الدراما الكويتية: الأحزان والحب

17 مايو 2020
مسألة المال محرك أساسي في مسلسل "هيا وبناتها( فيسبوك)
+ الخط -
مع مرور سنة وراء أُخرى، تُضاعف الدراما الكويتية حضورها على الشاشة العربية، وعلى وجه الخصوص في موسم الدراما الرمضانية. أكثر من ستة أعمال حضرت على خريطة هذا العام، وانتشرت على القنوات الفضائية، وحيث أدار المُشاهد بصره فسيجد عملاً كويتياً.

وعند النظر إلى غالبية تلك الأعمال، يتبين أنها مبنية على أعمال نصوص سردية مكتوبة من الأساس كي تصبح مُنتجات درامية. يمكن الملاحظة هنا، بأن هذه الدراما نفسها، كما لو أنها تتعمّد القفز على النصوص الكويتية الروائية الجاهزة، والتي يمكن أن تصبح أعمالاً درامية صالحة للظهور على الشاشة، مثال "ساق البامبو" للروائي الكويتي سعود السنعوسي والتي حازت جائزة البوكر للرواية العربية، وتمّ تحويلها لعمل درامي عام 2016 على يد المخرج محمّد القفاص. ولعلّ هذا الإنتاج قد سار منفرداً وخرج من سياق الحالة الدرامية العامّة التي حصرت نفسها في الهاجس الاجتماعي دون السياسي، وذلك حين اعتمد المخرج على طرح فكرة معدومي الهويّة الكويتية على طاولة النقاش الدرامية.

وفي خريطة رمضان لهذا العام، لن يجد المتابع صعوبة في اكتشاف حالة استمرار ذهاب تلك الدراما، على طريق ذلك الهاجس الاجتماعي وإشكالياته. إضافة إلى الدخول بقوّة في تحليل شكل الأسرة الكويتية، والعلاقات الحالية التي صارت تجمع بين أفرادها، وذلك عبر ثلاثة نماذج "شغف" للمخرج محمّد القفاص، "هيا وبناتها" لخالد راضي الفضلي و"الكون في كفة" لسائد بشير الهواري. ولن يكون من الصعب وضع أيدينا على مسألة سير هذه الأعمال على نقطتين أساسيتين هما الحُب وشهوة المال والنتائج المترتبة عليهما. وبالتالي لن يكون غريباً أن يكون حضور المرأة لافتاً في قلب تلك الدراما، وإن كانت هذه نقطة لا تُحسب لصالح تلك الأعمال، وهي تقوم بوضع الأُنثى في خانة تقليدية ومُستهلكة، لكن ربما يُمكن النظر من جهة أُخرى، حيث المرأة قد حازت قلب تلك الأعمال والبطولة فيها، بل وسيطرت على مفاصلها، وكانت المحرّك الرئيسي لها.
والحال، سنجد في مسلسل "شغف" على نحو ظاهري، بأن "فيصل" (عبدالله بوشهري) هو محور العمل وغالبية نساء العمل يدرن حوله. موهوب في الرسم لكنه بلا ثقافة. أصابعه تجيد النقل، لكنها لا تفهم ما تقوم بنقله. مجرد شغل ويعتبره كذلك لكسب المال وتأمين لقمة عيشه عبر العمل مع "دانة" (هدى حسين)، وهي فنّانة تشكيلية شهيرة ستقع في حبّه على الرغم من ارتباطها بـ"نوّاف" (حسين المنصور) الذي يقاربها في العُمر، ولهما قصة حب قديمة، لدرجة أنه قام بتسمية ابنته على اسمها. تلعب مسألة المال دورها هنا، إضافة لـ"الشغف" الموجود في قلب "دانة" ما يدفعها لمحاولة طرد الجميع من حياتها، بمن فيهم شقيقها، والاكتفاء بـ"فيصل" وحده في قالب الحب المجنون الذي لا يجد لنفسه سقفاً يتوقف عنده، وهو على استعداد لدفع كل شيء من أجل الاحتفاظ به.

مسألة المال نفسها سنجدها محركاً أساسياً في "هيا وبناتها"، حيث الطمع وقدرته على تفتيت رابطة الدم والذهاب إلى إنكار تلك الرابطة من الأساس. والمرأة المُهانة ستكون بطل العمل هنا بامتياز، وهذا أمر ظاهر من عنوان العمل نفسه، حيث نجدُ "هيا" (باسمة حمادة) وهي تحاول حماية بناتها الأربعة من تاريخ أسود يلاحقها، وكانت مظلومة فيه. لكن ذلك التاريخ ما يزال يطاردها، عبر إخوة زوجها الراحل، وهم يطالبونها بالتنازل عن كل أملاكها لصالحهم، وإلا فسوف يكشفون تاريخها أمام الجميع. وإذا جاز لنا الحديث حول عماد هذا العمل، فسيكون لصالح الممثلة باسمة حمادة التي تجاوزت نفسها، وقامت بضخ كمّيات كثيفة من الحنان تجاه بناتها، وكمّيات كثيفة أُخرى من الحزن الذي، على الرغم من ظهوره في الحالات التي كانت تنفرد فيها مع نفسها خشية على بناتها من تبعاته، إلا أنه قام بإضافة جرعات كثيرة من الحزن عليه.

وفي حين كانت "هيا" تحاول جاهدة حماية أسرتها الصغيرة وبذل كل شيء من أجل تحقيق ذلك، سنجد الأنانية التامّة ظاهرة في دور "شمور" (إلهام فضالة) في عملها "الكون في كفة"، وسعيها للبحث عن حب سيظهر متمثلاً في هيئة "عيسى" (عبد الله يهمن) على الرغم من الفارق الاجتماعي الذي يفصل بينهما. ولو كان هذا الأمر سيدفعها لتفكيك أسرتها وحياتهم إلى درجة طردهم من بيتها الفخم، من أجل التفرغ للحب الذي جاء متأخراً. وفي هذه الحالة، يمكن فهم حالة التسلّط التي كانت في سلوك بطلة العمل تجاه أسرتها، عبر تفكيك حالة الجفاف التي حاصرت حياتها، إلى درجة ظهورها على هيئة قائد عسكري لا يمكن لأيّ من أفراد العائلة أن يمد يده على مائدة الطعام قبل وصولها، وعليهم أن ينتظروا حتى مجيئها.

وفي مجمل هذه الأعمال السابقة، يمكن الإمساك بأكثر من فكرة، لكن أبرزها سيكون مسألة الحضور الكثيف للمرأة الكويتية في تلك الدراما إضافة لمسألة تفكيك حال الأسرة الكويتية بكل وضوح ومن دون مواربة وهذه نقطة، بكل تأكيد، تُحسب لهذه الدراما وتوضع في رصيدها.
لكن تبقى نقطة مهمّة ينبغي أن تُقال حول مسألة التطويل والرغبة في مط حجم الحلقات على أرضيّة ثلاثين حلقة، تبدو واضحة في أكثر من عمل. كان يكفي لبعض هذه الأعمال 15 حلقة فقط. وكانت ستأتي كثيفة وقويّة وبعيدة عن الملل. بعض تلك الحلقات كانت تمر من غير حدث حقيقي واحد ومفصلي يمكن أن يؤثر في سير الأحداث، ويعمل على بعث شغف المتابعة. لكن يبدو أن مسألة الحلقات الثلاثين آفة ضربت الدراما الرمضانية، وأصابتها في مقتل.
المساهمون