شعر هاري بهواء لطيف يداعب وجهه فاستيقظ على الفور، نظر حوله لم يجد العجوز الذي اصطحبه من منزله إلى إنجلترا ثم أتى به إلى هذا الملعب الذي استيقظ فيه للتو. شعر هاري بالخوف للحظات، فالشمس لم تكن قد أشرقت بعد، وهو وحيد في مكان غريب ولا يعلم في أية بلدة يكون.
لم يتركه "ستوريا" يغرق في خوفه أكثر من ذلك، جاء صوت العجوز من خلف هاري ليطمئن قلبه من جديد: أنا هُنا يا هاري، لا تفزع. هاري: أه أخيرًا، أين نحن الأن؟ ستوريا: نحن في بلد المُخترع الأشقر، سانتا كلوز كُرة القدم، عطاياه وهداياه لم تنقطع حتى الآن، اخترع المراوغات والأهداف الغريبة عندما كان لاعبًا والتيكي تاكا وأساليب اللعب عندما أصبح مُدربًا، نحن في هولندا بلد الفيلسوف كرويف. جحظت أعين هاري إعجابًا بما قاله ستوريا، لمسه العجوز فعاد الدوار إلى مُهاجمته من جديد، سُحبت روحه إلى قلبه وأغمض عينه لثانية، وعندما فتحها شاهد أفضل مشهد يُمكنك أن تفتح عينيك عليه، مشهد وقف فيه كرويف لاعب أياكس الهولندي على بعد خطوة من نقطة الجزاء يستعد للعب ضربة جزاء، الشاشة الكبيرة في الإستاد تُشير إلى تقدم أياكس أمستردام علي هلموند سبورت بهدف للاشئ، وقفت جماهير أياكس في المدرجات التي يقف فيها "هاري" تستعد للاحتفال، فالفيلسوف كرويف على وشك إحراز هدف التعزيز، الجميع كان على ثقة أن كرويف سيحرز ركلة الجزاء.
أما كرويف نفسه فكان يفكر في شيء غير اعتيادي بالطبع، وقف كرويف قبل نقطة الجزاء، وضع الكرة عليها ثم أطلق الحكم صافرته، وبدلًا من أن يضع الكرة في الشباك مررها بالعرض إلي جيسبر أولسن، تقدم حارس هلموند "أوتو فيرسفيلد" نحو أولسن الذي أعاد الكرة لكرويف الذي وضعها بدوره في المرمى.
انفجرت الفرحة في مدرجات أياكس أمستردام بهذا الهدف التاريخي من ركلة جزاء غير اعتيادية، أما هاري، فلم يكن يُصدق ما رآه للتو، لم يكن يعلم بوجود تلك اللعبة من الأساس، نظر بجانبه ليجد العجوز يقف ليتأمل تعبيرات وجه هاري، فصرخ فيه: كيف، كيف فكر في مثل تلك الفكرة؟ وما دار في عقله حينها، فأجابه العجوز: شاهد ذلك أيضًا بنفسك، ليجد نفسه واقفًا أمام كرويف وأمامهم مذيع يحاور الفيلسوف الهولندي ويسأله عن ماهية سر ركلة الجزاء الغريبة تلك؟ أجابه كرويف: "نحن على مقربة من أعياد الميلاد، لذلك قررنا منح جماهيرنا هدية ستظل عالقة في أذهانهم"، وعلى الجانب الآخر وقف مذيعٌ آخر يحاور حارس مرمى هلمند سبورت: ماذا شعرت أثناء تنفيذ ركلة الجزاء؟ فيرسفيلد: كنت أحاول أن أستوعب ما حدث أمامي للتو، كنت مذهولاً تمامًا.
لم يستطع هاري أن يسمع أكثر عن ركلة جزاء كرويف، شعر بيد ستوريا على كتفه، نظر إليه فبدا ستوريا على عجلة من أمره، فهو لا يريد أن يبقى في هولندا ليومٍ أخر، نظر لهاري وقال له: هيا ليس لدينا مُتسع من الوقت، أغمض هاري عينه دون أن يطلب منه ستوريا ذلك، ليجد نفسه في ملعب يعرفه جيدًا، الجوسيبي مياتزا، ملعب نادي إنتر ميلان الإيطالي، نظر للجماهير وعرف من ملابسهم أنه في عصرنا هذا وليس في عصرٍ قديم.
فنظر لستوريا قائلًا: أنا أعلم تلك المباراة، إنها ليلة اعتزال خافيير زانيتي، ولكن هذا ليس تاريخًا هذا حاضر.
ستوريا: مُخطئ، كل ما مضى هو تاريخ، حتى كلماتي التي أقولها الآن ستصبح تاريخًا بمجرد نُطقها، على أي حال قد تكون شاهدت مباراة اعتزال زانيتي، أما الآن سترى ما لم يره أحد.
وقف هاري صامتًا ونظر ناحية ستوريا على أمل أن يرى في قصة زانيتي ما لم يره من قبل، لكن ستوريا كان يشير إلى ساعته التي اقتربت من منتصف الليل.
هاري: لا، أرجوك!
ستوريا: هذا هو الشرط الوحيد لاستكمال الرحلة يا عزيزي.
هاري: حسنًا فلنختفِ حتى تُشرق شمس الغد.
ستوريا: نعم، ستُشرق هُنا في إيطاليا.
ابتسم هاري وسار في طريقه مع رفيقه الجديد وهو يتشبث به وكأنه يخشي عليه من الضياع، فهو الوحيد القادر على تحقيق أمانيه، وهو اعتاد دائمًا أن يتشبث بحلمه.
(مصر)