الدروس الخصوصية: أساتذة في الأسواق الموازية

21 نوفمبر 2016
(قاعة الدرس في نهاية التسعينيات، تصوير: سترينجر)
+ الخط -

يتواصل الصراع بين أساتذة تعليم الأطوار التعليمية الأولى في الجزائر، والوزارة الوصية بخصوص الدروس الخصوصية، حيث تشنّ هذه الأخيرة من فترة لأخرى حملات للحدّ من هذه الظاهرة.

تعود مشكلة الدروس الخاصة في أقسام التعليم العمومي؛ إلى الاكتظاظ الذي تسجّله قاعات الدراسة في هذه المؤسّسات، حيث تبلغ معدّلات استيعاب الأقسام: (40 إلى 45 تلميذا في كل قسم)، يواجه التلاميذ صعوبات لمتابعة شروحات الأساتذة في أحسن الظروف، في مقابل ذلك يواجه الأساتذة صعوبة في توصيل المعلومة إلى كل التلاميذ في أقسام مكتظة. ويرون أنه من المستحيل التأكّد من الفهم الجيّد لأعداد كبيرة من التلاميذ، خاصّة وأنهم ملزمون بإنهاء البرنامج الدراسي في الوقت المناسب قبل نهاية السنة الدراسية.

أمام هذه الوضعية، يسعى الأولياء المنشغلون بالتحصيل العلمي لأبنائهم، لتسجيلهم في أيّة مؤسّسة خاصّة معتمدة، أو لدى أساتذة يقدمون دروسًا في منازلهم أو في مستودعات مؤجّرة.

يتم تقديم هذه الدروس في العادة في أيّام العطلة الأسبوعية (الجمعة أو السبت)، وتتباين أسعار هذه الحصص وتختلف من منطقة لأخرى. ولا تزال أثمانها معقولة إلى حدًّ ما في بعض المدن الداخلية حيث يتم دفع ألف دينار جزائري (9 دولارات تقريبًا)، مقابل أربع حصص في الشهر. في المقابل، تصل أسعار الدروس الخصوصية إلى مستويات أعلى بكثير في المدن الكبرى، ويتم تقديمها بشكل جماعي، وأحيانًا تضم الأقسام التي تقدم فيها دروس الدعم أعدادًا من التلاميذ، أكبر من الذين يدرسون في أقسام في المؤسّسات العمومية.


من الأقسام إلى المرائب
رغم تعليمات الوزارة الوصية في هذا الصدد، يعقد مديرو بعض المؤسّسات التربوية اتفاقيات مع أساتذة، تمكّنهم من استعمال أقسام المدرسة في أيّام العطل، ويدفعون لقاء ذلك نسبة من الفوائد للمؤسّسة التي تستغل تلك المداخيل للقيام ببعض التهييئات داخل المدارس.

من جهة أخرى، يبرز صنف آخر من الأساتذة يقدم دروسًا خصوصية في منازل التلاميذ، حيث يقتصر الحضور على تلميذ واحد أو اثنين، يكون الثمن أكبر بكثير حيث يفوق 10 آلاف دينار شهريًا (90 دولارا).

يتمثل الحل الأخير الذي يلجأ إليه الأساتذة، هو تأجير محلّات وتهيئتها على عجل ببضعة طاولات وكراسي وسبورة، واستغلالها في تقديم الدروس الخاصة.

تتباين وجهة نظر المدرّسين، بين من يلقي اللوم على الوزارة بسبب الأجور التي يتقاضونها، إذ يعتبرون أنها غير كافية لحفظ كرامة المعلّم، وهذا ما كان سببًا لإضرابات "ماراطونية" صنعت الحدث في الجزائر، كان آخرها إضراب السنة الدراسية 2014 /2015 ، حيث دخلت النقابات في إضراب طويل شلّ قطاع التعليم لثلاثة أشهر، ومست المطالب جوانب متعددة منها: الأجور، والبرنامج الدراسي، وسن التقاعد، إذ تتراوح الأجور في مختلف أطوار التعليم بين 40 ألفاً و70 ألف دينار أي ما بين (360 و630 دولارًا) باحتساب مختلف المنح وسنوات الأقدمية وغيرها من معايير التقييم.

من جهته يعبر (م.ج)، أستاذ التعليم الابتدائي بمحافظة بسكرة جنوب شرقي الجزائر، عن معارضته فكرة الدروس الخصوصية، ويعتبر أن الأمر يقضي على مبدأ تساوي الحظوظ الذي يفترض أن يوفّره التعليم العمومي المجاني، كما أن انتشاره قد يجعل الأستاذ يفقد نزاهته، إذا ما مايز بين ما يقدّمه في الأقسام العادية والأقسام الخاصّة، واستشهد المتحدّث، أن سنة 2012 عرفت ظاهرة تسرّب أسئلة الباكالوريا في مادة الفلسفة، وأن التحقيقات أثبتت أن التسريب كان من طرف أستاذ قدّم نماذج امتحانات لطلبته في الدروس الخاصّة.

الأستاذة (ج.ل) من سطيف، ترفض التشكيك في نزاهة الأساتذة، وتعتبر أن تقديم دروس إضافية خارج العمل كسب مشروع، ومن حق الأستاذ أن يسعى لتوفير دخل محترم، وتنتفض المتحدّثة ضد هذه الانتقادات قائلة "الأساتذة لا ينهبون المال العام، ومن يقومون بذلك موجودون في قطاعات أخرى".

الاستثمار في الإهمال
تتفق الأستاذة (م.و)، في الطرح الذي ذهبت إليه زميلتها، وتعتبر أن الدروس الخصوصية يمكن أن تكون إيجابية، ولا سيما حين تكون الأقسام العادية مكتظة. وتشير إلى أن العامل الرئيسي الذي يحمل الأساتذة على القيام بذلك يتمثل في الظروف المعيشية، وتردّ انتشار هذه الظاهرة إلى "تهاون" الآباء عن تدريس أبنائهم وتفضيل إيلاء مهمّة مراجعة دروسهم للغير.

المتحدّثة قارنت بين ما يقوم به المعلمون في المدارس العادية والخاصّة، فالعينة الأولى منهم لا يعطون للتلاميذ الحلول مباشرة للتمارين، بل يسعون لحمل التلاميذ على التفكير والاستنباط ويأتي بعض التلاميذ بحلول جاهزة يحصلون عليها في الأقسام الخاصّة من دون التساؤل على كيفية الوصول إليها.

في المقابل، تبذل وزارة التربية والتعليم، كثيرًا من المساعي للقضاء على الظاهرة، ولكنها تبوء في النهاية بالفشل في كل مرّة بسبب استحالة مراقبة جميع الأماكن، أما في ما يخص مطالب النقابات المتعلقة في رفع أجر الأستاذ، فإن الأمين العام للوزارة يحيل الأمر على قوانين الوظيفة العمومي، وبالنسبة له، لا تحدّد الوزارة مستويات الأجور والسلّم الوظيفي، وأن الأمر مرتبط بقوانين تمسّ مختلف أسلاك القطاع العمومي ولا يمكن تغييرها للأساتذة وحدهم دون استفادة بقية الأسلاك.


الأولياء خارج التغطية
بين هذا وذلك، تحاول فيدرالية جمعيات أولياء التلاميذ أن تلتزم بموقف براغماتي. فمن جهة، يقرّون بالمشكلة المتسببة في انتشار الدروس الخصوصية وغلائها، ومن جهة أخرى، يهمهم نجاح أبنائهم ويحاولون ألا يدخلوا في صدام مع الأساتذة.

ويبقى الأمر الوحيد المؤكّد، هو أن هذه الظاهرة التي انتشرت في الجزائر منذ سنوات طويلة ولم تعرف حلّا لها سواء بالإقرار بها قانونيًا أو تجميدها باستخدام القانون في المستقبل القريب، وذلك لحماية التلاميذ الذين يزاولون دراستهم في هذه الأماكن، خاصّة إذا تعلق الأمر بإجراءات التأمين والحوادث التي يمكن أن تقع لهم في أماكن يعتبر النشاط فيها غير مرخّص له.

المساهمون