الحوار الوطني في السودان: تمخض الجبل...

07 اغسطس 2014

الترابي ضيف البشير... حوار متجدد (مايو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

هل انتهى مشروع الحوار الوطني في السودان إلى الفشل؟ سؤال مشروع ومطروح بشدة، وقد تتعدد إجاباته سلباً وإيجاباً. لكن، من الصعب على الذين يقولون إنه حي وموجود أن يقولوا ذلك بصوت مملوء بالثقة، فالواقع يقول إنه تقزم كثيراً، وإنه إن تم قد يتحول إلى اتفاق ثنائي بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بقيادة المشير عمر البشير، وحليفه/ خصمه السابق، المؤتمر الشعبي بقيادة الشيخ الدكتور حسن الترابي. والمؤتمر الشعبي نفسه هو انقسام من المؤتمر الوطني، خرج من رحمه بعد الخلاف الكبير الذي شق النظام السوداني عام 1999، فخرج مرشد النظام الشيخ الترابي مغاضباً، ليشكل حزبه الخاص، وإن عاد، الآن، ليكون جزءاً من النظام، فسيشكل هذا الأمر عودة بعقارب الساعة خمسة عشر عاما إلى الوراء، أكثر من كونه خطوة إلى الأمام.

حينما طرح الرئيس عمر البشير دعوته إلى الحوار الوطني، في يناير/كانون الثاني الماضي، بدا الأمر وكأن مرحلة جديدة من عمر السودان في طريقها إلى الظهور، فالدعوة كانت موجهة لكل القوى السياسية بلا استثناء، وفي مقدمتها القوى المعارضة بالطبع، والحركات المسلحة في إقليم دارفور والحركة الشعبية/شمال التي تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وأجندة الحوار، كما أوحى الخطاب الغامض، قد تشمل كل القضايا المطروحة في الساحة: الوضع السياسي، الاقتصاد، الهوية، الحرب والسلام. وقد استقبلت الأطراف الداخلية الدعوة بشيء من الشكوك والترقب، بسبب انعدام الثقة وجو الارتياب والاحتقان السياسي الحاد في البلاد، إلا أن القوى الخارجية، بما فيها الدول الغربية ومؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، كانت الأكثر حماساً وتفاؤلاً. بل أكثر من ذلك، فقد تولت سفارات الدول الغربية وممثلو المجتمع الدولي في السودان ترويج الدعوة، وممارسة الضغوط على المعارضة المتجمعة في تحالف قوى الإجماع الوطني والحركات المسلحة للانخراط فيه.

وأبدى الحزبان التقليديان في البلاد، الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي، والاتحادي الديمقراطي، بزعامة محمد عثمان الميرغني، تجاوباً واضحاً مع الدعوة، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي، بقيادة الدكتور حسن الترابي. في حين تمسكت قوى المعارضة الأخرى، في قوى الإجماع والحركات المسلحة، بضرورة اتخاذ الحكومة خطوات عملية لتهيئة الأجواء للحوار، بإطلاق الحريات العامة والمعتقلين السياسيين، وتجميد بعض القوانين وإصلاحها. وشاركت أحزاب الأمة والاتحادي والشعبي في الجلسات التمهيدية للحوار، في حين قاطعتها أحزاب قوى الإجماع الوطني التي تغلب عليها الصبغة اليسارية.

وقد اتخذت الحكومة خطواتٍ تمهيدية أتاحت مساحةً معقولةً لحركة القوى السياسية وحرية الإعلام، لكنها سرعان ما تراجعت عنها، وعادت عمليات مصادرة الصحف وإيقافها، وتصاعد الأمر لينتهي باعتقال الصادق المهدي ورئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم

الشيخ، لانتقادهما قوات الدعم السريع التي شكلتها الحكومة من ميليشيات قبلية في دارفور، وضمتها للقوات النظامية. وتم إطلاق سراح الصادق المهدي، بعد تدخل وساطات كثيرة، فيما لا يزال إبراهيم الشيخ وقيادات من حزبه رهن الاعتقال.

وخرج الصادق المهدي من الاعتقال، لكنه أخرج حزبه من عملية الحوار، ولم يعد إليه، وتمور أوساط الحزب الاتحادي الديمقراطي بمعارضة واسعة لمواقف الحزب، وممثله في الحوار، الوزير أحمد سعد عمر، بل يجهر بعضها أن الرجل لا يمثل الحزب، ويمثل المؤتمر الوطني الحاكم. وحده المؤتمر الشعبي ما زال متحمساً للحوار، ورافعا راياته، بل ظهر في بعض الأحيان وكأنه المبادر به، لا "المؤتمر الوطني".

لكن، حتى الأحزاب التي أصرت على مواصلة الحوار، ومعظمها ذات جذور إسلامية، وبعضها، أيضاً، انشقاقات سابقة من "المؤتمر الوطني"، مثل الإصلاح الآن بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين، ومنبر السلام العادل، بزعامة الطيب مصطفى، بدأت في التمرد. وعقدت مجموعة الأحزاب المشاركة في الحوار مؤتمراً صحافياً، قبل يومين، أبدت فيه مواقف متشددة، ودفعت بشروط للمشاركة في الحوار، منها المطالبة بتشكيل حكومة انتقالية، لتنفيذ مقررات الحوار، وقررت تشكيل تحالف أسمته "تحالف القوى الوطنية"، كما انتقدت تمرير الحكومة قانون الانتخابات في البرلمان، قبل الدفع به لمائدة الحوار. وحده "المؤتمر الشعبي" انسحب من هذا التحالف، وقاطع المؤتمر الصحفي، منتقداً وضع شروط للحوار، والجهر بالخلافات مع "المؤتمر الوطني" في الإعلام. كما فتر حماس القوى الدولية، وتوقفت ضغوطها على المعارضة، وبدأت في انتقاد الحكومة وحزبها، واتهامهما بعدم الجدية وإضاعة الفرصة.
وهكذا انتهى الحوار، حتى الآن، إلى طرفين جاهزين، هما المؤتمر الوطني الحاكم وخصمه/ حليفه المؤتمر الشعبي، وبقية أحزاب صغيرة، تشكل كورساً للحوار، من دون أن تؤثر فيه، أو في مجرياته.

ويبقى أمام "المؤتمر الوطني" خياران، أحلاهما مر، الاعتراف بأن صورة الحوار الوطني الحالية ليست في مستوى الصورة المتوقعة، ما يعني ضرورة إعادة حساباته من جديد، واتخاذ خطوات لكسب الثقة، وجذب أطراف أخرى للحوار، أو المضي في الحوار بمن حضر، ما يعني توسيع دائرة تحالفاته قليلاً، بمن ينضم للحوار. لكن، ستظل قضايا السودان ومشكلاته معلقة، حتى فرصة أخرى، قد تقصر وقد تطول.

E69D475A-C646-467F-AF79-E645475CAAF5
فيصل محمد صالح

كاتب وصحفي سوداني، ومحاضر جامعي. يعمل مديرا لمركز طيبة برس للخدمات الإعلامية، وكانب عمود يومي في صحيفة الخرطوم. حاصل على الماجستير من جامعة كارديف. تولى رئاسة تحرير صحيفة الأضواء. حاصل على جائزة بيتر ماكلر الأميركية للنزاهة والشجاعة الصحفية.