يجبر الدولار القوي العديد من الدول على تنفيذ صفقات مقايضة أو البحث عن نظام تسوية خارج شبكة "سويفت"، التي تسيطر على تحويلاتها العملة الأميركية، ويدعم الخطوة مواصلة الدولار الارتفاع مقابل العملات الرئيسية وسط زيادة سعر الفائدة واستخدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب للورقة الخضراء كسلاح ضد الخصوم.
في هذا الصدد، أعلنت روسيا أمس الأربعاء، عن إبرامها أول صفقة لتوريد الأسلحة والمعدات العسكرية بالروبل الروسي، مبتعدة عن العملة الأميركية في خطوة ستسهم في الحد من هيمنة الدولار على العالم. وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، أن العقد الذي وقعته روسيا مع الهند لتزويدها بمنظومة الدفاع الجوي "إس 400" أبرم بالعملة الروسية.
وكان الروبل قد تعرض خلال العامين لهزات مؤلمة وهروب كبير في رؤوس الأموال والثروات بسبب قوة الدولار والحظر الأميركي. ومنذ سنوات تبحث موسكو في وسائل تسوية تجارية خارج الدولار الذي يسيطر على 80% من التسويات العالمية عبر شبكة" سويفت".
وكانت موسكو ونيودلهي قد وقعتا على هامش زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند في 5 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عقداً بأكثر من خمسة مليارات دولار لتوريد المنظومة الصاروخية "إس 400"، في صفقة وصفتها "روسوبورون إكسبورت" الشركة المسؤولة عن إدارة صادرات الأسلحة الروسية، بالأكبر في تاريخها.
ويعد توقيع الصفقة بالروبل مؤشرا قوياً على أن روسيا بدأت في اتخاذ خطوات عملية للتخلي عن الدولار في تجارتها الخارجية، ولاسيما صادرات الأسلحة والمعدات العسكرية، التي تقدر بنحو 15 مليار دولار سنوياً، إذ تحتل روسيا المرتبة الثانية ضمن قائمة مصدري الأسلحة في العالم.
وكثرت الدعوات مؤخراً للابتعاد عن العملة الأميركية في التجارة الخارجية والحد من هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، نظرا لسياسة العقوبات التي تتبعها واشنطن وحرب الرسوم الجمركية التي تنتهجها ضد دول العالم.
وأعلنت روسيا وتركيا وإيران في وقت سابق عن عزمها استبدال الدولار في تعاملاتها التجارية بعملات أخرى، قد تكون الوطنية أو اليورو أو اليوان الصيني.
وفي ذات الصدد، أعلنت الهند واليابان، يوم الثلاثاء الماضي، إبرام اتفاقية مبادلة العملة المحلية في التجارة، بقيمة 75 مليار دولار، في "خطوة ستساعد الهند في تحقيق استقرار أكبر بأسواق النقد الأجنبي"، وفقا لوسائل إعلام هندية.
وقالت وسائل الإعلام وفقا لوكالة "الأناضول" إن الاتفاق "سيعمل على تعزيز وتوسيع عمق وتنوع التعاون الاقتصادي بين البلدين".
وواجهت الهند شبه انهيار في سعر الروبية خلال الشهر الجاري، حيث تراجعت الروبية الأربعاء إثر تقارير إعلامية أفادت بأن محافظ البنك المركزي الهندي يدرس قرار الاستقالة من منصبه بسبب توتر علاقته مع الحكومة. وانخفضت العملة الهندية أمام الدولار بنسبة 0.27% إلى 73.8737 روبية، في التعاملات الصباحية. وتتخوف الحكومة الهندية من أن يقود التدهور المستمر في سعر الروبية إلى هروب الثروات إلى عواصم غربية مثل لندن وزيورخ.
وعلى الصعيد الأميركي، يرى خبراء إن الصعود المستمر في الدولار يضر بالصادرات الأميركية. ووفقاً لما نسبته رويترز لخبراء فإن التخلي عن الدولار ولو جزئياً يشكل تهديداً للاقتصاد الأميركي، حيث يحذر الخبير روري هول، حسب ما ذكرت من أن "تقليص استخدام الدولار في العالم بنسبة بين 30% و40% سيؤدي إلى مشكلة كبرى في الاقتصاد الأميركي بسبب زيادة معروض الدولار".
وحتى الآن يغري الدولار القوي مقارنة بمعظم العملات العالمية الدول والشركات الكبرى والمصارف على حيازة العملة الأميركية، وهو ما يقود أميركا للتوسع في الاستدانة عبر مزادات سندات الخزانة الأميركية.
لكن مصرفيون لاحظوا أن أسعار سندات الخزانة الأميركية انخفضت أمس الأربعاء مع ترقب المستثمرين صدور تقديرات نمو الوظائف بالقطاع الخاص الأميركي.
يذكر أن العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات ارتفع إلى 3.142%، فيما صعد العائد على السندات لأجل 30 عاماً إلى 3.14%. واستقر مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات، قرابة أعلى مستوياته في 16 شهراً عند 97.042.