الحملة الإعلامية الأنجح

16 ديسمبر 2014
كأنّ جزيرة لامبيدوزا الإيطاليّة باتت فجأة جنة (فرانس برس)
+ الخط -

على حين غرة ثورات عربية، وما تبعها من حروب وانقلابات وداعش وتحالف دولي، لم نعد نسمع إلاّ لماماً بقراصنة في المحيط الهندي. ولم تعد الصومال، وما يجري فيها من صراعات مسلحة وعمليات سياسية ومجاعات، تشغل بال أحد.

وبعد شهور متواصلة من التغطية الإعلامية المكثفة، لم تعد سفينة مهاجرين أفارقة تصل إلى السواحل الأوروبية إلاّ بالكاد. فكأنّ جزيرة لامبيدوزا الإيطالية باتت فجأة جنة أرضية لا تُسمع منها استغاثة، ولا تصدر عنها شكوى.

يقفز خبر "إيبولا" بين حين وحين. ويغيب في كثير من الأحيان. تهاجر أخبار الإنفلونزا على أنواعها، خنازير وطيور، وتحطّ بعدها في بلد ما، بشكل مفاجئ.

تغطي القضايا على بعضها بعضاً، ويلملم الإعلام العربي شتاته بين سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن وفلسطين. يقفز خبر إلى الواجهة أحياناً. يحتل بعض المساحة. لكنّه إذا كان من بلد من خارج "جدول التغطية"، فإنّه يفقد أهميته بسرعة قياسية، مع أنّ الخبر نفسه لو كان في بلد آخر، أو في البلد نفسه لكن في زمن آخر، لقامت القيامة من أجله، ولحظي بالنقاشات والتحليلات وإجراء المقابلات، ولاتُخذ قضية في برامج التوك شو. وتأسست حملة دعائية له.

يسافر الإعلام العالمي، ويحط بأكمله في فلك محدد بحسب الأجندة. ويتفاعل المتلقي مع الأجندة تلك، ويقولب اهتماماته في الغالب وفق التوجهات السائدة. قد يسأل أحياناً عن مواد معينة، ويتوجه من تلقاء نفسه إلى مصادر تغطيها. ومع ذلك تبقى نسبة الباحثين عن خبر وسط الكم الهائل من التلقي المباشر عبر التلفزيون، والهواتف الذكية، والجرائد التي يدمنها، صغيرة جداً، وهو تلقٍّ تنساق معه رؤوس السلطة والمعارضة كجمهور كرة مضرب.

بدوره، يتيقظ الإعلام العربي، ويتحفز ويشحذ ميكروفوناته وأقلامه، ويمضي إلى الميدان. يلتحف رايات الثورة الحمراء حيناً. ويتصلّب كتصلّب الحكام المتألهين فوق كراسيهم في أكثر الأحيان.

تنسحب التغطية على كلّ القضايا، من السياسية إلى الإجتماعية. فتجد فجأة حملة في بلد ما على سلامة الغذاء أو التعليم أو اللجوء أو البنى التحتية. حملات تكاد تبكي السماء من هول "المهنية والشفافية" التي يتمتع بها القائمون عليها. وهي في نهاية المطاف ليست سوى جزء بسيط من قرار التغطية. وتتخذ التغطية هنا معنيين، تغطية شيء من أجل التغطية على شيء آخر.

يتحول الموضوع إلى مجرد تفصيل تنقله الوسائل بتنوع أدواتها وقدراتها. أما الشعوب فهي مجرد قوالب جاهزة بحسب الطلب، لملء المساحات المحددة الفارغة في الخطط الاستراتيجية–الإعلامية، المغلفة بطابع المهنية.
المساهمون