الحياة قصيرة

04 يناير 2019
إحدى متع الحياة (كارل كورت/ Getty)
+ الخط -


أين المشكلة؟ لسنا قادرين على ضبط وقتٍ أو إيقاعٍ أو أي شيء. ثمّ تردّد ما يردّده الجميع: "الحياه قصيرة". هي قصيرة وسريعة في آن. ولشدّة سرعتها، لا ننتبه إلى المكان الذي وصلنا إليه. ثمّ نسمع أصواتاً تصدح مع بعضها البعض، معلنة أن الحياة قصيرة. وهذه العبارة لا تتطلّب منّا أن نتغيّر، بقدر ما تساعدنا على التعامل مع الحياة بخفّة. وفي كلّ مرة، قد نكرّر: "ما هو الأمر الأسوأ الذي قد يصيبنا؟ لا شيء". ففي كلّ مرة، سنقنع أنفسنا أننا وصلنا إلى القمة، وكأنّنا بذلك تستعد إلى كلّ الأحداث، مهما بدت قاسية.

والحياة القصيرة تُعادل أن نعيش اللحظات والأيام، وألّا نفكّر كثيراً في الأيام المقبلة. ماذا يمكن أن يحدث بعد؟ الأسوأ لم يعد حدثاً مفاجئاً وقد بات جزءاً من يومياتنا، وهذا مفيد لنقول إن أجسامنا باتت أكثر قدرة على تحمّل المصاعب والصدمات. الأشخاص الذين وثقنا بهم على مدى أيام كثيرة فاقت ثقتنا في أنفسنا، باتوا يتصيّدون الوقت المناسب لأذيتنا.

لكنّ الحياة قصيرة. وربّما لن نرى الكثير منها. ما من شلالات وأقواس قزح تأخذنا إلى أرض تسمح لنا بأن نطير كبشر. ليس هناك متّسع من الوقت لكلّ شيء. سنركض خلف الكثير من الأشياء قبل أن نلاحظ خصلات بيضاء تضيء شعرنا الداكن. وكنّا نظن أنّ اللون الداكن والواحد قادر على حمايتنا من ضياع الوقت، وضياع أنفسنا.

لكنّه، أي الوقت، يمرّ سريعاً، ويتركنا وحيدين في تلك اللحظات التي نجلس لنحسب فيها كم اللحظات التي خانتنا، وهي عمر بحد ذاته، كان ليصنع منّا أشخاصاً مختلفين عما نحن عليه اليوم.



وكلّ ما سبق يشبه تلك النصائح المعدودات التي يوردها أصحاب الكتب الأكثر مبيعاً لتحقيق السعادة والراحة والإيجابية وغيرها من المشاعر واللحظات الجيدة. معادلة حسابية تقينا شرّ الحياة، وشرّ الضياع، وشر الخصلات البيضاء إذا لم تعرف خصلاتنا الداكنة نور الشمس، وإذا لم يمرّ فوقها قوس قزح.

الحياة قصيرة، ولا تكفي لنتعرف على أنفسنا. فما بالكم بالآخرين؟ ليست حكيمة، لكنّها بدت مثلهم حين قالت إن التجارب الكثيرة تعلّم الإنسان التقليل من وطأة الأحداث، والتعامل مع الخوف بدلاً من قمعه وادعاء القوة. الحياة قصيرة حتى نخاف تفاصيلها، وقصيرة حتى نخبّئ مخاوفنا. هي حقيقتنا التي ترسم أحداثاً في حياتنا إلى جانب الأقدار. وإن كنّا جميعاً ندرك تلك الحقيقة، ونحكي عن أهمية اللحظات، إلا أننا لن نعرف السير إلى جانب الحياة. فإما أن تسحقنا، وإما أن نعترف بفشلنا، ونبكي على عمر ضاع كلّما مرت بضع سنوات، وطغى الشعر الأبيض على الأسود.

المساهمون