الديناصور في معركته الأخيرة: إغماضة على العالم

01 أكتوبر 2018
أزنافور في كواليس فيلم Shoot the Piano Player (Getty)
+ الخط -
عندما سُئل شارل أزنافور عما يعنيه أن يكون في الـ91 من عمره، أجاب: "لا أعلم. صدقًا لا أعلم. لطالما آمنت بأن على الشخص ألا يخسر نظرة الطفل لديه تجاه الكون والعالم". وفي لقاء له مع صحيفة الغارديان عام 2015، وصف أزنافور نفسه بـ"الديناصور" الذي يتعارك بين تقدمه في العمر وبين الخلود. يضحك أزنافور على المفارقة الحية، حيث عندما كان في الثلاثينيات من عمرهِ، بدا قبيحًا من وجهة نظر النقاد، أما الآن فهو شخصية أنيقة وجذابة.

بِيعت لأزنافور في حياته أكثر من 180 مليون أسطوانة، وكان يُعرف بأنه فرانك سيناترا الفرنسي. في عام 2017، حصل على نجمة باسمه في ممر الشهرة بهوليوود (Hollywood Walk of Fame). وما لا يعرفه الكثيرون عن أزنافور أنه وبجانب مسيرته الغنائية، فقد ظهر في أكثر من 60 فيلماً سينمائياً، وكان أيضاً ناشطاً من أجل حقوق وقضايا الأرمن.

طريق طويل
يحب الفرنسيون أزنافور، بل ربما يقدسونه؛ لأنه آخر من تبقى لهم من العصر الذهبي للأغنية الفرنسية. كان طريق أزنافور نحو النجاح طويلا ومليئا بالعقبات، فعندما بدأ الغناء، قال عنه النقّاد إنه قبيح للغاية وقصير جدًا، وأن له صوتًا فظيعًا وأن أسماء أغانيه مريبة. لم يحصل أزنافور على فرصته إلا في نهاية الخمسينيات، أي بعد عقدٍ من كونه كاتب أغاني إديث بياف. وفي الستينيات، حصل على فرصة ليلعب دور عازف البيانو الخجول والمسكون في فيلم Shoot the Piano Player، من إخراج فرانسوا تروفو، ولكن قفزة العالمية لديهِ لم تكن إلا في السبعينيات، عندما وصلت أغانيه إلى أميركا والمملكة المتحدة، وهو ما يعزوه المغني نفسه إلى الترجمة الممتازة التي حظيت بها أغانيه إلى اللغة الإنكليزية (أغنيته الأكثر شهرة في بريطانيا She، بالكاد تكون معروفة في فرنسا). كانت بريطانيا مسحورة بهذا الفرنسي الهزيل الذي يغني ويدندن عن الآلام التي تسحقه. قال أزنافور ذات مرة: "فرنسا للموسيقى وبريطانيا للكلمات".




أعرف من أنا

حتى بعد نجاحه، لم يتوقف أزنافور عن نقد نفسهِ، فقد قال ذات مرة: "مواطن ضعفي هي صوتي وقِصَرِي وإيماءتي وافتقاري للتعليم والثقافة الكافيين، وصراحتي وضعف شخصيتي". وعندما علق أحد الصحافيين على هذا النقد الذاتي، رد عليهِ: "أردت أن أعرف من أنا. قبل أن تقدم عملك للجماهير، عليك أن تعرف من أنت. عليك أن تعرف مواطن ضعفك وأخطاءك، وأحيانًا يكون عليك أن تحافظ على تلك الأخطاء، لأنها هي التي تجعل منك مثيرًا ومُدهشًا جدًا. أنا في بحثٍ دائمٍ عن نفسي". هذا التصالح مع الذات أدى بأزنافور ليكون صريحًا جدًا مع جمهوره، ويملك حسًا نقديًا عاليًا. يقول: "لا أخفي شيئًا عن جماهيري"؛ فهو لا يجد عيبًا في أن يخبرهم بأن لديه مذكرة آلية لأن ذاكرته تضعف يومًا بعد يومْ، وأن التقرح في فمه يجعل من الصعب عليه أن يغني، وأنه أيضًا يعتمد على مساعدات السمع. وعبر عن حقده على مبدأ "عبادة الشباب" في صناعة الترفيه: "الكثير من الرجال والنساء الآن يغيرون من أنفسهم ويخضعون لجراحات تجميلية، والأمر ظاهر على التلفاز. عندما واجهت مشاكل مع أنفي، تعاملت مع الموضوع وأعدت الشعر الأبيض لينمو من جديد، ولكن لم ألمس تجاعيدي وأبقيتها كما هي، وها أنا الآن أبدو أكثر شبابًا من كل هؤلاء الذين تلاعبوا بتجاعيدهم، لأني لم أتدخل في عمل الطبيعة".
ختامًا، لا نستطيع أن نقول أفضل مما قال أزنافور نفسه عن الزمن: "البارحة، كنت في العشرين من عمري، وكنت أداعب الزمن. لقد تلاعبت بالحياة، كما نتلاعب بالحُب".




دلالات
المساهمون