الدب الروسي .. الآن

08 ابريل 2015
+ الخط -
حظي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدعم شعبي واسع طوال 15 عاماً، بفضل نجاحاته، فقد سحق الانفصال الشيشاني، وأشرف على إصلاحات في الجيش، وقام بتطوير البنية التحتية، ورفع مستوى حياة المواطن الروسي، إلا أن انهيار أسعار النفط وعقوبات الغرب الاقتصادية يشكلان، اليوم، أكبر تحد لرئاسته التي وصل إليها خلفاً لبوريس يلتسين المريض في عام 1999، مع تعهداته بإبعاد الفوضى التي ميزت المرحلة الانتقالية في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومنها انخفاض قيمة العملة المحلية، وإفلاس الحكومة عام 1998.
وفيما تميزت فترة حكم بوتين بنمو اقتصادي، وارتفاع الأجور، باستثناء سنة واحدة، فإن روسيا اليوم تتجه إلى أزمة مالية، تستدعي إلى الأذهان انهيار عام 1998، فقد انخفضت قيمة الروبل أكثر من 18% في يومين متتاليين، على الرغم من الرفع المفاجئ لسعر الفائدة من البنك المركزي. وفي مؤشر على الضغط على واضعي السياسات في الكرملين، قال سيرغي شفيتسوف، نائب محافظ البنك المركزي الروسي، إن الوضع حرج، وإنه لم يتصور، حتى قبل عام وفي أسوأ الكوابيس، أن مثل هذا الأمر قد يحدث.
يمثل ذلك مشكلة كبرى لبوتين الذي ارتبط حكمه في أذهان الروس بالاستقرار، وارتفاع مستوى المعيشة، حيث اعتقد معظمهم أنه زعيم قوي، وهو الذي ما زال يملك كل السلطة، لكن كل شيء ينهار. وقال مسؤول تنفيذي في بنك غازبروم الروسي إن انهيار الروبل، والركود الاقتصادي المصاحب له، يمثل انهياراً لنظام بوتين الاقتصادي، القائم على النفط للسنوات الـ15 الماضية. كما أن انخفاض الروبل بسرعة قياسية يعرّض للخطر شعارات الاستقرار التي بنى بوتين حكمه حولها، وفي وقت تقترب شعبيته من أعلى مستوياتها لموقفه من أوكرانيا، فإن أزمة العملة تهدد بأن تتسبب في تآكل هذه الشعبية، وأن تقوض سلطته أيضاً.
ومع أن شعبية بوتين حالياً تتجاوز 85% بين الروس، إلا أن ثورة ملونة في موسكو ليست مستبعدة بحسب مراقبين كثيرين، وكانت العاصمة قد شهدت احتجاجات شعبية معارضة له، كما أن الحركات المشابهة لا يجب أن تشمل كامل البلاد لتكون مؤثرة، فما حدث في القاهرة وكييف أثبت أن المظاهرات في عاصمة الدولة يمكن أن تُحدث تغييراً في النظام.
نجا بوتين من عاصفة اقتصادية إبان الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وسط تعثر مماثل في أسعار النفط، في تلك الفترة، وانخفاض الروبل نحو الثلث، لكن الاقتصاد نما لاحقاً. وبحسب كيريل روجوف، الباحث في معهد غايدار للسياسة الاقتصادية في موسكو، إن ما يحدث، الآن، أسوأ مما كان قبل خمس سنوات، وإن بوتين يخاطر بفقدان صورته زعيماً مسيطراً، ويستطيع توجيه البلاد في أثناء الاضطرابات، فبعد 2009، كان هناك انتعاش سريع، "أما اليوم، فنواجه صدمة لا يمكن السيطرة عليها، وهذا يقوض الثقة في نموذج بوتين الاقتصادي كله".
ويدرك بوتين أن خياراته في أوكرانيا باتت محدودة، فهو لا يستطيع تحقيق نصر عسكري حاسم هناك، من دون إحداث نزاع عالمي، ولا يمكنه إضعاف الاقتصاد الأوكراني من دون إلحاق الضرر بالاقتصاد الروسي في الوقت نفسه، وبحسب مراقبين عديدين، إذا واجهت روسيا عملية تقطيع لأوصالها، كما هو متوقع، لاحقاً، سيكون هذا، إلى حد كبير، نتيجة سياسات الرئيس بوتين.
ولا يمكن تجاهل أن بوتين، باستخدامه الأيدولوجية القيصرية الجديدة للقوة الروسية، والصحوة الأرثوذكسية، وبالإضافة إلى أفكار تتعلق بـالقومية السلافية، ومعاداة الغرب، وإعلان العرق والدين أساساً للدولة الروسية، أجج، وربما عن غير قصد، القوى الانفصالية في أجزاء من روسيا، كانت تاريخياً وثقافياً إسلامية. وقمة مينسك (عاصمة روسيا البيضاء)، وقد أطلق عليها اسم قمة الفرصة الأخيرة لوقف حمام الدم في أوكرانيا، وجمعت قادة أوكرانيا وروسيا وفرنسا وألمانيا، والتي لم تنفذ معظم بنودها، يمكن تسميتها قمة إنقاذ بوتين.
ولا يمكن تجاهل حقيقة أن عملية اغتيال المعارض الروسي نيمتسوف ألحقت ضرراً كبيراً بسمعة بوتين، داخلياً وخارجياً، لاسيما أنها وقعت في المنطقة التي تعتبر ضمن نطاق مناطق الأمن الخاص لزعيم الكرملين بوتين شخصياً.