تعود خزائن البنك المركزي اليمني من جديد إلى مربع الخطر بعدما أوشكت الوديعة السعودية المقدرة بنحو ملياري دولار، على النفاد، بينما تواجه الحكومة عراقيل من قبل قوات التحالف تحول دون إعادة تصدير النفط والغاز، ما يوفر عائدات أجنبية تساهم في سد جزء من فاتورة استيراد السلع الغذائية.
وسحب المركزي اليمني في عدن 30 دفعة من الوديعة السعودية، التي تم توفيرها مطلع العام الماضي، 2018، بما يجعل ما تم صرفه حتى الآن يتجاوز نحو 1.85 مليار دولار.
وتستخدم الحكومة الوديعة السعودية في توفير الدولار للتجار بأسعار تفضيلية وفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية وشراء وقود لتشغيل المحطات الكهربائية في عدن والمحافظات الجنوبية.
في هذه الأثناء، عاد الريال اليمني للانحدار مسجلا 575 ريالاً للدولار الواحد، رغم التحسن الذي طرأ عليه قبل أيام بوصوله إلى 551 ريالاً للدولار، بدعم من تفاؤل سوق الصرف بإمكانية صرف وديعة سعودية جديدة عقب توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، والذي يهدف إلى إنهاء الصراع في الجنوب.
ويشير خبراء اقتصاد إلى أن التحالف العسكري بقيادة السعودية يعمل على تقويض مساعي الحكومة اليمنية لإعادة إنتاج وتصدير النفط والغاز وإدارة موارد الدولة، نتيجة تحكم الإمارات في مواقع الإنتاج ومنافذ وموانئ التصدير.
والشهر الماضي، توجه محافظ شبوة محمد بن عديو، إلى القاهرة للتفاوض مع الشركات الدولية المصدرة للنفط والغاز اليمني، إلا أن المهمة التي جرت بتكليف من الحكومة اليمنية، انتهت من بدون تحقيق أي نتائج، بسبب المخاوف التي تبديها الشركات من العودة للعمل في ظل الأوضاع غير المستقرة على الأرض وخروج مواقع الإنتاج ومنافذ التصدير عن سيطرة الحكومة.
يقول عبد الواسع الحسني، الخبير الاقتصادي اليمني، لـ"العربي الجديد"، إن ممارسات التحالف قوضت محاولات الحكومة في إعادة تكوين احتياطي نقدي وإعادة الدورة النقدية إلى البنك المركزي في عدن، وتبديد الموارد العامة التي تجري في قنوات مالية غير رسمية.
ومنذ بداية الحرب بين الحكومة والحوثيين نهاية 2014، تم إفراغ البنك المركزي من احتياطي النقد الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من ترليون ونصف ترليون من العملة الوطنية، الأمر الذي هز السوق المصرفية وتسبب في أزمة سيولة.
وزادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً مع احتدام الصراع بتدخل السعودية في مارس/ آذار 2015 على رأس تحالف عربي لدعم الحكومة في مواجهة الحوثيين، الذين سيطروا على صنعاء وعدة محافظات في الدولة.
ويقول عباس السوادي، الباحث الأكاديمي في جامعة صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن السعودية والإمارات استهدفتا بنية الدولة وقوضتا مؤسسات الحكومة، كما اتبعتا سياسات ساهمت في مزيد من انقسام المؤسسات المالية، مشيراً إلى تحكم تشكيلات عسكرية غير رسمية ومراكز نفوذ في الموارد العامة المتاحة من الموانئ والجمارك والضرائب وإيرادات المنافذ البرية.
وكان البنك الدولي قد حذر من الاَثار السلبية على الوضع في اليمن جراء نفاد الوديعة السعودية المتوقع مع نهاية العام الجاري، داعياً إلى حشد المزيد من المساعدات الخارجية لدعم استيراد ما يكفي من المواد الأساسية والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي في البلاد.
وقال البنك في تقرير "الآفاق الاقتصادية 2019"، الصادر حديثاً، واطلعت عليه "العربي الجديد"، إن الصراع العنيف في اليمن أدى إلى تعطل شديد في النشاط الاقتصادي وصادرات النفط والغاز ، فضلاً عن إلحاق أضرار بالغة بالبنية التحتية، وتعليق الخدمات العامة الأساسية على نطاق واسع، إذ تسبب توقف صادرات النفط في نقص حاد في النقد الأجنبي، كما انخفضت الإيرادات الحكومية بشدة، وتفتتت مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي.
ويقول يوسف سعيد أحمد، الخبير الاقتصادي، إن الموازنة العامة تعاني من عجز كبير، فالالتزامات تفوق الموارد المتاحة وقد يصل العجز إلى أكثر من 20 بالمائة، وهذا الوضع يترك أثراً بالغ السوء على الاستقرار الكلي.
ويضيف أحمد أن البنك المركزي تمكن عبر الوديعة السعودية من توفير الاعتمادات المستندية لتجار استيراد السلع الغذائية،
لكنه يحتاج إلى تجديد هذه الوديعة التي تشارف على النفاد لخلق استقرار في الأسعار وإجراء التعاملات المصرفية.
وتتسم الآفاق الاقتصادية في عام 2019، حسب تقرير البنك الدولي، وما بعده بالغموض وتتوقف إلى حد كبير على الوضع السياسي والأمني. وتقع ظروف الاقتصاد الكلي المتحسنة بشكل عام تحت ضغوط متجددة تتمثل في نشوب أعمال العنف في العاصمة المؤقتة عدن.
وقال البنك إنه، إذا نجحت جهود المصالحة في الجنوب، فمن الممكن أن يستمر تحسن الاقتصاد الكلي في النصف الأخير من عام 2019، بفضل الزيادة التدريجية في إنتاج النفط والاستمرار في دفع الرواتب إلى العاملين في القطاع العام.
وبإمكان الاقتصاد، وفق التقرير، أن ينمو بمقدار يراوح بين 2 و2.5 في المائة سنوياً على مدى العامين المقبلين، لكن هذا يعد أقل بكثير من المعدلات اللازمة لإعادة الإعمار أو التصدي لتحديات التنمية البشرية.
وتشهد الأسواق اليمنية منذ مطلع 2015 فوضى مستمرة، تتمثل في ندرة العديد من السلع الرئيسية وارتفاع أسعارها بشكل كبير وتحكم التجار، من أبرزها الحليب ومشتقاته والزيوت والسمن والسكر والدقيق والبقوليات.
ويستورد اليمن معظم احتياجاته، لاسيما من القمح، الذي أصبحت فاتورة استيراده تشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد والعملة الوطنية المتهاوية. وتقدّر الفجوة الغذائية في القمح بنحو 3.4 ملايين طن سنويا، وتوضح بيانات التجارة الخارجية أن واردات هذه السلعة شكلت المرتبة الأولى بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة خلال العام الماضي 2018.
وتسببت أزمة السيولة الحادة في وصول معدل التضخم إلى نحو 40 بالمائة، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60 بالمائة، وزاد متوسط أسعار المواد الغذائية بنحو 150 في المائة.
وكان تقرير صادر حديثاً عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط بالتعاون مع منظمة اليونيسف، قد قدر كلفة الفرص الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي في اليمن جراء الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات بحوالي 66 مليار دولار.