الذكرى السابعة لمذبحة رابعة: السيسي يقود "أرض الخوف"

الذكرى السابعة لمذبحة رابعة: السيسي يقود "أرض الخوف"

14 اغسطس 2020
نمّت أجهزة السيسي المختلفة حالة الخوف والبطش (فرانس برس)
+ الخط -

تحلّ الذكرى السابعة لمجزرة فضّ اعتصامي أنصار الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، والتي كانت سبباً في تغيير وجه السياسة والإدارة المصرية، خصوصاً بعدما استغلّ قائد الانقلاب العسكري الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، القوة المفرطة والتوسع في عمليات القتل خارج إطار القانون واستخدام الرصاص ضدّ أي صاحب رأي أو موقف معارض لانقلابه وقتها، وسط تفويض مصطنع للنظام، من قبل قطاع شعبي، بعد تضليله بمجموعة من الأخبار المزيفة بحق الرئيس الراحل، والمسؤولين عن إدارة الدولة خلال عام حكم مرسي. حتى تمّ إرساء نهج جديد من قبل النظام، يقضي بتمرير كافة القرارات السياسية والاقتصادية القاسية على وقْع طلقات الرصاص ومشاهد القتل بحق المخالفين لمواقفه، التي لم تفارق أعين وأسماع المواطنين.
ففي أعقاب مجزرة الفضّ وما تبعها من مجازر أخرى مثل مجزرة رمسيس الثانية في السادس عشر من أغسطس 2013، وكذا مواجهة تظاهرات الطلبة في الجامعات المختلفة بالرصاص الحي خلال العامين التاليين للمجزرة الأم، عكف السيسي وأجهزته ودوائره على توظيف حالة الرعب التي خلقها الاستخدام المفرط للقوة، في تمرير حزمة من القرارات على مدار سنوات حكمه، كان من المستحيل تمريرها أو المساس بها في مراحل وأوقات سابقة، خشية غضب القطاع الأكبر من الشعب المصري.


عكف السيسي وأجهزته ودوائره على توظيف حالة الرعب، في تمرير حزمة من القرارات على مدار سنوات حكمه

وكانت الواقعة الصارخة لتنفيذ السيسي نهجه الجديد في إدارة البلاد بالحديد والنار، هي التنازل عن جزء من تراب مصر، الممثل في جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بعد نحو عامين فقط من جلوسه على كرسي الحكم، في خطوة لم يجرؤ عليها الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي قبع داخل القصر الرئاسي لمدة 30 عاماً، خوفاً من الغضب الشعبي، وظلّ يراوغ ويتهرّب من المطالب السعودية في هذا الشأن.

فالسيسي لم يعبأ بالغضب الشعبي، نظراً لتأكّده من خوف عموم المصريين من غير المسيّسين والنشطاء، من التظاهر في الشوارع والتعبير عن غضبهم أو رفضهم للقرار، خشية تعرّضهم للقتل أو الإلقاء بهم في غياهب السجون، خصوصاً وأنهم ما زالوا يتذكرون مشاهد عشرات الجثث المحترقة بمسجد "الإيمان" المجاور لميدان رابعة العدوية في مدينة نصر شرق القاهرة، بعد إشعال الأمن المصري النيران في المستشفى الميداني ليلة الخامس عشر من أغسطس في أعقاب يوم مليء بالدماء والدم.

في مقابل ذلك، لم يفوّت السيسي فرصة لإثقال كاهل البسطاء بإجراءات اقتصادية هي الأعنف، إلا واستغلها تحت وطأة حالة الرعب الشعبي من القوة المفرطة من جانب الأجهزة الأمنية تارة، والتوسع في توزيع الاتهامات بالخيانة و"الأخونة" تارة أخرى من جانب الأذرع الإعلامية التي تديرها دوائر الرئيس. فخلال 5 سنوات فقط، رفعت الحكومات المتتالية عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013، أسعار الوقود خمس مرات، بزيادات قياسية وصلت إلى نحو 500 في المائة من قيمة الأسعار التي كانت قبل تسلّم السيسي للحكم.

ففي السادس من يوليو/تموز 2019، رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود في البلاد للمرة الخامسة منذ عام 2014، وبنسب تتراوح بين 16 في المائة و30 في المائة في بعض المنتجات، في إطار ما أسمته بخطة إصلاح اقتصادي شاملة، تتضمن تحرير سعر الوقود بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، للحدّ الذي وصل فيه سعر أسطوانة الغاز المنزلي إلى 65 جنيهاً، بعدما لم يكن يتجاوز سعرها قبل تولي السيسي للحكم 7 جنيهات. فيما وصل سعر أسطوانة الغاز المخصصة للاستخدام التجاري في المطاعم، إلى 130 جنيهاً، وفقاً لآخر زيادة، في حين كان سعرها لا يتجاوز 20 جنيهاً قبل الانقلاب العسكري.

توالت الزيادات وطاولت كافة مناحي الحياة اليومية للمواطن المصري، بدءاً من الوقود، مروراً بزيادة أسعار تعرفة الكهرباء المنزلية وخدمات المياه والصرف الصحي، وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق الذي كان يعدّ الوسيلة المفضلة لعموم بسطاء الشعب المصري والموظفين المطحونين، نظراً لانخفاض سعر التذكرة فيه. في حين التزم المواطنون الصمت، مكتفين فقط بالشكوى في ما بينهم خلال الجلسات الخاصة وفي المقاهي، من دون أن تجد تلك الشكوى طريقها إلى الإعلان، خوفاً من البطش الذي ظلّت أجهزة السيسي المختلفة تنمّيه، في أعقاب المشاهد الدموية بحق أنصار جماعة "الإخوان المسلمين" والمعارضين من التيارات كافة.


لم يفوّت السيسي فرصة لإثقال كاهل البسطاء بإجراءات اقتصادية هي الأعنف إلا واستغلها تحت وطأة حالة الرعب الشعبي

طاولت قرارات السيسي القاسية آلاف المواطنين، من دون أن يسلم منها معارض أو حتى أحد ممن بارك استخدام العنف المفرط من جانب أجهزة السلطة ضدّ المعارضين إبان الثلاثين من يونيو 2013، فلم يكن يدري هؤلاء أن تلك المباركة ستكون سيفاً على رقابهم بعد ذلك.

فخلال السنوات القليلة الماضية، أخذت "بلدوزرات" الحكومة في تغيير معالم حياة آلاف المواطنين بعدد من المناطق التي ظلّوا فيها لعشرات السنين، تحت دعوى التطوير، وإعادة التأهيل، وذلك لزيادة الحصيلة التي تصب في خزائن السلطة، من دون النظر للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين. كما حدث مع سكان مناطق مثلث ماسبيرو، وجزيرة الوراق، وأهالي مناطق الشريط الحدودي بمدينة رفح بمحافظة شمال سيناء، حيث كان القتل والسجن والتشريد من نصيب المخالفين أو المعارضين للشروط المجحفة والتعويضات غير المناسبة أو الرافضين لمغادرة ممتلكاتهم الخاصة.

كذلك، وبإشارة من السيسي خلال أحد المؤتمرات أخيراً، أخذت الأجهزة التنفيذية بالمحافظات المختلفة في إزالة أبراج سكنية، ومنازل للمواطنين على نطاق واسع، بدعوى أنها مخالفة، في وقت يعلم فيه القاصي والداني أنّ تلك المباني لم تكن لترى النور إلا بإشارة وموافقات رسمية ورشاوى كبيرة لمسؤولين في المحليات والأجهزة المختلفة، أي أنّ الخطأ مشترك بين المواطنين ومسؤولي الدولة. وكان الأمر يتطلب دراسة وافية قبل شروع "البلدوزرات" في العصف بأحلام وآمال الكثير من البسطاء الذين وضعوا كل ما يملكون في منزل بسيط بإحدى القرى أو في وحدة سكنية لا تتجاوز مساحتها الـ 100 متر في برج سكني بإحدى ضواحي العاصمة، وذلك في وقت تضاعفت فيه أسعار الوحدات السكنية التي تقدمها وزارة الإسكان إلى مستويات قياسية لا يقدر عليها المواطن البسيط.

من جانبه، علّق خبير سياسي في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" على الوضع الحالي في مصر، قائلاً إنه "في فترات سابقة، كانت زيادة لا تتجاوز بضعة قروش على سلعة أساسية أو خدمة تقدّم للمواطنين، أو قرار بسيط يمسّ حياتهم اليومية أو القضايا مركز الاهتمام القومي، كفيلة باندلاع تظاهرات شعبية غاضبة ووقفات احتجاجية كانت سلالم نقابة الصحافيين ومجلس الدولة وساحات الجامعات شاهدة على كثير منها".


بدا واضحاً أنّ السيسي لم يعد يعبأ بأي غضب شعبي

وأضاف لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، أنّ "السيسي في خطاباته أخيراً، بدا واضحاً أنّه لم يعد يعبأ بأي غضب شعبي، ظناً منه أنّ الشعب حالياً لم يعد يجرؤ على التظاهر، أو القيام بأي فعل احتجاجي بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما ظهر على سبيل المثال في حديثه عن فضيحة بناء القصور الرئاسية التي فجّرها المقاول محمد علي، عندما خرج ليقول: أيوه بنينا وهنبني. وكذلك في حديثه أخيراً مع وزير النقل كامل الوزير، على الهواء مباشرة، عندما شدد على تطبيق الزيادات الجديدة على أسعار تذاكر القطارات يوم وقفة العيد، وهو اليوم الذي يتجه فيه معظم المواطنين لمحافظاتهم المختلفة لقضاء إجازة العيد، وقد أكد أنه لا يخشى من تأثير ذلك على شعبيته".

وقال الخبير السياسي نفسه: "بالطبع، ما شهدته البلاد في أعقاب الإطاحة بمرسي والإخوان، واستخدام القوة بشكل لم يحدث مثله في التاريخ المصري الحديث، ساعد النظام على إرساء حالة الخوف، وإطلاق يد أجهزة الأمن، طالما أنّ الأمر يتعلق بمعارضين، قبل أن يتجه هذا العنف نحو المواطنين العاديين في قضايا اقتصادية واجتماعية".

المساهمون