الحوار الليبي والوسيط الأممي
سُئلت، في إحدى الحوارات المباشرة، عن موقف مبعوث الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، برناردينو ليون، وانحيازه لطرف دون آخر في الحوار القائم في البلاد، فكانت إجابتي إنه يدور في مرحلة "المداهنة".
كانت هذه الإجابة من باب دفع الحوار الليبي إلى الأمام، وإزالة العقبات التي قد تكون بسيطة، في سبيل إنجاح الحوار، وإنهاء حالة الفوضى وحقن دماء الليبيين، والسير بالبلاد إلى بر الأمان، غير أن إجابتي ألحقتها بتوصيف "المداهنة المَيالةُ"، لأوضح الحقيقة التي أراها، وابتعد عن كلمة "الانحياز"، من أجل نجاح الحوار أولاً، وألا يكون قولنا من غير حجة وبرهان ثانياً، على الرغم من مؤشرات يراها بعضهم انحيازاً كاملاً لطرف دون الآخر من المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، برناردينو ليون، ولا تحتاج إلى مزيد من البرهان والدليل، حتى نطلق عليه عدم الانحياز صراحة، وليس تردداً. ولكن، في نظري أن المبعوث ينقصه الكثير، حتى يكون في موقف "الحياد"، خصوصاً في الإشكاليات الآتية:
1- تعطيل الحوار من طرف واحد أكثر من مرة، ولم يصدر من المبعوث الأممي أية تبريرات لهذا التعطيل، على الرغم من مخاطبة الطرف الآخر له لتقديم هذه التبريرات.
2- المصداقية في الحوار، ونقل الأفكار والآراء بين الطرفين (حكومة طبرق والمؤتمر العام)، ومن هذا: ما كان من رده على مبادرة المؤتمر الوطني العام بالرفض، في إحدى جولات الحوار، قبل أن يعرضها على الطرف الآخر من إعطاء البرلمان المنحل، كما صرح بهذا رئيس الفريق المحاور من المؤتمر الوطني العام، وفي هذا خلل كبير.
3- تدابير بناء الثقة المعطلة، والتي بدأ بها الحوار، حيث لم نر أية بند منها حقق، وخصوصاً تلك المقدور عليها بداهة، في تحييد المطارات من القصف مثلاً، وهذا ما تعرض له فريق المؤتمر الوطني العام، أكثر من مرة، عند مغادرتهم إلى الحوار الذي يرعاه، ليضعه في موضع عدم القدرة على تسيير هذا الحوار من جهة، أو أن جُلّ همه من الحوار فرض نقاط معينة، أكثر من كونه يبحث عن حل شامل للأزمة برمتها من الجهة الأخرى.
تضع هذه الإشكاليات وغيرها، تساؤلات عديدة في إمكانية سير المبعوث الأممي الحالي بالحوار الليبي إلى الطريق الصحيح، والوصول إلى مبدأ اتفاق، قبل أن يكون نهائياً في ظل جمود الحوار أكثر من مرة، من دون تبريرات معتبرة، وكذلك التصعيد العسكري المستمر، ليصل إلى الانقسام المؤسساتي الاقتصادي الخطير، وآخرها ما كان من حكومة البرلمان المنحل بإنشاء مؤسسة وطنية للنفط من دون محاولة من المبعوث إدانة هذا الانقسام، أو إيقافه بالطرق الدبلوماسية مع الدول المجاورة والداعمة لمبدأ الحل السياسي على أقل تقدير، والتضييق من دائرة الانقسام في سبيل إنجاح الحوار، غير أن البعثة أصدرت بياناً، أخيراً، تدين التصعيد الخطير بين الطرفين، وألحقته بالدعوة إلى صون حياد المؤسسات الوطنية، على حسب وصفها، وفي إشارة منها إلى إنشاء حكومة البرلمان المنحل مؤسسة نفطية، موازية لتلك الشرعية الموجودة في طرابلس، إذ يرى كثيرون هذا البيان ناقصاً، ما لم يترجم إلى خطوات عملية، تحد من الانقسام فيها، وفي غيرها، باعتبار أن لهذه المؤسسات أهمية حيوية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الليبي، وبالنسبة أيضاً لطرفي الحوار في ليبيا، كما هو ملاحظ من ردة عملية الشروق على هذا الانقسام أخيراً، وهذا حق لهم.
وتعتبر عملية الشروق أن الطرف الآخر بهذا الانقسام لم يحترم التهدئة المتفق عليها، أولاً، وتعتبر أيضاً أن المساس بهذه الثروة الاقتصادية إضرار بالوطن، قبل أن يكون خرقاً للتهدئة المتفق عليها ثانياً، برعاية بعثة الأمم المتحدة نفسها، من أجل حل مشكلة الموانئ النفطية، والتي لم تعلق صراحة على هذا الخرق، إلى الآن، ما يجعل الشكوك تدور حول الغاية من هذه التهدئة من أصلها.
وبالنقيض، تعتبر عملية الشروق، التابعة للمؤتمر الوطني العام، بيع النفط خارج الشرعية المتمثلة في المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس، ساعة الصفر لعملية عسكرية وصفت بالحاسمة لتحرير هذه الموانئ.
هذا الوضع بقدر ما يشير إلى خطورة الانقسام الاقتصادي والمؤسساتي على مقتضيات الحوار الليبي بقدر ما يؤكد على أن الاستمرار في المساس بمقدرات الثروة الوطنية سيزيد من تعقيد الأزمة الليبية، وسينتهي بتدمير كاسح لملامح الدولة المستقبلية، والتي ستجد الأطراف المشاركة في الحوار، إن توصلت إلى اتفاقات نهائية، طريقا شاقا من جل بنائها وإعادة وضعها على السكة الصحيحة.
لقد بدى أن المبعوث الأممي برناردينو ليون يراوح المكان، ولم يتقدم، كما كان مأمولاً، في تحقيق ما يصبو إليه، على ضوء اللقاءات التي أجريت حتى الآن. وبدى واضحا الصعوبات التي تواجهه، والتي شلت من قدرته على فرض خطته التفاوضية والإقناع بها، ولما لا الدفع في اتجاه فرض ملامحها على الجهات المترددة أو المتلاعبة.
وفي ظل هذه التجاذبات، العسكرية قبل السياسية، لم يقدم المبعوث الأممي، برناردينو ليون، شيئا ملموساً يتجه بالحوار إلى الطرق السليمة، والمقومات الناجحة له، ما يجعل المراقب لعمل البعثة ورئيسها في ليبيا تحت خانة "عدم القدرة" في الالتزام بما اقترحته، قبل أن يقترحه الطرفان المتحاوران، وهذا من قبيل حسن النية، وإلا فإن هناك من يَدفع إلى القول إنه أسلوب مُتعمد من طرف معين في الصراع، والبعثة ورئيسها يغضون عنه الطرف، أكثر من مرة.
ومن هنا، نشأ القول إن رئيس البعثة الأممية، اليوم، يظهر في وضع العجز أكثر من قبل، وأن البعثة لابد من تصحيح مسارها حتى تستطيع مواكبة التغيرات المتجددة والمتسارعة في سبيل إنجاح الحوار.