الحملة الأمنية ضد الجماعات المحظورة في باكستان: دوافع ونتائج

17 مارس 2019
من آثار الاشتباكات في كشمير (تاوسف مصطفى/فرانس برس)
+ الخط -
غالباً ما كانت الجماعات المحظورة في باكستان محط جدل بين الأطراف الباكستانية المختلفة، وتسبّبت في ارتفاع وتيرة الضغوط الدولية على إسلام آباد، بسبب نشاطها في المنطقة، إلى درجة اتهام بعض دول الجوار لباكستان بأنها تحافظ على تلك الجماعات وتوفّر لها المخابئ الأمنية من أجل المحافظة على مصالحها والأبعاد الاستراتيجية لها. وعلى الرغم من الوعود المتكررة للحكومات الباكستانية المتعاقبة بالقضاء عليها واستئصال جذورها، إلا أن نشاط تلك الجماعات ما زال مستمراً. وشكّل اعتداء نفذته جماعة "جيش محمد" المتمركزة في القسم الباكستاني من إقليم كشمير، المتنازع عليه بين الهند وباكستان، محطة أساسية في مسار عمل تلك الجماعات. ففي 14 فبراير/ شباط الماضي، استهدفت الجماعة بانفجار انتحاري، دورية للجيش الهندي في القسم الهندي من كشمير، فقُتل 44 جندياً. ارتفعت حدّة التوتر بين الهند وباكستان، وأُسر طيار هندي، كما أُغلقت أجواء البلدين أمام الملاحة الجوية، وكاد الأمر أن يتطور إلى حرب ضروس، بفعل التوترات المتزايدة، غير أن الأمر بدأ يهدأ، إثر إعلان إسلام آباد عزمها على مكافحة الجماعات المحظورة، وأطلقت في هذا الصدد حملة أمنية ضدها.

تحركت القوى الأمنية الباكستانية باتجاه تلك الجماعات، لكنها لم تُقدم على شيء حيال زعيم الجماعة، مسعود أظهر، على الرغم من تأكيد المتحدث باسم الجيش، أصف غفور، أن "الإدارات المعنية تبحث قضية الرجل"، التي باتت من أهم قضايا الهند، بسبب اتهام الجماعة بتفجير 14 فبراير. مع ذلك، فإن باكستان ألقت القبض على حمزة أظهر، نجل مسعود، وعلى المفتي عبد الشفيع، شقيق مسعود، فضلاً عن اعتقال عشرات آخرين من عناصر "جيش محمد" وأعضاء وعناصر جماعة "الدعوة" بقيادة حافظ سعيد، الناشطة "إنسانياً" في كشمير، رغم اعتبار الهند أنها "تنشط عسكرياً". ولم تكتفِ باكستان باعتقال القيادات والعناصر في الجماعات المحظورة ومنهم المطلوبون للهند، بل امتدت الحملة إلى المدارس والمساجد والمستشفيات والمكاتب التابعة لـ"جيش محمد" و"جماعة الدعوة".

ومواكبة للمسار الأمني، أكد رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أن "الحملة مستمرة"، مضيفاً في خطاب له في مدينة كراتشي، أن "الحملة ستستمر ضد كل من يعبث بأمن المنطقة، لأن من سياسة حكومتنا القضاء على كل من يهدد أمن الداخل والخارج. كما أننا لن نسمح لأحد باستخدام أراضي باكستان ضد أي دولة مجاورة أو غير مجاورة". ولفت إلى أن "الخطوة لم تأت نتيجة أي تهديد أو ضغط خارجي، بل هي في إطار مصلحة البلاد بناءً على طلب الشعب والأحزاب السياسية".

بدوره، اعتبر وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، أن "جميع الخطط الأمنية تأتي في إطار المصالح القومية وسعياً لاستئصال جذور كل جماعة تتربص بأمن بلادنا والمنطقة". وأضاف في تصريحات له، أثناء وجوده في مدينة ملتان، قبل أيام، أن "جيران باكستان يتهمونها من دون تحقيق، ومنهم الهند وإيران وأفغانستان والصين". ومع أن قرشي وصف تلك الاتهامات بـ"العارية من الصحة"، غير أن مجرد وجود تلك الجماعات، وهي متهمة بالنشاط العسكري، في باكستان تضعف موقف إسلام آباد، وتضر بعلاقتها مع كل تلك الدول.

ولم تقنع الخطوة وغيرها من المساعي التي وصفها أكثر من مسؤول باكستاني بأنها "ريادية وقاضية على كل من يعبث بأمن المنطقة ويشكل تهديداً لأمن المنطقة، لا سيما البلد المجاور"، الهند. وسبق لوزارة الخارجية الهندية أن طلبت من باكستان اتخاذ خطوات جادة ضد الجماعات المسلحة، المتمركزة في باكستان وتستهدف المصالح الهندية. وقال المتحدث باسم الخارجية الهندية رويش كمار، قبل أسبوعين: "إننا نطلب من باكستان الجديدة التي يدعيها عمران خان أن تتخذ أيضاً خطوات جديدة ضد الجماعات المسلحة".

ولا شك أن القضاء على الجماعات المحظورة، والتي تأتي الحملة الأمنية الحالية في إطاره، هو المطلب الأهم للهند، غير أنه مطلب أميركي أيضاً وخصوصاً. وفي هذا الإطار، رأى قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزف فوتيل، أن "باكستان لم تتخذ الخطوات الكافية ضد الجماعات المسلحة ومخابئها الموجودة على أراضيها". ووفق وسائل إعلام غربية، فإن الجنرال الأميركي أدلى بهذه التصريحات أثناء خضوعه لجلسة استماع في لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي قبل أيام، وتقديمه إيجازاً لها بشأن المصالحة الأفغانية وأمن المنطقة. لكن في مقابل هذا التقييم الأميركي السلبي، حظيت باكستان بـ"شهادة حسن سلوك" أميركية شديدة الأهمية، من أحد أهم الشخصيات في إدارة الرئيس دونالد ترامب، أي مستشار الأمن القومي جون بولتون. وقال الأخير، قبل أيام، إن باكستان تعهّدت بقمع الجماعات المسلحة التي تهاجم الحكم الهندي في كشمير. وكتب بولتون على "تويتر"، أنّه تحدث مع وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي، وأنه "أكّد لي أنّ باكستان ستتعامل بحزم مع كل الإرهابيين وستواصل إجراءات تخفيف حدة التوتر مع الهند". وتزامنت تصريحات بولتون مع اجتماع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع نظيره الهندي فيجاي غوخالي في واشنطن الذي حظي بكلام أميركي يفيد بأن بومبيو حثّ إسلام آباد على اتخاذ "إجراءات مجدية ضد التنظيمات الإرهابية النشطة على أراضيها"، بحسب متحدث باسم رئيس الدبلوماسية الأميركية. 

وتسببت الجماعات المحظورة في إدراج باكستان في "القائمة الرمادية لهيئة الرقابة الدولية على تمويل الإرهاب وغسيل الأموال"، وستنظر في سبتمبر/ أيلول المقبل مرة أخرى في قضية باكستان والخطوات التي اتخذتها ضد تمويل الإرهاب.

في هذا السياق، اعتبر وزير المالية أسد عمر، في مؤتمر صحافي له في إسلام آباد، مطلع الشهر الحالي، أن بلاده "اتخذت خطوات كافية ضد الجماعات المحظورة، علّها ترضي هيئة الرقابة الدولية على تمويل الإرهاب وغسيل الأموال (فاتف) كي تخرج باكستان من القائمة الرمادية، وأن تدرك أن باكستان ليست من داعمي الإرهاب، بل ضحية له، وقد قُدّمت الكثير من التضحيات بهذا الصدد".

وأَضاف عمر أن "من أهم مطالب الهيئة كان الإقدام ضد الجماعات المحظورة، وقد فعلنا ذلك لأن الأيام الماضية شهدت حملة أمنية مهمة شاملة ضد تلك الجماعات وقياداتها"، مشيراً إلى أن "باكستان تطلب من الهيئة ألا تتأثر بالضغوط الهندية التي تسعى على مختلف الأصعدة أن تعمل ضدنا". وكشف عن توجيه رسالة إلى الهيئة بهذا الخصوص، ومطالبتها بإقالة مسؤول هندي من الفرع الإقليمي للهيئة. وأعرب الوزير عن أمله في إقناع الهيئة بـ"إخراج باكستان من القائمة الرمادية التي أدرجت فيها في يونيو/ حزيران الماضي، وهي ستعيد النظر في وضع باكستان في سبتمبر/ أيلول المقبل. وثمة خشية من إدراج باكستان في القائمة السوداء، ما سيضع الكثير من العقبات في الساحة الاقتصادية والتجارية مع العالم".

بالإضافة إلى ذلك، ثمة ضغوط داخلية على الحكومة الباكستانية للتعامل بشكل أشد مع الجماعات المحظورة نظراً للتطورات التي شهدتها المنطقة، فالعديد من قيادات الأحزاب السياسية، وعلى رأسها حزب الشعب، أكدت أن جميع الجيران إذا كانوا يتهموننا بتمويل الإرهاب وأن العالم كله يضغط علينا، فهذا يعني أن هناك شيئاً ما، أو خللاً على الأقل، بالتالي لا بد من إعادة النظر فيه سياسياً.

في هذا الإطار، دعا بيلاوال بوتو زرداري، زعيم حزب الشعب الباكستاني، نجل الرئيس السابق أصف علي زرداري، في كلمة له أمام البرلمان في الثامن من الشهر الحالي، الحكومة الباكستانية إلى أن "تعمل بجد ضد الجماعات المحظورة وأن تقيل كبار المسؤولين وبعض الوزراء المساندين لتلك الجماعات"، معرباً عن أمله بأن "تكون تلك الحملة ضد الجماعات المحظورة حملة حقيقية، لا من أجل العبث واستخدام الأوراق".

على أن الأمر الأهم للحكومة هو التعامل مع الجماعات المحظورة، تحديداً المدارس الدينية التابعة لها، وهي مشكلة واجهتها الحكومات السابقة، في التعامل مع المدارس الدينية، التي يتبع عدد كبير منها لتلك الجماعات. لذلك، فإن التعرّض لأي حملة قد يفجّر الصراع بين الفكر الديني والحكومة، وهو ما لمّح إليه زعيم جمعية "علماء إسلام"، المولوي فضل الرحمن، صاحب أكبر حزب ديني في باكستان.

وحذّر فضل الرحمن، في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام في مدينة بنو، شمال غربي باكستان، من أن "تكون للحملة ضد الجماعات الدينية والمدارس الدينية التابعة لها عواقب وخيمة، وأن ما يحدث حالياً باسم الحملة ضد الجماعات المحظورة يستهدف المدارس، وبالتالي لن تبقى الأحزاب الدينية صامتة إزاءها". واتهم الحكومة بأنها "تفعل ذلك من أجل إرضاء الولايات المتحدة، وهي تلقت أوامر منها بهذا الشأن".

المساهمون