وقال مصدر مسؤول في الهيئة العامة للاستثمار الكويتية (الصندوق السيادي)، إن الهيئة ستبدأ خلال الأسبوع الجاري اجتماعاتها مع مصارف عالمية للترويج لأول إصدار للسندات الدولية، بغرض استخدامها في تمويل عجز الموازنة للسنة المالية الحالية 2016/2017.
وأضاف المسؤول، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن السعر الاسترشادي الذي وضعته الهيئة للعائد (الفائدة) على السندات سيتراوح بين 2% و2.5%، وذلك فوق أذونات الخزينة الأميركية لمدة 5 سنوات.
وتسعى الحكومة إلى الاقتراض عبر إصدار سندات محلية بقيمة ملياري دينار (6.6 مليار دولار)، وأخرى دولية بقيمة 2.9 مليارَي دينار (9.9 مليارات دولار)، وكذلك اللجوء إلى الاحتياطي النقدي من أجل سد عجز الموزانة المتوقع بلوغه 9.6 مليارات دينار (31.6 مليار دولار) بنهاية السنة المالية الحالية التي تنقضي بنهاية مارس/آذار المقبل.
والسند هو صك مديونية تستخدمه الحكومات كوسيلة للاقتراض، والدائن هو الذي يشتري السند، ويتعهد مصدر السند أن يدفع فائدة أو ربحاً محدداً مسبقاً لمدة معينة، وأن يرد القيمة الاسمية للسند عند حلول تاريخ الاستحقاق.
وكانت لجنة إدارة الدين العام، التابعة لوزارة المالية، قد كلفت الهيئة العامة للاستثمار بملف السندات الدولية، وبنك الكويت المركزي بالسندات المحلية.
وقال المسؤول في الهيئة العامة للاستثمار، إن سبعة مصارف دولية أبدت رغبتها في المشاركة في الإصدار السيادي، تتمثل في "كريدي سويس" السويسري ، و"بي.إن.بي باريبا" الفرنسي، و"دويتشه بنك" الألماني، وكلٍّ من "سيتي بنك" و "مورغان ستانلي" و"جي.بي مورغان تشيس" و"غولدمان ساكس" الأميركيين.
وأضاف أن المفاوضات مع المصارف الدولية قد تستغرق ما بين 30 و50 يوماً، ليتم الإعلان عن تفاصيل الاكتتاب العالمي مطلع العام المقبل 2017.
وشاركت بعض هذه المصارف في إصدار السندات السعودية قبل أيام، والتي جمعت من خلالها المملكة نحو 17.5 مليار دولار.
وقال عبدالله الملا، الخبير الاقتصادي ورئيس مجموعة الملا للاستثمار، إنه على مدى العقود الماضية، اعتمدت الكويت على إيرادات النفط لتمويل ميزانيتها، ولم تبحث عن بدائل أخرى، مما عرضها لضغوط قوية وعجز مالي لا يمكن تغطيته بسهولة.
وأضاف الملا خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن توجه الكويت للاقتراض الخارجي ستكون كلفته مرتفعة للغاية، مشيرا إلى أن وضع الاقتصاد الكويتي يتطلب حلولا مبتكرة للخروج بأقل الخسائر الممكنة.
وأوضح أن فائدة 2.5% التي ستدفعها الكويت خلال 5 سنوات مقابل الاكتتاب في سنداتها ستضع الدولة في مأزق مالي، واصفاً تلك الخطوة بالخاطئة لتمويل العجز في الوقت الحالي، وأنها ستساهم في التضخيم نظراً لكلفة الدين المرتفعة.
واتخذت الحكومة خلال الأشهر الماضية سلسلة إجراءات لخفض عجز الموازنة، ففي مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، طبقت زيادة في أسعار البنزين بنسب تراوح بين 40% و83% حسب نوع الوقود، مما أثار انتقادات حادة، ودفعها للإعلان عن توزيع 75 لتراً مجانياً شهرياً على المواطنين. وسبق أن طبقت زيادة كبيرة على السولار مطلع العام الماضي 2015، فضلا عن رفع أسعار المياه والكهرباء للمقيمين.
ويأتي العجز المالي تزامناً مع تراجع أسعار النفط الخام إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل، مقارنة مع 120 دولاراً منتصف 2014. وتنتج الكويت نحو ثلاثة ملايين برميل نفط يومياً، وتعتمد على إيرادات النفط بأكثر من 90% في تمويل موازنتها.
وقال عبدالعزيز الكندري، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، إن تمويل العجز يجب أن يتم باختيار عدة طرق والموازنة بينها، مضيفا " هناك خطورة على موازنة الدولة في حال تمويلها من السندات الدولية بتلك الفائدة المرتفعة".
ورأى الكندري أن المصارف المحلية قادرة على شراء السندات الحكومية بفائدة أقل من الخارجية بحدود 1.5%، وهي التي يصدرها بنك الكويت المركزي، بالإضافة إلى تغطية باقي العجز من الاحتياطي العام، وبالتالي تكون تكلفة تغطيته منخفضة مقارنة بوسيلة الاقتراض الخارجي.
وكان محافظ بنك الكويت المركزي، محمد الهاشل، قد قال خلال مؤتمر يورومني الكويت 2016 نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، إن المصارف المحلية تمكنت، حتى الآن، من احتواء الآثار المؤلمة لصدمة أسواق النفط الأخيرة، لكنه أضاف أن قدرة هذه المصارف على المرونة والتحمل "ليست إلى ما لا نهاية".
ومثل العديد من البلدان المصدرة للنفط، تعاني الكويت من تراجع إيراداتها بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط عالمياً، التي تراجعت بأكثر من 50% منذ منتصف عام 2014.
وقال محافظ المركزي الكويتي، إن الانتعاش المتواضع الذي شهدته أسعار النفط، منذ مطلع العام الجاري، لا ينبغي أن يشكل مبرراً للشعور بالرضى أو التراخي في إجراء إصلاحات مالية وهيكلية شاملة من شأنها أن تمكن، في نهاية المطاف، دولة الكويت من عدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.
ويسود القلق من استمرار أسعار النفط في الانخفاض حتى في حال خفض منظمة البلدان المصدرة "أوبك" الإنتاج بكميات معتبرة، لا سيما أن هناك لاعبين فاعلين من خارج المنظمة في مجال الإنتاج التقليدي، بالإضافة إلى المخاوف من زيادة إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة في حال ارتفاع الأسعار عالميا.
وكانت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، قد قالت إن الاحتياجات التمويلية لدول مجلس التعاون الخليجي الست (الكويت، السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، سلطنة عُمان)، قد تزيد عن 560 مليار دولار بين عامي 2015 و2019.
وأشارت الوكالة في تقرير لها منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى أن متطلبات التمويل تتصاعد في المنطقة منذ عام 2015، مع تراجع الإيرادات النفطية الذي حول الفوائض المالية إلى عجز، لافتة إلى أن العجز المالي لدول الخليج سيصل إلى 150 مليار دولار بنسبة 12.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول خلال العام الحالي 2016 وحده.