الحيّانية... مدينة النفط والفقر نواة احتجاجات البصرة

04 فبراير 2020
تعتبر الحيّانية العمود الفقري للحراك (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -
بعد كل موجة عنف يواجهها المتظاهرون في محافظة البصرة، أقصى الجنوب العراقي، لا بد أن يكون في الحيّانية مجلس عزاء أو عدة مجالس، والأمر نفسه ينسحب على حملات الاعتقالات التي دأبت عليها السلطات العراقية، والتي تستهدف الناشطين العراقيين في التظاهرات. مدينة الحيّانية، أو "حي الحسين"، هو الاسم الذي أطلق أخيراً على المدينة الأكثر فقراً في محافظة البصرة، وأعلاها في تصدير الشبان المشاركين في التظاهرات منذ نحو أربعة أشهر وما زالت، لكن الحيّانية هو الاسم الشائع لها في البصرة، على الرغم من اعتماد تسمية المنطقة بـ"حي الحسين"، منذ سنوات.

مدينة الحيّانية، التي تتربع على مخزونٍ نفطي هائل يفوق الموجود في مناطق البصرة الأخرى، وفقاً لعمليات التنقيب الأخيرة فيها، تُعتبر نواة التظاهرات في هذه المحافظة، ما جعلها تلقّب بـ"مصنع المنتفضين". كما تتصدر مدن البصرة في كونها أعلاها في نسبة النكبات التي تطاولها، لا سيما في عدد الضحايا من أبنائها الذين سقطوا خلال التظاهرات. 

وتقع الحيّانية إلى الغرب من مركز البصرة، وتُعتبر من المناطق الشعبية والكبيرة، وتعود تسميتها بالحيّانية نسبة إلى محمد مطر الحياني، متصرف لواء البصرة إبان العهد الملكي، ومن سكان محافظة صلاح الدين حيث تقطن عشيرة الحيّانيين، الذي أمر بإزالة البيوت الطينية وتلك المبنية من القصب والطوب، والمحاذية لشطّ العرب، وبتوزيع قطع أراضٍ رسمية للسكن لأصحاب تلك الصرائف، ومنحهم مبالغ مالية من دون فوائد لبناء منازل حديثة بهم. هذا الأمر أدى إلى توسع المنطقة العشوائية، وانتقالها مع نهاية ستينيات القرن الماضي، إلى مدينة حضرية كباقي مدن البصرة، وسهّل إيجاد وظائف لسُكّانها في شركة التمور العراقية، إحدى أبرز الشركات العراقية آنذاك، المتخصصة في التصدير للخارج. وتكريماً لمحمد مطر الحيّاني، أطلق على المدينة اسم الحيّانية.

ويبلغ عدد سكان الحيّانية اليوم نحو مليون نسمة، وتعد من مدن البصرة الفقيرة أو الأكثر فقراً، ويمتهن أبناؤها في العادة أعمال البناء وتجارة التجزئة وغيرها من الأشغال ذات الأجر اليومي. أما تكوين سكانها المذهبي، فغالبيتهم من العرب الشيعة إلى جانب بعض السنة، علماً أنها لم تشهد أي توتر طائفي بخلاف ما حصل في مناطق أخرى من البصرة.



وليس بروز اسم الحيّانية جديداً، إذ تعرف المدينة جيداً منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ أن شهدت مواجهات عنيفة بين سكانها وبين القوات البريطانية والأميركية لدى احتلالها العراق في عام 2003. حينها، قام أبناء الحيّانية بجمع أسلحة الجيش العراقي السابق، واستخدموها ضد الأرتال الأميركية التي عبرت أم قصر، أو تلك التي سلكت طريق حفر الباطن مع السعودية، ضمن خطة احتلال البصرة، في أول أيام الاحتلال.

وظلّت الحيّانية تعيش مواجهات مع القوات الأجنبية، قبل أن يتم عزلها بكتل إسمنتية، وتوحيد مدخلها ومخرجها، لتسهيل تفتيش الجميع الوافدين أو المغادرين لها، وهي خطة لم تقتصر على الحيّانية وحدها في العراق خلال السنوات الأولى للغزو الأميركي. كما تعتبر المدينة أكثر مدن البصرة التي شهدت عمليات إنزال للقوات الأميركية والبريطانية بين العامين 2004 و2007 بحثاً عن المهاجمين. ولم يطل الوقت حتى دخلت الحيّانية في مواجهات مع حكومة نوري المالكي، التي يقول أهلها إنه تعمّد إهمالها وعدم شمولها بالخدمات، كون أغلب شبّانها متأثرين بحركة رجل الدين العراقي مقتدى الصدر (التيار الصدري)، الذي يناصب المالكي له عداءً لا يزال متواصلاً حتى الآن.

وفي عام 2018، انطلقت أولى شرارات تظاهرات البصرة التي خرجت ضد الفساد وتردي الخدمات، من الحيّانية، وسجل مقتل وإصابة العشرات من شبانها خلال المواجهات مع قوات الأمن التي استخدمت الذخيرة الحيّة أيضاً حينها، على غرار ما تفعله اليوم.

ويوضح رئيس مجلس عشائر البصرة، الشيخ رائد الفريجي، لـ"العربي الجديد"، أن الحيّانية "هي من أكبر مناطق البصرة مساحة، وأكثرها تعرضاً للظلم على مرّ العقود الماضية"، لافتاً إلى أنها "من أوائل المناطق العراقية التي انتفضت في وجه نظام البعث (صدام حسين) عام 1991، مقدمةً عدداً كبيراً من الضحايا، كما تعرضت إلى عمليات قصف". ولا ينسى الفريجي الإشارة إلى أنه "في الحيّانية، أوجدت ساحة إعدام علنية خاصة بالشباب المنتفضين ضد البعث في وقتها".

ويتابع رئيس مجلس عشائر البصرة، أنه "بعد احتلال العراق، تعد الحيّانية أول منطقة في البصرة، وربما في الجنوب العراقي، التي خرجت رافعة السلاح ضد الاحتلال، ما أسقط من أبنائها عدداً كبيراً من الشهداء، كما ساهمت بدور كبير في الحرب ضد الإرهاب وداعش، وقدمت الكثير من الشهداء في ساحات القتال وتحرير الأراضي العراقية". وفي المقلب الآخر، يضيف الفريجي، أن الحيّانية شكلّت المضخة للتظاهرات الشعبية في المنطقة طيلة السنوات الماضية، بعدما كانت من أولى المدن التي خرجت وتظاهرت ضد سوء الخدمات والكهرباء". وبحسب رأيه، فإن للحيّانية اليوم "الثقل الأكبر في الاحتجاجات الشعبية في البصرة، وحضوراً في ساحة التحرير في بغداد، وقدم شبابها قوافل جديدة من الشهداء والجرحى خلال ثورة أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزالون".

وفي إشارة إلى ممارسة السلطة المجحفة بحق المدينة، وهو ما يسري فعلياً على غالبية المدن العراقية، خصوصاً في الجنوب، يلفت الفريجي إلى أن "الجهات السياسية دأبت على استغلال فقر وبساطة أهالي الحيّانية، في موعد كل انتخابات محلية أو برلمانية، إذ يسارعون إلى زيارة المنطقة والتصارع لكسب أصوات أبنائها، لما يشكلونه من خزّان انتخابي مهم، لكن حال المدينة يبقى هو ذاته بعد الانتخابات كما قبلها، مهملة، وبلا خدمات، ومحرومة من أي التفاتة حكومية". وفي هذا السياق، يشير الفريجي إلى أن منطقة الحيّانية "كان لها الثقل الأكبر في فوز أغلب نواب محافظة البصرة، كما لها الثقل في التمثيل في مجلس المحافظة، والمناصب العليا في الحكومة المحلية، لكن الجميع يستغل أصوات أهلها، من دون أن يقدم أي خدمة حقيقية لهم، ولهذا فهي اليوم باتت تشكل نواة الانتفاضات في البصرة على مختلف الأصعدة والنواحي".

ويؤكد الناشط المدني في محافظة البصرة علي سمير، لـ"العربي الجديد"، "تواجد شباب منطقة الحيّانية، منذ انطلاق ثورة أكتوبر ولغاية اليوم، في جميع التظاهرات"، وعلى "دورهم الكبير في صمود شباب البصرة، على الرغم من عمليات القتل والقمع التي يتعرضون لها منذ انطلاق الثورة". ويضيف سمير أن "شباب الحيّانية تشهد لهم جميع تظاهرات البصرة طوال السنوات السابقة، فلهم الثقل الأكبر والمهم في الحراك الشعبي، فضلاً عما قدموا وما زالوا يقدمون من شهداء وجرحى". ويشدد الناشط العراقي بدوره على اعتبار الحيّانية "من أكثر مناطق البصرة ظلماً على الرغم من أنها أكبرها، وهذا قد يرجع إلى كونها العمود الفقري لكل ثورة ولكل انتفاضة بصْرية طوال السنوات الماضية إلى اليوم".