في العادة، يسوّق أنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، المثال الألماني وحالة أنجيلا ميركل، تفسيراً لولاياته الرئاسية الأربع، وتبريراً للولاية الخامسة التي يسعى لها. صحيح أن ميركل وصلت إلى العهدة الرابعة في الانتخابات الأخيرة، وخلال هذه العهدات لم يكن هناك تداول على السلطة والكرسي وفق المفهوم الكلاسيكي للديمقراطية، لكن ذلك لم يتناقض مع روح الديمقراطية، أخذاً بعين الاعتبار المنافسة التي كانت تطغى على الانتخابات. كما لم يمنع تكريس السلوك والقيم الديمقراطية الأساسية التي تعني الشفافية في تسيير الشؤون والمقدرات العامة، وتكافؤ الفرص بين كل الألمان والمقيمين أيضاً.
لا يمكن مقارنة ما أنجزته ميركل لألمانيا في عهداتها مع ما أنجزه بوتفليقة للجزائر، رغم الأخذ بعين الاعتبار ظروف ومحيط ومقدرات كل بلد. لن يختلف اثنان على أن الجزائر انتهت إلى مأزق سياسي واجتماعي واقتصادي صارخ. وواضح أن هذا المأزق لا ينطوي على إخفاق التسيير وتدبير الشأن العام وإهدار مليارات الدولارات في عقدين بدون تحقيق التنمية، وضعف استشراف المستقبل وأزمته الراهنة فقط، لكنه المخرج الطبيعي الذي تفرزه حالة طغيان الحكم الفردي وغياب المؤسسة الديمقراطية التي يفترض أن تتأسس على محددين أساسيين هما المفهوم الحقيقي والكامن للديمقراطية الحديثة، بخلاف المفهوم الكلاسيكي للتداول على السلطة، وهما "تكافؤ الفرص" و"الشفافية".
تكافؤ الفرص في التعليم بنفس الظروف بين القرية والمدينة وبين الشمال الجنوب، في الصحة والعلاج بنفس الإمكانات، في العمل بنفس الحقوق والواجبات والمستوى المعيشي، في المنافسة الاقتصادية والتجارية، في المنافسة السياسية بين كل الكيانات والأحزاب بنفس القدر، بما يلغي الزبائنية ويحرر الفرد والمجتمع من كل إكراه. ثم الشفافية في تدبير الشأن العام وتسيير المال والمقدرات الاقتصادية وفي توزيع الحقوق، وتحرير القضاء من الهيمنة وعتق المجتمع المدني من الاستغلال وتحرير المبادرة الفردية والجماعية في الرقابة على الحق العام والحق في الحصول على المعلومة.
كل ديمقراطية لا تنتج شفافية في تدبير الشأن العام، ولا توفر تكافؤاً للفرص بين كل الموطنين هي ديمقراطية مزيفة تؤسس لديكتاتورية رثة وجبانة، والحالة الجزائرية هي صورة لهذه الديمقراطية الغامضة التي لا تضمن لأي مؤسسة إضفاء قدر من الشفافية في عملها أو التصرف خارج إرادة السلطة، بما فيها الوزير والسفير، والبرلمان والقضاء والأمن والصحافة، والمؤسسات الرقابية نفسها وما أكثرها، ولا توفر تكافؤاً للفرص إلا بقدر الصلة مع المؤسسة الحاكمة. ولذلك تدور الجزائر، منذ سنوات، في حلقة مفرغة تتصادم فيها المتناقضات بين أحزاب عامة تفوز بالانتخابات، وبرلمان انتخب لصد الحكومة يهاجم العمال، وحكومة بعقل ليبرالي تطبق سياسات اشتراكية، وتتداخل فيها المشاهد بين نفط يجري من تحت الأرض وطوابير من الناس لأجل كيس حليب فوق الأرض.