31 ديسمبر 2020
الخليج العربي بَيْن مدرسَتين
استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، حصار قطر، دعم الأنظمة القديمة وإعادتها، حرب اليمن وغير ذلك من الحوادث، تُنبئ بانقسام منطقة الخليج العربي إلى مدرستين. الأولى تمثلها دولة الإمارات العربية المتحدّة ومن معها. والثانيَة تُمثّلها دولة قطر التّي قد تجد نفسها تسبح وحيدةً، إذا ما نجحت الإمارات والسعودية في كسر حياد دولة الكويت وسلطنة عُمان.
منذ انطلاق ثورات الربيع العربيّ، وقفت الإمارات العربية المتحدّة بمسافة سلبية منه، بذريعة التخوّف من قدوم إسلاميين متطرّفين إلى السلطة، الأمر الذي قد يشكّل خطراً على استقرار العائلات الحاكمة في منطقة الخليج. وقد شكّل وصول الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم في مصر أسوأ كوابيس حكام أبوظبي، والذين فعلوا المستحيل بمساعدة العربية السعودية لإنجاح الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال، عبد الفتاح السيسي، سنة 2013 على حكومة منتخبَة ديمقراطيًا. لم تقدّم الامارات حججا واضحة لأسباب تخوّفها من الإسلام السياسي، سوى ادعاءات بالكشف عن خليّة لجماعة الإخوان المسلمين كانت تستهدف أمن هذه الدولَة، التي تتميز سياستها الخارجية بالطابع الهجومي غير المؤسس وغير المفهوم، إذْ بدت سياسة الإمارات كأنّها مدفوعة بهستيريا السيطرة على الخليج، تمهيداً لحصّة أكبر في المنطقة العربية، الأمر الذي ظهر بوضوح في ليبيا.
على عكس الإمارات، سارت دولة قطر في اتجاه مُواكبة التغييرات التي عرفتها المنطقة العربية. تفاعلت دولة قطر بإيجابية مع حركية الشارع، وواكبتها عبر إعلامها ومواقفها الدبلوماسية، لتُصبح بهذا فاعلاً إقليميا نشيطاً قفز بمراحل على جيرانه الكبار والصغار، ورسم لنفسه دوراً فُهِم على أنّه تهديد لبعض المراكز في المنطقة. لم تخش دولة قطر من وصول
الإسلاميين إلى السُلطة؛ بل تعاملت معهم باعتبارهم منتخبين في الحالَة المصرية؛ كما لم تدبّر لانقلاب عسكري في تونس، حين فاز حزب نداء تونس بالرئاسة. لقد تميّزت السياسية الخارجية القطرية بالواقعية والقراءة الصريحة للذات؛ بحيث أيقنت أنّها غير قادرة على الوقف ضدّ الجماهير المُطالبة بالحريّة، أو محاولة التأثير في خياراتها. لذا فقد دعمت دولة قطر الشارع، ودعمت خياراته، بالحفاظ على مسافة آمنة تضمن لها حدّاً أقلّ من الخسائر والأخطاء.
لم تتقبل الإمارات العربية المتحدّة فكرة وجود السعودية وقطر على الخط نفسه في الحالَة السورية، على الأقل من ناحية الشكل المتمثل في رحيل الأسد. والواضح أنّ هذا الموقف أسس لشكل الدور الإماراتي الحالي، وشنّها حملة واسعة ضدّ قطر، فقد أرادت محاصرة الأخيرة وابتلاع مواقف دول الخليج، أو على الأقلّ إبقاءهم محايدين؛ والواضح أنّ هذا المسعى حظي بقدر من النجاح، بحيث ابتلعت الإمارات العربية السعودية والبحرين. لكنّها فشلت في فعل الشيء نفسه مع الكويت وسلطنَة عُمان. لم تكتف الإمارات بالتبشير بسياستها ضدّ الجارة قطر في محيطها القريب، وإنمّا نقلت العملية إلى عواصم غربية عبر مداخل إعلامية وأكاديمية المُراد بها ضرب منجزات هذا البلد، وتشويه صورته وصورة إعلامه ومواطنيه.
اليوم، تبدو لنا منطقة الخليج خليجين، تجمعهما الجغرافيا وتفرقهما السياسة. عصفت الأزمة بالحدّ الأدنى من التفاهمات الواجب وجودها لضمان استقرار المنطقة، واستقرار مواطني دول مجلس التعاون. وصل الشرخ إلى أعمق نقطة، يُمكنه أن يصل إليها، وهي ضرب استقلال العائلات والأسر، اللعب على أوتار القبلية، وكذا استهداف العائلة الحاكمة في دولة قطر. نجد من جهة مدرسة إماراتية تجمع السعودية الباحثة عن الانفتاح على طريقة أبوظبي، ودولة البحرين المثقلَة بمشكلاتها الداخلية، فيما نجد في الجهة الثانية دولَة قطر التي تحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى إحداث توازن داخل البيت الخليجي، سواء عبر كسب سلطنة عُمان والكويت، أو عبر المحافظة على حيادهما تجاه الأوضاع الراهنَة.
المثير للاهتمام في الخليج المُعاصر هو تحوّل العربية السعودية التدريجي نحو تابع للإمارات العربية المتحدّة. يبدو للمتتبع العادي أنّه من سوء حظ ملك السعودية القادم أنّه يُحاكي التجربة الإماراتية على نسخة أبوظبي، وليس إمارة دبي. إذا استمر الوضع هكذا، ستتورّط المملكة السعودية في نزاعات ومشكلات هي في منأى عنها، خصوصا في وضعها الاقتصادي الحالي. تُريد إمارة أبوظبي التعجيل في إيصال ولي العهد السعودي إلى كرسي المُلك، بغرض إعادة هندسة الرياض وفق الضوابط التي تُمليها الإمارات، عبر محاصرة أيّ معارض محتمل، في الداخل السعودي أو خارجه، تمهيداً لبناء شرق أوسط مستعد لاعتبار وجود إسرائيل أمرا طبيعيا، ودولة "جارة" يجب التعامل معها في إطار العلاقات الدولية العادية.
يُريد الفاعل الإماراتي إعادة هندسة الخليج العربي، والتأثير المفرط في توجهات المملكة العربية السعودية في جوّ هادئ، لا تظهر معه أيّ بوادر للمنافسة، أو النقد الذي تُرى المُؤسسات الإعلامية القطرية أنّها مصدره. يتبيّن لنا أنّ إسكات قطر وإضعافها كان غرضا إماراتياً، رأته شرطا مسبقا لنجاح أيّ ترتيبات إماراتية سعودية في المنطقة. لكنّ سرعة قطر في التجاوب مع الأزمة حرقت جميع بطاقات الخصوم، ودفعتهم نحو الانحسار في زاوية الفن المأجور والأغاني الفارغة من المحتوى. وفي ظلّ التعنت الحالي، يبدو حل الأزمة الخليجية الراهنة مربوطاً بفكّ الترابط الإماراتي السعودي؛ أو إيجاد خط داخلي موازٍ يجمع قطر والكويت وسلطنة عُمان.
منذ انطلاق ثورات الربيع العربيّ، وقفت الإمارات العربية المتحدّة بمسافة سلبية منه، بذريعة التخوّف من قدوم إسلاميين متطرّفين إلى السلطة، الأمر الذي قد يشكّل خطراً على استقرار العائلات الحاكمة في منطقة الخليج. وقد شكّل وصول الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم في مصر أسوأ كوابيس حكام أبوظبي، والذين فعلوا المستحيل بمساعدة العربية السعودية لإنجاح الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال، عبد الفتاح السيسي، سنة 2013 على حكومة منتخبَة ديمقراطيًا. لم تقدّم الامارات حججا واضحة لأسباب تخوّفها من الإسلام السياسي، سوى ادعاءات بالكشف عن خليّة لجماعة الإخوان المسلمين كانت تستهدف أمن هذه الدولَة، التي تتميز سياستها الخارجية بالطابع الهجومي غير المؤسس وغير المفهوم، إذْ بدت سياسة الإمارات كأنّها مدفوعة بهستيريا السيطرة على الخليج، تمهيداً لحصّة أكبر في المنطقة العربية، الأمر الذي ظهر بوضوح في ليبيا.
على عكس الإمارات، سارت دولة قطر في اتجاه مُواكبة التغييرات التي عرفتها المنطقة العربية. تفاعلت دولة قطر بإيجابية مع حركية الشارع، وواكبتها عبر إعلامها ومواقفها الدبلوماسية، لتُصبح بهذا فاعلاً إقليميا نشيطاً قفز بمراحل على جيرانه الكبار والصغار، ورسم لنفسه دوراً فُهِم على أنّه تهديد لبعض المراكز في المنطقة. لم تخش دولة قطر من وصول
لم تتقبل الإمارات العربية المتحدّة فكرة وجود السعودية وقطر على الخط نفسه في الحالَة السورية، على الأقل من ناحية الشكل المتمثل في رحيل الأسد. والواضح أنّ هذا الموقف أسس لشكل الدور الإماراتي الحالي، وشنّها حملة واسعة ضدّ قطر، فقد أرادت محاصرة الأخيرة وابتلاع مواقف دول الخليج، أو على الأقلّ إبقاءهم محايدين؛ والواضح أنّ هذا المسعى حظي بقدر من النجاح، بحيث ابتلعت الإمارات العربية السعودية والبحرين. لكنّها فشلت في فعل الشيء نفسه مع الكويت وسلطنَة عُمان. لم تكتف الإمارات بالتبشير بسياستها ضدّ الجارة قطر في محيطها القريب، وإنمّا نقلت العملية إلى عواصم غربية عبر مداخل إعلامية وأكاديمية المُراد بها ضرب منجزات هذا البلد، وتشويه صورته وصورة إعلامه ومواطنيه.
اليوم، تبدو لنا منطقة الخليج خليجين، تجمعهما الجغرافيا وتفرقهما السياسة. عصفت الأزمة بالحدّ الأدنى من التفاهمات الواجب وجودها لضمان استقرار المنطقة، واستقرار مواطني دول مجلس التعاون. وصل الشرخ إلى أعمق نقطة، يُمكنه أن يصل إليها، وهي ضرب استقلال العائلات والأسر، اللعب على أوتار القبلية، وكذا استهداف العائلة الحاكمة في دولة قطر. نجد من جهة مدرسة إماراتية تجمع السعودية الباحثة عن الانفتاح على طريقة أبوظبي، ودولة البحرين المثقلَة بمشكلاتها الداخلية، فيما نجد في الجهة الثانية دولَة قطر التي تحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى إحداث توازن داخل البيت الخليجي، سواء عبر كسب سلطنة عُمان والكويت، أو عبر المحافظة على حيادهما تجاه الأوضاع الراهنَة.
المثير للاهتمام في الخليج المُعاصر هو تحوّل العربية السعودية التدريجي نحو تابع للإمارات العربية المتحدّة. يبدو للمتتبع العادي أنّه من سوء حظ ملك السعودية القادم أنّه يُحاكي التجربة الإماراتية على نسخة أبوظبي، وليس إمارة دبي. إذا استمر الوضع هكذا، ستتورّط المملكة السعودية في نزاعات ومشكلات هي في منأى عنها، خصوصا في وضعها الاقتصادي الحالي. تُريد إمارة أبوظبي التعجيل في إيصال ولي العهد السعودي إلى كرسي المُلك، بغرض إعادة هندسة الرياض وفق الضوابط التي تُمليها الإمارات، عبر محاصرة أيّ معارض محتمل، في الداخل السعودي أو خارجه، تمهيداً لبناء شرق أوسط مستعد لاعتبار وجود إسرائيل أمرا طبيعيا، ودولة "جارة" يجب التعامل معها في إطار العلاقات الدولية العادية.
يُريد الفاعل الإماراتي إعادة هندسة الخليج العربي، والتأثير المفرط في توجهات المملكة العربية السعودية في جوّ هادئ، لا تظهر معه أيّ بوادر للمنافسة، أو النقد الذي تُرى المُؤسسات الإعلامية القطرية أنّها مصدره. يتبيّن لنا أنّ إسكات قطر وإضعافها كان غرضا إماراتياً، رأته شرطا مسبقا لنجاح أيّ ترتيبات إماراتية سعودية في المنطقة. لكنّ سرعة قطر في التجاوب مع الأزمة حرقت جميع بطاقات الخصوم، ودفعتهم نحو الانحسار في زاوية الفن المأجور والأغاني الفارغة من المحتوى. وفي ظلّ التعنت الحالي، يبدو حل الأزمة الخليجية الراهنة مربوطاً بفكّ الترابط الإماراتي السعودي؛ أو إيجاد خط داخلي موازٍ يجمع قطر والكويت وسلطنة عُمان.
مقالات أخرى
01 سبتمبر 2020
16 يوليو 2019
04 يوليو 2019