الخلافات السياسية تتعاظم في أفغانستان: "الجمعية الإسلامية" تخشى الإقصاء

14 يونيو 2017
قُتل 7 متظاهرين بتصدي الشرطة لتظاهرات نظمتها الجمعية(هارون صباوون/الأناضول)
+ الخط -
تعيش أفغانستان توتراً سياسياً، مدفوعاً برغبة أحزاب معارضة، وعلى وجه الخصوص الجمعية الإسلامية، بالضغط على الرئيس الأفغاني، أشرف غني، لتحقيق عدد من مطالبها السياسية. وقد عززت الأحزاب المعارضة من ضغوطها عبر التظاهرات ونصب خيام في جميع أرجاء العاصمة كابول ما أدى إلى عرقلة الحياة في العاصمة، وسط تحذيرات من أن المواطنين يدفعون ثمن الوضع الراهن، بعد أن كانوا، في الآونة الأخيرة، ضحية موجة عنف جديدة تستهدف جلها الأماكن العامة والاجتماعات الدينية.
ويتصدر وزير الخارجية الأفغاني، زعيم الجمعية الإسلامية، صلاح الدين رباني، جبهة المعارضة التي تضغط على الرئيس، إذ طالبه بإقالة مستشاره الأمني حنيف أتمر، وإجراء تغييرات في المنظومة الأمنية، مهدداً باتخاذ موقف حاسم حيال الحكومة قد يؤدي إلى إسقاطها حال رفض المطالب.

يوجه زعيم الجمعية الإسلامية انتقاداته الحادة للرئيس الأفغاني بذريعة أنه فشل في التصدي للملف الأمني، واستمرار قتل المدنيين العزل، وهو ما أدى إلى استيائه واستياء الجمعية وهي من أكبر الأحزب الجهادية إبان الغزو السوفييتي. لكن موقف رباني يثير استغراب الأفغان، لأن حمام الدم ليس وليد اليوم حتى يغضب لأجله رباني وقيادات الجمعية، ومعظمهم من أمراء الحرب والمتهمين بالفساد أو الضالعين في الحروب الأهلية. كما أن الجمعية نفسها كانت من أطراف الحرب الأهلية بعد هزيمة الروس.

وفي السياق، يرى المحلل السياسي، محمد إسماعيل، أن السبب الحقيقي من وراء الاحتجاجات واستياء رباني وأنصاره، الذين يهددون بإطاحة الحكومة، يتمثل في التغييرات نفسها التي يدعو إليها رباني وأنصاره في العلن، إذ إن الرئيس الأفغاني، من خلال إجراء التغييرات في المنظومة الأمنية، أقال عدداً كبيراً من قيادات وأنصار الجمعية. يضاف إلى ذلك تمكن الرئيس من إنجاح عملية المصالحة مع الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار، وهو الحزب المناهض للجمعية إبان الغزو السوفييتي وبعد دخول المجاهدين إلى كابول إثر سقوط حكومة نجيب الله. وهو ما أكده رباني في جزء من كلمته بقوله إن "الجمعية الإسلامية هي أحد أطراف الحكومة وهي كانت الداعمة الرئيسية لعبد الله عبد الله، الرئيس التنفيذي للحكومة في انتخابات 2013، لذا لها حق أن تشكل نصف الحكومة وأن تتولى نصف مناصبها".

ووفقاً لإسماعيل، فإن هذا الجزء من خطاب رباني يعكس السبب الحقيقي وراء الأزمة، لأن الرئيس الأفغاني، الذي يواجه ضغوطاً متزايدة دولياً وداخلياً بسبب الفساد المستشري في دوائر الحكومة، بحاجة إلى إجراء التغييرات ومحاسبة الضالعين في الفساد، وهو فعل ذلك، لكن عندما بدأ بقيادة الجمعية، أثار حفيظة رباني وأنصاره.

بداية المشكلة

لم تكن علاقة رباني والجمعية الإسلامية مع الرئيس الأفغاني مثالية منذ البداية. إذ إن الجمعية، وهي من الأحزاب المقربة من القوات الأميركية، كانت تتربع على مناصب سيادية في الحكومة قبل حكم أشرف غني، ومع مجيئه إلى سدة الحكم بدأ نفوذها يتراجع. بالتالي هي لم تكن راضية عن سياسته، خصوصاً أنها كانت تقول إنه يوجد في داخل الحكومة من يعمل ضدها، وإن الرئيس الأفغاني نفسه يعمل لتهميش دورها. كما ازداد قلقها بعد أن تمكن الرئيس من المصالحة مع الحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار.

ولم تكن الجمعية تتوقع أن يلقى حكمتيار هذا القدر من الاهتمام من الحكومة ولا أن يكون له أي دور في سياسة البلاد، لكن على عكس ذلك تماماً، استُقبل حكمتيار في القصر الرئاسي، وعقدت له الحكومة اجتماعات شعبية حاشدة. حينها تيقنت الجمعية من أن الحزب هو البديل، وأن الرئيس الأفغاني يعمل للتخلص منها. لذا بدأت تتحرك ضد الحكومة من الداخل ومن الخارج. في البداية حاولت أن تشكل تحالفاً مع نائب الرئيس الأفغاني، الجنرال عبد الرشيد دوستم، لكن الرئيس الأفغاني أحبط هذا المخطط، حينما أحال قضية نائب الرئيس إلى المحكمة على خلفية الاعتداء الجنسي على أحد زعماء العرقية الأوزبكية، ليجعل منصب نائب الرئيس عبد الرشيد دوستم شبه معلق، وهو لا يتحرك من منزله من دون إذن الحكومة.


كذلك أقال الرئيس الأفغاني أحد رموز الجمعية، وهو أحمد ضياء مسعود، من منصبه كمستشار له. وعلى الرغم من تهديدات مسعود وقيادات الجمعية المتكررة بأن عدم الرجوع عن القرار سيدفع البلاد إلى حرب جديدة، إلا أن الرئيس الأفغاني أصرّ على موقفه ولم يلق بالاً لتلك التهديدات بل استمر في إجراء التغييرات. وعيّن الكثير من الوجوه غير المعروفة في الدفاع والداخلية والاستخبارات على حساب أنصار الجمعية. وقد جعلت هذه التحولات قيادات الجمعية ترى أن الرئيس الأفغاني يريد القضاء على نفوذها بشكل كامل.

ذريعة الفشل في إحلال الأمن

في خضم الخلافات بين الرئيس الأفغاني والجمعية، شهدت العاصمة الأفغانية موجة أعمال عنف دموية، أبرزها كان الاعتداء الذي وقع في الحي الدبلوماسي وأدى إلى مقتل 150 شخصاً، جلهم مدنيون. وفي حين اتهمت الاستخبارات الأفغانية شبكة حقاني بتنفيذه بدعم مباشر من الاستخبارات الباكستانية، قالت قيادات الجمعية إن شخصيات من داخل الحكومة نفذت هذا الهجوم.
وبدعم نشطاء المجتمع المدني والمقالين من الحكومة، نظمت الجمعية تظاهرات وحراكاً شعبياً في العاصمة. التظاهرات التي شارك فيها الآلاف، كان يقودها قياديون في الجمعية، من بينهم مسعود، وتحركت صوب القصر الرئاسي. وعلى الأثر، اندلعت مواجهات شرسة بين الأمن والمتظاهرين، أدت إلى مقتل سبعة متظاهرين، منهم نجل نائب رئيس مجلس الشيوخ محمد عالم يزيديار، وهو القيادي في الجمعية.

وفي اليوم التالي وعند أداء صلاة الجنازة على نجل يزيديار، وقعت ثلاثة اعتداءات انتحارية أدت إلى مقتل 25 شخصاً. مرة أخرى اتهمت الاستخبارات الأفغانية، بعد اعتقال الانتحاري المفترض الرابع، قيادياً في طالبان يدعى الملا أحمد، الساكن في مدينة كويتا الباكستانية، بالتخطيط وبتنفيذ التفجيرات، لكن القياديين في الجمعية وأنصارها اتهموا شخصيات داخل الحكومة بتنفيذ الهجوم من دون أن يسموها. وقال حاكم إقليم بلخ، نائب رئيس الجمعية، محمد عطاء نور، إن "أناساً داخل الحكومة يقتلوننا بشكل ممنهج ونحن سنخطط للتعامل معهم".

وفي السياق، عقدت الجمعية اجتماعاً للقياديين فيها، خلص إلى المطالبة في مؤتمر صحافي بإقالة مستشار الرئيس الأفغاني للأمن القومي، محمد حنيف أتمر، وأن تمنح الجمعية نصف الحكومة باعتبارها شريكاً أساسياً في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. لكن الحكومة لم تحرك ساكناً إزاء هذه المطالب بل أصدرت الرئاسة بياناً أشادت فيه بدور أتمر، مشددة على أنه يقوم بواجباته إزء الوطن على أحسن وجه.

الأحزاب القومية تنضم إلى المعارضة

لم تكن الجمعية وحدها وراء المساعي لإسقاط الحكومة بل شاركتها في الهدف نفسه الأحزاب القومية، لا سيما التي رفعت لواء الدفاع عن العرقية الطاجيكية. وكان زعيم حزب الستم، القومي الفارسي، عبد اللطيف بدرام، من الوجوه التي قادت الاحتجاجات. وقال بدرام، في أحد خطاباته، إننا نغير تاريخ أفغانستان المستمر منذ ثلاثة قرون، حيث تحكم العرقية البشتونية. لكن بظهور بدرام ترك مئات المتظاهرين الميدان، معتبرين أن الاحتجاجات لن تصب في مصلحة البلاد.

كذلك وقف وزير المالية في حكومة حميد قرضاي السابقة، زعيم حزب أفغان ملت القومي البشتوني، أنوار الحق أحدي، ضد الرئيس الأفغاني وانتقد جميع مساعيه حتى مؤتمر المصالحة الذي انعقد أخيراً في كابول، والذي شارك فيه مندوبو أكثر من عشرين دولة. وقال إن الحكومة فشلت في جميع النواحي ونحن ندعو إلى إقالة الرئيس بشكل فوري.

الرئيس التنفيذي يخيّب الآمال

كانت الجمعية الإسلامية تأمل بأن يلبي الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله، وهو قيادي مهم في الجمعية مطالبها. وعينت لجنة بقيادة أمن الله كزر للتواصل معه، لكنه لم يتجاوب معها. وشدد، بحسب التسريبات، على أن إسقاط الحكومة والمساس بالقضايا الوطنية لن يصبّ في مصلحة البلاد، وأن أعداء البلاد يستفيدون من كل ما يجري اليوم من أعمال العنف ومن الحراك المناهض للحكومة.
وبينما شددت الجمعية على مطلبها بتنحي الرئيس أو إقالة مستشاره حنيف أتمر، أكد عبد الله على ضرورة بذل الجهود المشتركة لأجل إخراج البلاد من المأزق.