الذكرى السابعة لمذبحة رابعة: لماذا فشلت مقاضاة النظام المصري؟

14 اغسطس 2020
تظاهرة في لندن ضد السيسي في يناير الماضي (دينندرا هاريا/الأناضول)
+ الخط -

محاولات كثيرة قام بها حقوقيون ومنظمات وأفراد، للتحرك قانونياً ضد المسؤولين عن المجزرة التي وقعت إبان فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013. في مصر وجّهت منظمات حقوقية عدة أصابع الاتهام للمسؤولين وأجهزة الأمن، وحمّلتهم مسؤولية الدماء التي سالت، من دون ترجمة ذلك بتحرك قضائي على أرض الواقع، كما أن لجنة تقصي الحقائق التي شكّلها المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد الفضّ، طالبت بتحقيق قضائي شامل في الأحداث لكنه لم يتم حتى الآن. بدورها، حاولت جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ووزراء سابقون وحقوقيون اتخاذ إجراءات قانونية وقضائية، لملاحقة المتورطين في المذبحة، وفي مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتقدموا جميعهم بعريضة إلى المدعية العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، لكن من دون طائل.

في الأول من أغسطس 2013، أي قبل وقوع جريمة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في العاصمة المصرية القاهرة بـ13 يوماً، حذرت منظمات حقوقية السلطات المصرية أنه في حالة حدوث قتل للمعتصمين في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي، فإن هذا يمكن أن يشكل جريمة ضد الإنسانية يترتب عليها وقوع مسؤولية جنائية دولية فردية، ليس فقط على كل من شارك في عمليات القتل، بل أيضاً على المسؤولين والقادة الذين كان يتحتم عليهم اتخاذ إجراءات واضحة لمنع وقوع تلك الجرائم. وأكدت 10 منظمات، في بيان مشترك وقتذاك، أنه على الرغم من عدم تصديق مصر على اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، فإن الأفعال التي ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية تقع ضمن الاختصاص الجنائي العالمي لمحاكم العديد من الدول، والذي يسمح لتلك المحاكم بالنظر في بعض الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بغضّ النظر عن جنسية المتهم أو مكان وقوع الجريمة. ولكن رغم بيانات الشجب والإدانة ومرور 7 أعوام على المجزرة، هل تحركت أي منظمة قانونية رسمياً في هذا الملف؟


فضّ الاعتصام يرقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية

تشير مديرة برنامج تأهيل ضحايا العنف والتعذيب في مركز النديم، عايدة سيف الدولة في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنهم لم يتحركوا قانونياً بشكل رسمي حتى الآن، مضيفة أن "المركز قام بزيارتين للاعتصام لكنه لم يقم برفع دعاوى قضائية سواء داخل مصر أو خارجها". مع العلم أن مركز النديم كان ضمن المنظمات الموقّعة على بيان حمّل الجهات المسؤولة والأجهزة الأمنية المصرية مسؤولية سقوط مئات القتلى جراء عملية الفض. ونددت أيضاً منظمتا العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" بـ"الإفلات من العقاب" في مصر، بعد خمس سنوات على فض اعتصام رابعة في القاهرة، ودعتا في أغسطس 2018 إلى محاكمة المسؤولين من القوى الأمنية المصرية الذين شاركوا في الفض.

وأعلنت "هيومن رايتس ووتش" ومقرها في الولايات المتحدة، في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أن قوات الأمن "قتلت 817 متظاهراً على الأقل في غضون ساعات قليلة" في "أكبر عمليات القتل الجماعي في تاريخ مصر الحديث". وأُدين مئات المتظاهرين بتهم غير عادلة في محاكمات جماعية على خلفية الاحتجاجات. وفي 26 يوليو/تموز 2018، وافق السيسي على قانون يمنح القادة العسكريين "الحصانة" من المقاضاة أو الاستجواب بشأن أي وقع بين 3 يوليو 2013 ويناير/كانون الثاني 2016، إلا بإذن من "المجلس الأعلى للقوات المسلحة".

أما داخلياً فلم تُحرّك أي دعوى قضائية بشأن ما حدث في 14 أغسطس 2013، سوى الدعوى التي حركها النائب العام السابق هشام بركات ضد مواطنين، وحكمت المحكمة فيها بالسجن لمدد تصل إلى 25 عاماً على أكثر من 650 شخصاً شاركوا في الاعتصام. كذلك صدرت أحكام بالإعدام بحق 75 آخرين، بعد محاكمة جماعية، شدّدت منظمة العفو الدولية على افتقارها للنزاهة. أما بالنسبة للمسؤولية الجنائية لقوى الأمن والمسؤولين التنفيذيين بالحكومة فلم يتم التحرك، على الرغم من أن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر (شبه حكومي) طالب بتحقيق قضائي شامل في وقائع فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في رابعة العدوية.

ورفع أخيراً المواطن الأميركي من أصل مصري محمد سلطان دعوى أمام القضاء الأميركي ضد رئيس الوزراء المصري إبان المذبحة، حازم الببلاوي، بالإضافة إلى السيسي وآخرين، لكن الخارجية الأميركية أكدت أن الببلاوي يتمتع بالحصانة الدبلوماسية على الأراضي الأميركية. واتهم سلطان الببلاوي ومسؤولين آخرين، بـ"تعذيبه" إبان توقيفه في مصر قبل سنوات، ومحاولة إعدامه خارج نطاق القضاء وعن تعذيبه رهن الاحتجاز بالقاهرة، من 2013 إلى 2015.

ونصت دعوى سلطان على أنه في يوليو وأغسطس 2013، شارك في اعتصام كان سلمياً إلى حد كبير في ميدان رابعة بالقاهرة، لمعارضة إزاحة الجيش للرئيس محمد مرسي بالقوة. وقامت قوات الأمن المصرية، بناء على خطة حكومية، بفض الاعتصام بالقوة في 14 أغسطس 2013 وقتلت 817 شخصاً في ظرف ساعات، فيما شكّل على الأرجح جرائم ضد الإنسانية. وشغل الببلاوي منصب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية من يوليو 2013 إلى أن استقال في فبراير/شباط 2014. ورُفعت قضية سلطان أمام المحكمة المحلية في واشنطن العاصمة، بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب، وهو قانون فيدرالي يسمح برفع قضايا تعذيب وقتل خارج نطاق القضاء يرتكبها مسؤولون في دول أجنبية. ووردت في ملف القضية أسماء مدعى عليهم آخرين غير خاضعين لنطاق الدعوى، منهم الرئيس المصري، وزير الدفاع خلال الفض عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم، ومساعد وزير الداخلية ونائب رئيس الأمن الوطني الأسبق اللواء محمود سيد شعراوي. ورد في نصّ الدعوى القضائية أنه قد يُمكن إضافتهم كمدعى عليهم رسمياً إلى القضية إذا سافروا إلى الولايات المتحدة.

من جهتها، أفادت نائبة مدير برنامج العدالة الدولية في "هيومن رايتس ووتش"، بلقيس جراح، بأن "السلطات المصرية لم تحقق قط في وقائع القتل في رابعة أو ما تلاها من أعمال قمع، ما جعل عملياً العدالة خارج متناول الضحايا. وهذه القضية بالمحاكم الأميركية قد تمثل خطوة إلى الأمام على مسار تحديد ما حدث ومن المسؤول عنه". ودعت "هيومن رايتس ووتش" مراراً إلى فتح تحقيق دولي مستقل في مذبحة رابعة. كما دعت السلطات القضائية بالدول الأخرى إلى التحقيق فيها ومقاضاة المسؤولين عنها بموجب القوانين الوطنية لتلك الدول، بما يشمل المقاضاة على الانتهاكات المروعة من قبيل التعذيب الممنهج وقتل المتظاهرين خارج نطاق القضاء.


لم تُحرّك أي جهة داخلية دعوى قضائية بشأن ما حدث في 14 أغسطس 2013

من جهتها أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 17 يوليو الماضي، أن الببلاوي الذي يعمل الآن في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، يجب أن يتمتع بالحصانة من الدعوى القضائية التي رفعها سلطان. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن قرار الخارجية الأميركية جاء بعد مزاعم عن حملة ضغوط دبلوماسية من قبل الحكومة المصرية لعرقلة الدعوى المرفوعة ضد الببلاوي. واتهم العديد من المشرعين الأميركيين وجماعات حقوق الإنسان مصر بابتزاز إدارة الرئيس دونالد ترامب من خلال التهديد بإضعاف شراكتهما الاستراتيجية في الشرق الأوسط، في حال وافقت واشنطن على دعوى سلطان ضد الببلاوي.

وقال سلطان، الذي يحمل الجنسية الأميركية، في تصريحات إنه سيواصل قضيته حتى تتحقق العدالة، مضيفاً: "من غير المعقول أن أرى حكومتي تحاول التدخل نيابة عن جلادي بدلاً من حماية مواطنيها". وأمهل قاضي المقاطعة كولين كولار كوتيلي في واشنطن العاصمة سلطان حتى 28 يوليو الماضي للرد على محاولة الببلاوي لرفض القضية.

وحمّلت 7 مراكز حقوقية في أغسطس 2018 وهي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، و"كوميتي فور چستس"، ومبادرة الحرية، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، ومركز عدالة للحقوق والحريات، والتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، الجهات المسؤولة والأجهزة الأمنية المصرية مسؤولية سقوط مئات القتلى جراء عملية الفض، لكن أحداً منها لم يتحرك رسمياً ضد أي مسؤول داخلياً أو خارجياً.

وتتيح المحكمة الجنائية الدولية النظر في الجرائم ضد الإنسانية في ظروف معينة وتوافر أركان وشروط معينة وردت في المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة، والتي تستلزم أن تكون أي جريمة ضد الإنسانية ومنها القتل والتعذيب قد ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم من قبل أدوات الدولة، أو ترتكب بشكل ممنهج. وفي الحالتين لا بد أن يقر في عقيدة المحكمة أن الجريمة ضد الإنسانية تعكس سياسة عامة للدولة، وهي الشروط التي لم تستطع أي منظمة أو جهة إثباتها للتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية.