الخيط الرفيع بين أردوغان وبوتين

05 يونيو 2015

بوتين في ضيافة أردوغان (1ديسمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

على الرغم من أوجه الشبه الكبير بين الزعيمين، التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، إلا أن هناك فروقاً بينهما، فهما مختلفان تماماً في الشأن السوري، فحين كان أردوغان يسعى إلى تغيير النظام في دمشق، كان بوتين في الاتجاه المعاكس من ذلك. ويتباين الموقفان الروسي والتركي حول سورية، ففي وقت تعلن فيه أنقرة دعمها المعارضة السورية، وهو ما بدا واضحا في مطالبة الأسد بالتنحي، تتمسك موسكو بدعم نظام الأخير، وتحول دون تبني أي قرار في مجلس الأمن الدولي يدينه، وصوتت موسكو بالفيتو ثلاث مرات لحمايته.

وأفيد، في أثناء زيارة بوتين أنقرة أواخر العام الماضي، بأن أردوغان رفض عرض نظيره الروسي، بخصوص إقناع المعارضة السورية للجلوس مع النظام على طاولة واحدة، وعلى الرغم من أن كلا منهما أكد على موقفه، إلا أنهما أزاحا ذلك كله جانبا، من أجل التعاون بينهما.

وذهب مراقبون إلى أن أردوغان اكتفى بالتنديد بضم روسيا إلى القرم، وهي القريبة جغرافـيا وثقافـيا من تركيا، إذ لا تبعد سوى ساعة طيران عن إسطنبول، ويعيش تتار كثيرون فـيها، بسبب ازدياد العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأنقرة، كما أن تركيا تؤمّن 60 % من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه من روسيا. ولطالما ظلت تركيا متحمسة لفكرة تحويل نفسها إلى مركز طاقة لخدمة السوق الأوروبية، ولفترة طويلة، ارتكزت صناعة الغاز الطبيعي في روسيا على أوروبا، سوق تصديرها الرئيسية، ولكن الآن، يبدو أنها تحول اهتمامها إلى تركيا التي تحرص على ترسيخ مكانتها بوابة لأسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وتماشياً مع هذا، ناقشت حكومتها بالفعل مقترحات لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز من أذربيجان وتركمانستان والعراق وإيران إلى أوروبا عبر أراضيها. وهي الآن أقرب من أي وقت لتحقيق هذا الهدف، نظراً لانهيار العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي حول أوكرانيا، وقرار روسيا إلغاء مشروع "ساوث ستريم" لصالح وصلة جديدة عبر البحر الأسود إلى تركيا، إذا نجحت الخطة الروسية الجديدة، فإن تركيا ستصبح جسراً للغاز بين الشرق والغرب.

وبالإضافة إلى تعارض فـي المواقف والمصالح بين أردوغان و بوتين فـي ما يتعلق بأزمات القوقاز، خصوصاً الوضع فـي إقليم ناغورني كارا باخ، إذ تقف أنقرة إلى جانب أذربيجان ضد الانفصاليين الأرمن، وهي تتهم موسكو بعدم الضغط على أرمينيا، لوقف دعمها الانفصاليين، كما رفض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، دعوة فلاديمير بوتين، للمشاركة في احتفالات روسيا بالذكرى السبعين لانتصار الجيش الروسي على النازية، وربط مراقبون رفض أردوغان الدعوة بوصف بوتين أحداث 1915 بـ الإبادة العرقية، ومشاركته في مراسم إحياء الذكرى المئوية للمزاعم الأرمنية في العاصمة الأرمينية يرفان.

والحال نفسه بالنسبة إلى مصر، حيث لم يكن أردوغان راضياً عن إطاحة الرئيس المصري، محمد مرسي، بينما راق ذلك لبوتين، وخصوصا مع تزامن ذلك بازدهار العلاقات المصرية-الروسية، من خلال تعاون القاهرة مع موسكو، ورحب بالزيارة التي قام بها الرئيس، عبد الفتاح السيسي، لبلاده قبيل ترشحه للرئاسة (كان حينها وزيراً للدفاع)، والتي استتبعها بزيارة أخرى غداة رئاسته.

ويرى مراقبون أنه بسبب براغماتية الرجلين، نحّى كل منهما خلافاتهما الكبيرة حول سورية وأوكرانيا وأرمينيا وقبرص جانباً، وسعيا إلى إيجاد وسائل جديدة لتعميق التعاون بين روسيا وتركيا، خلال زيارة بوتين الأخيرة إلى العاصمة التركية أنقرة، على الرغم من أنه من شبه المؤكد أنهما استفاضا فـي بحثها، وإن خلت تصريحاتهما من مواقف تعكس تناقض الأجندات حول هذه النقطة أو تلك. وفي ضوء زيارة بوتين تلك، لا يمكن تجاهل أوجه شبه كثيرة بين زعيمي البلدين، الشخصيتين المثيرتين للجدل في أحيان كثيرة. وهما يحكمان دولتين قويتين على الحدود الشرقية لأوروبا، مطلتين على منطقتي البحر الأسود والشرق الأوسط، ويتفقان في عدة قضايا مشتركة، لكنهما يتصادمان، أحياناً، في بعض الأهداف والقضايا السياسية، وكلاهما يناهز الستين، وكلاهما في السلطة منذ زمن طويل، بوتين منذ 1999،وأردوغان منذ عام 2002، كما يتمتع الرجلان بنفوذ واسع في بلديهما، وبوتين أعاد إلى روسيا هيبتها على الساحة الدولية، بعدما فقدتها بانهيار الاتحاد السوفييتي، والثاني جعل اقتصاد تركيا السادس أوروبياً، والسادس عشر على مستوى العالم لجهة الازدهار والتأثير.

ولا يكاد يمر أسبوع حتى ينتقد الرجلان أميركا وأوروبا، لكن العلاقة لم تسُؤْ بينهما وبين الغرب على الدوام، ولم تصل إلى حد القطيعة، فقد تحالف بوتين مع جورج بوش بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، في حين عرضت أميركا الشراكة الاستراتيجية على روسيا، كما أظهر أردوغان، في بداية حكمه، أنه يريد العمل على تقريب دولته من الدول الأوروبية.

وتعرض كلاهما للاحتجاجات، فواجه بوتين احتجاجات في عام 2011-2012، كما واجه أردوغان في عام 2013 احتجاجات أيضاً، ومن أهم الخصائص المشتركة بينهما أن أفكار كل منهما حافلة بنظريات المؤامرة، والاثنان يحتفظان بقاعدة شعبية كبيرة في الداخل، على الرغم من الاتهامات التي توجه إليهما بالتسلط، وكلاهما وجد في توجيه الخطابات المناهضة للغرب وسيلة سهلة للاستفادة داخلياً، وكلاهما يعتبران الغرب خدعة.

وميراث البلدين التاريخي غني بالألقاب التي يحلو لمؤيدي الرجلين ومعارضيهما إطلاقها، أردوغان "السلطان"، وبوتين "القيصر"، وكلاهما لديه طموح كثير، مع مزيد من عدم الراحة من أوروبا، وكلاهما لا يتردد في فهم الجغرافيا السياسية، فبوتين يدرك أن أي زعيم روسي يجب أن يوفر مناطق عازلة لروسيا في أوروبا الشرقية والقوقاز، وأردوغان يدرك أن تركيا يجب أن تصبح قوة مهمة في الشرق الأوسط من أجل كسب النفوذ في أوروبا.

وتمتلك روسيا الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى السلاح النووي، ويرى بوتين أن ضمان الناتو حماية تركيا يشكل تهديداً بالنسبة إليه، أما أردوغان فيختلف عن بوتين في أنه لا يهدد الغرب.

ويحظى بوتين بنظام رئاسي روسي قوي ومستمر، أما أردوغان فيطمح إلى تحويل النظام في بلاده إلى رئاسي، فتركيا تتمتع بتاريخ لأحزاب متعددة مقارنة بروسيا، والمجتمع المدني في تركيا أقوى منه في روسيا، ويمكن إضافة أن انخفاض أسعار النفط الحالي يضعف بوتين، ويريح أردوغان.

وفيما تتجه الأنظار نحو سورية على أنها آخر معاقل موسكو في الشرق الأوسط، وقاعدتها في المياه الدافئة، وأن ما ستؤول إليه الأمور في عاصمة الأمويين سيكون له تأثير كبير على مستقبل المنطقة ككل، خصوصا بعد ما تعتبره موسكو تعرضها للخداع من الغرب في ليبيا، واستمرار عدم استقرار الأوضاع في مصر والعراق، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: إلى متى ستستمر شعرة الخيط الرفيع بين أردوغان وبوتين؟