنوا بين ما يدعى إليه اليوم وبين مواقف بعضهم من قضاياكم في التحرر من التبعية والخلاص ومن ركود التخلف وحسبكم في الحكم عليهم أن تذكروا مواقفهم من الاعتراف بإسرائيل ومن تخذيلهم أحرار العروبة عن طرد الدخيل من فلسطين، وحسبكم أن تنسبوا فكرة هذا الحلف لتردوه إلى آباء آثمين من أول مشروع الشرق الأوسط البريطاني إلى نهاية الحلف المركزي. واعلموا جيدا أن وعيكم أيها الشعوب قد كتم أنفاس هذه الأحلاف ليحرس المكاسب التي حققتها ثوراته المخلصة، واعلموا جيدا أن هذه المكاسب هي التي تخيف هؤلاء وهؤلاء خشية أن يمتد نورها إلى شعوبهم ونارها على طغيانهم".

وفي مقابل تأكيد شيخ الأزهر على نفي "الإسلامية" عن تلك الأنظمة المشاركة في الحلف الاستعماري، حرص على أن يؤكد أن لمصر الاشتراكية ـ أو للجمهورية العربية المتحدة كما كان اسمها وقتها ـ حظا وافرا من الإسلامية أكثر من تلك الشعوب وأنظمتها، قائلاً: "أيها المسلمون إن مصر المسلمة وفيها الأزهر معهد الإسلام الأول لا تترك فرصة فيها للإسلام مجد وللعروبة عز، وهي حين ترى هذه الفرصة ستكون بالأزهر الداعية المثمرة الشجاعة الثائرة، وإذا كانت الجمهورية العربية المتحدة قد حاربت الأحلاف السابقة في صورها السياسية خشية على سياستها التقدمية أن تنتكس، فإن دينها أعز عليها من سياستها، ولهذا فلن تترك لمخادع به أن ينال منه، ولا لمتجر به أن يربح فيه، وإن تاريخ مصر مع الإسلام تاريخ مشرف ماضيه متوثب حاضره آت بإذن الله مستقبله، وإنها بأزهرها الشريف وهيئاتها الإسلامية المتعددة ترعى الإسلام وتدفع عنه وتراعيه عدالة تطبيق ومساواة طبقات واشتراكية خير، وتعاون على بر، وتعمل للإسلام خارج حدودها، فتصدر علماءه لكل الشعوب الإسلامية معلمين وتستورد أبناء هذه الشعوب إلى معاهدها متعلمين، وهي مع هذا لم تُستشرك في حلف ولم تعد إليه مما يدل على أنها مرادةُ بِشرٍ ما يدبرون، مما ينادى به مسلم ويلقنه مستعمرون".

وفي نهاية البيان الذي قامت الإذاعات المصرية بقراءته ونشره على أوسع نطاق، خصوصاً في الخدمات الإذاعية الموجهة للشعوب العربية والإسلامية يقول شيخ الأزهر مخاطباً المسلمين بقوله: "أيها المسلمون: افتحوا عيونكم واشحذوا أذهانكم واعلموا جيدا أن نصر الله قريب فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. وليكن شعاركم في حرب هذا الإفك ورد هذا البهتان: إنه حلف استسلام لا حلف إسلام"، لكن النصر لم يكن قريباً كما توقع شيخ الأزهر، بل حلت الهزيمة النكراء بالبلاد في العام التالي، ولم تنتفع البلاد ولا أهلها بالشعارات القومية ولا الدينية، لأن الشعوب حين تنهزم إرادتها، تصبح هزائمها الخارجية مسألة وقت ليس أكثر.

.....

حدث في مطلع القرن العشرين
في عددها رقم مائة الصادر بتاريخ 8 يناير 1917 نشرت مجلة (اللطائف المصورة) الأخبار القصيرة التالية:
أصدر القائد العسكري في 1 يناير لمدينة الاسكندرية أمرا عسكرياً بشأن بيع المشروبات الروحية. وصل عظمة مولانا السلطان على يخته فيروز أمس إلى مدينة اسنا وتشرف الموظفون والأعيان بالمثول بين يديه وقد تشرف عظمته المدرسة الأميرية في تلك المدينة بمرور الركائب السلطانية وخروج الأعيان والموظفين للتشرف بمقابلة مولانا السلطان. أصدر مجلس الوزراء قراراً خاصاً باصدار الأرز الذي يمر بطريق البلاد المصرية. أرسل عظمة مولانا السلطان رسالة إلى فخامة نائب الملك الجديد رحب بمقدمه فأجابه فخامته شاكراً عظمته. رفعت لجنة تسعير المواد الغذائية أسعار الارز وأنزلت أسعار المسلي ورفعت سعر الزيت والقطن وعينت أجرة طحن القمح والذرة. اشتدت الرياح أمس في العاصمة فاقتلعت بعض الأشجار في الشوارع وهطل المطر بشدة. تبرع اليونانيون في الزقازيق بستمائة جنيه لإعانة عائلات متطوعي اليونان منها في جيش الدفاع. اجتمع أمس بعض الاختصاصيين والأطباء في وزارة المالية وبحثوا في طرق مقاومة البعوض في القطر المصري. احتفل أمس السبت 6 منه نهاراً بالحفلة الكبرى للمولد النبوي في ميدان العباسية فناب صاحب السمو الامير أحمد فؤاد عن الحضرة العلية السلطانية وحضر صاحب الدولة رئيس الوزراء حسين باشا رشدي وأصحاب المعالي الوزراء وجمهور العلماء والأعيان تلاوة قصة المولد النبوي الشريف في سرادق صاحب الفضيلة السيد البكري. بلغت عدد الاصابات التي تولت عنايتها جمعية الاسعافات العمومية 1297 حادثة.

وحدث في منتهاه
في صفحة الحوادث والقضايا بصحيفة (الأخبار) الصادرة بتاريخ 6 مارس 1990، تم نشر الوقائع التالية:
ـ محاسب يزوج زوجته لسائح عربي: لجأ المحاسب إلى أغرب طريقة لسرقة السائح العربي، قام بتزويج زوجته وهي ما زالت في عصمته للسائح وشهد على قسيمة الزواج وقبض حلاوة الزواج السعيد، ثم استقبل الزوجة صباح اليوم التالي ومعها المسروقات. كان مواطن سعودي عمره 34 سنة قد قدم بلاغا للنيابة قال فيه أنه حضر إلى القاهرة للعلاج لمدة 15 يوما، تعرف على إحدى السيدات، فعرضت عليه الزواج من إحدى صديقاتها، وحين أعجبته العروسة وقام بإتمام الزواج، دفع لكل شاهد والمأذون 500 جنيه و200 جنيه للعريس واصطحبها معه لشقته وفي صباح اليوم الثاني فوجئ باختفاء عروسه ومعها 3500 ريال سعودي وساعة يده الذهب وقسيمة الزواج، ليتم ضبط المتهم ويقرر قاضي المعارضات حبسه 45 يوما، لكن الخبر لم يذكر شيئاً عن مصير الزوجة.

ـ فكرة جديدة للنصب، استأجر 55 سيارة فاخرة وباعها وهرب: قام بعض الملاك بتسليم 55 سيارة مرسيدس ثمنها 4 ملايين جنيه تقريبا لصاحب شركة المايسة لتأجير السيارات بالدقي مقابل عائد شهري تسلموه بانتظام لعدة شهور، توجهوا هذا الشهر لقبض الإيجار فوجدوا الشركة مغلقة ولا أثر لسياراتهم لقد باعها صاحب الشركة بتوكيلات مزورة وهرب إلى خارج البلاد، وترك شركاءه لتقبض عليهم الشرطة وهم صاحب محل كوافير بالعجوزة وتاجر سيارات بالشرقية ومحاسب بأحد البنوك.

ـ ترحيل ممثلة سورية: بقرار من وزير الداخلية الأسبق رُحِّلت (عهد) ممثلة المسرح وبطلة الأفلام السينمائية، هكذا وصفتها الأخبار، مع أن أغلب الأعمال التي شاركت فيها طبقاً كانت مسلسلات تلفزيونية، قالت الصحيفة إن القرار صدر عام 1989 لكن الترحيل تأخر حتى شهر مارس 1990، دون أن تذكر أسباب التنفيذ، طبقاً للخبر جاءت عهد نعمت سورية الجنسية إلى القاهرة عام 77 والتحقت بالمعهد العالي للفنون المسرحية وأقامت بالبلاد واستمرت تجدد إقامتها بحجة ارتباطها بأعمال فنية، وخلال إقامتها تزوجت من ميكانيكي وآخر مطبعجي لتحصل على الجنسية المصرية.

أمر اللواء علي مبارك مدير مصلحة وثائق السفر والهجرة، حيث كشفت التحريات بأن الفنانة لجأت إلى خادمتها كي تساعدها في الحصول على الجنسية المصرية وأنها تزوجت من زوج الخادمة الميكانيكي والذي طلقها بعد شهور من الزواج، لتتزوج من شقيق خادمتها المطبعجي، وبوثيقة الزواج الثانية تقدمت بطلب الحصول على الجنسية المصرية، اعترفت الخادمة وزوجها وشقيقها بمعاونتهم للفنانة نظير حصولهم على مبالغ مالية وأسرعت الفنانة بالهرب، إلا أن المقدمان تمكنا من ضبطها أثناء اختفائها بالهرم في كمين أعد لها وتم ترحيلها على الطائرة المصرية المتجهة إلى دمشق، وحين بحثت عن أخبارها على الإنترنت وجدت أنها شاركت في بعض المسلسلات السورية المهمة كان آخرها مسلسل (هدوء نسبي)، وأنها توفيت عام 2014، لكني لم أعرف هل عادت ثانية إلى مصر أم لا؟ ولماذا كانت الشرطة مهتمة بترحيلها بذلك الشكل الغريب؟ إذا كنت تعرف فأخبرني.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.