الدفاع المدني التونسي: رحلة نبيلة بين الماء والنار

28 فبراير 2015
يتعرضون إلى المخاطر لإنقاذ الآخرين (GETTY)
+ الخط -



محمد طفل في عامه التاسع من منطقة أريانة، تعوّد زيارة مقر الحماية المدنية بتونس أي مقر الدفاع المدني. لا يترك مناسبة تمرّ إلا ويزور أعوان الحماية المدنية ليعبّر لهم عن امتنانه الكبير لأنهم أنقذوا حياته من موت محقق.

تعود الحادثة إلى بضع سنوات مضت، ويقول الملازم الأول بالحماية المدنية معز الدبابي لـ"العربي الجديد" إن فرحة إنقاذ شخص لا تقدر بأي ثمن، ويتذكر لحظة وصولهم إلى شاطئ روّاد بالعاصمة تونس، ووجدوا الطفل محمد وقد توقفت رئتاه عن العمل وكذلك نبضات قلبه، مشيراً إلى جهود عناصر الدفاع المدني الذين أنعشوا قلبه وأعادوه إلى الحياة.

ويشير الدبابي إلى أن شقيقة محمد غرقت يومها وكان من المؤلم أن يلاقي محمد، وحيد أبويه، المصير ذاته.

هذه الحادثة هي واحدة من بين آلاف عمليات الإنقاذ التي يقوم بها أعوان الدفاع المدني في تونس يومياً، حيث بلغت التدخلات من 17 فبراير/شباط إلى 24 فبراير 2015 قرابة 1566 تدخلا، منها إطفاء حرائق ونجدة في الطرقات، وحوادث المرور وغير ذلك.

أوضح معز الدبابي أن الدفاع المدني في تونس يضم 7 آلاف عون، ولكن حجم الخدمات يفوق بكثير عدد الأعوان بسبب النقص بالتجهيزات والمعدات، مشيراً إلى أنّه إبان الثورة التونسية ورغم المخاطر والرصاص المدوّي، فإنّ الدفاع المدني كان تقريبا القطاع الوحيد الذي يعمل دون توقف وفي ظروف قاسية أطلق عليها "أيام الجمر"، حيث تكثّفت عمليات حرق المؤسسات الحكومية والإدارات وكانت أغلب أجهزة الدولة مستهدفة.

وأفاد الملازم أنه رغم المخاطر أمّن أعوان الدفاع المدني عمليات الإنقاذ وإسعافات الجرحى على مدار الساعة، ولفت إلى أن الدفاع المدني فقد شهيداً وهو الوكيل سامي يوسف في ظروف استثنائية، عندما تلقى رصاصة أثناء إسعافه أحد المساجين أدت إلى استشهاده.

الماء والنار عنصران لا يرحمان

وأضاف "قطاع الدفاع المدني في تونس يحتاج للدعم المادي وللتجهيزات، فوجود 3 سيارات حماية مدنية في المحافظات الكبرى غير كاف بالمرّة، بالإضافة إلى أن جلّ المقرات غير مؤمّنة خلافاً لمراكز الأمن، ولا يوجد فيها أسلحة للدفاع عن النفس في حال تعرضها لاعتداءات".

وعن أبرز التحديات التي تواجههم حالياً هي نقص التجهيزات، وأشار إلى أنهم تمكنوا رغم ذلك من مواجهة الكوارث الطبيعية كالفيضانات التي غمرت أخيراً عدة محافظات، مؤكدا أنهم بذلوا الكثير من المجهود بعمليات الإجلاء والتدخل.

وقال الدبّابي: "هناك عاملان طبيعيان لا يرحمان، الماء والنار، فالفيضانات لا تستثني أي شخص وحياة العون معرضة للخطر". وأكد أنّ الحرائق تواترت بشكل كبير بعد الثورة، مشيراً إلى حريق شبَّ أخيراً في مصنع للمشروبات الغازية، وحرائق الغابات مثل متنزه النحلي قرب العاصمة تونس، وهو محمية طبيعية تعرض إلى 4 حرائق متتالية، إضافة للعديد من حالات الإسعاف في المنازل.


وقال:" تؤلمنا الانتقادات التي يوجهها إلينا البعض عن البطء في نجدة الناس، أعوان الدفاع المدني متأبهون على مدار الساعة، وهم ذوو كفاءة مهنية عالية ويخضعون للتدريب في العديد من الدول الأوروبية، ولكن نقص السيارات يعيقهم" وفق تعبيره.

ولفت إلى تعاضد المتطوعين معهم من طلبة وموظفين وعاطلين عن العمل، مؤكداً أن هؤلاء يقومون بدور رئيسي وهم بمثابة المسعف الأول، مبيناً أن عون الدفاع المدني بحاجة إلى المواطن.

وكشف معز أنّ أبشع السيناريوهات التي قد تواجههم في المستقبل هي التهديدات الإرهابية. وقال:" نحن متأهبون للتدخل في حال حصول تفجيرات أو انفجار سيارات مفخخة"، مبيناً أنه بالرغم من الاستعدادات إلا أنهم سيجدون أنفسهم في ظروف صعبة، مشيراً إلى أن عون الدفاع المدني يتعامل مع المواطن التونسي أو الأجنبي على حدّ سواء، مؤكداً أن الانتماءات تنتدثر "فحتى لو كان الشخص إرهابياً وبحاجة إلى إسعاف علينا إنقاذه من الموت، ثم ينظر القضاء في بقية المسائل".


كما بدا معز متأثراً وهو يتحدث عن ظاهرة أرقتهم كثيراً وتتعلق بانتحارالأطفال وقال: "نتألم كثيراً عندما يتم الاتصال بنا، ونذهب فنجد طفلاً صغيراً توفي منتحراً فهذا الواقع مؤلم للغاية".

العنصر النسائي حاضر 

والعنصر النسائي حاضر بكثافة في الحماية المدنية، وتصل نسبة مشاركة النساء حالياً إلى نحو 25 و30 في المائة من جملة الأعوان. وتؤكد مصادر لـ"العربي الجديد" أنّه رغم طبيعة العمل الصعبة والتي تتطلب مجهوداً بدنياً، إلا أن النساء يشاركن في أغلب التدخلات حتى في إخماد الحرائق.

و تقول مريم عيادي عون حماية مدنية لـ"العربي الجديد" إنها دخلت صدفة إلى مجال الدفاع المدني، ولكن بعد التدريب أصبحت تتقن هذا العمل، مبينة أن ما ينسيها التعب هي الخدمات الإنسانية التي يقدمونها للناس.


ولم تخف نادية أن بعض التدخلات كانت صادمة بالنسبة إليها، خصوصاً عند رؤية ضحايا حوادث المرور، وتتذكر المرأة التي صدمتها سيارة وكان دماغها على الأرض، ولا تنسى أشلاء حوادث القطارات والتي يتعين جمعها. وتؤكد أن مثل هذه المشاهد لم تعد تزعجها كالسابق، وأنها تجد مساندة كبيرة من العائلة، رغم أن عملها يتطلب أحياناً البقاء إلى ساعات متأخرة من الليل.

تشير مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" إلى أن نّ مقرات الحماية لم تكن مؤهلة لاستقبال العنصر النسائي، ولكن تم الشروع أخيراً في تهيئة بعض الفضاءات مثل المبيتات وبيوت الراحة المنفصلة، لتوفير ظروف عمل طيبة للنساء.

وتبقى عناصر الدفاع المدني تلبي واجبها الذي لا ينتظر، وسط الإمكانيات التي تحتاج إلى تعزيز لإنجاح هذا الجهد الإنساني النبيل.

اقرأ أيضاً: حائزات "نوبل": لننزع الحصانة عن المغتصبين 
اقرأ أيضاً: تبدّلات الثقافة الاستهلاكيّة التونسيّة

المساهمون