تواجه الحكومة الجزائرية انتقادات بشأن أدائها السياسي في ظلّ أزمة تفشي وباء كورونا، وما سبقها من أزمات. وبخلاف عددٍ قليل من الوزراء فيها، الذين أثبتوا وجودهم في الميدان، وتقدّموا مشهد إدارة أزمة الوباء، توارى أغلب وزراء حكومة عبد العزيز جراد عن الأنظار، وتجمّد نشاطهم، على الرغم من حساسية الظرف، وارتباط القطاعات التي يرأسونها بإدارة أبعاد وتداعياتٍ على صلة بالوضع الطارئ. وبعدما أعطت الفترة الأولى لحكومة جراد صورة واضحة للرئيس عبد المجيد تبون عن أدائها، وبحكم تصريحاته السابقة بشأن رغبته في إجراء تقييم مرحلي لكل المسؤولين، فمن غير المستبعد أن يقدم على إجراء تعديلات على الفريق الحكومي، بعد تعافي البلاد من وباء كورونا.
وقصّت حكومة جراد شريط شهرها الثالث، في ظلّ أزمة وبائية استثنائية، سلّطت عليها الأضواء، ووضعتها برمتها في اختبار تقييم، تباينت اتجاهاته بين مؤشرات تعتبر أن الحكومة الجزائرية لا تزال بطيئة في خطواتها الإصلاحية، ولم تستفد بعد من المستويات المعرفية والعلمية لمجموع الوزراء (أغلبيتهم خبراء وأساتذة جامعيون)، وبين مؤشرات تأخذ بالاعتبار المخلفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ورثتها حكومة جراد، وجملة الصعوبات الطارئة، لا سيما أزمة أسعار النفط ووباء "كوفيد 19".
من كامل الفريق الحكومي، يخطف وزير التجارة كمال رزيق الأضواء، بفعل نجاحه في ضبط نسبي لأسعار المواد التموينية، وفرض نمطٍ معين في تموين السوق قبل الأزمة الوبائية وخلالها. وبدا رزيق نشطاً، بعدما تخلى عن كل المظاهر البروتوكولية، ليظهر في الأسواق، حتى خلال ساعات الفجر الأولى. وباستثنائه، وعددٍ قليلٍ جداً من نظرائه، كوزير الطاقة محمد عرقاب، والزراعة شريف عماري، والصحة عبد الرحمن بن بوزيد، يغيب باقي الفريق الحكومي عن المشهد بشكل مُحير، أثار تعليقات سياسية وإعلامية كثيرة في البلاد.
ومنذ قرار الحكومة إغلاق المدارس في 12 مارس/ آذار الماضي وتسريح التلاميذ، ينتظر الجزائريون الخطط البديلة للتدريس عن بعد. ومع مرور الوقت، تضاءلت طموحات العائلات الجزائرية في إمكانية نجاح وزير التربية والتعليم الجديد محمد أجاعوط، في رقمنة التعليم وتمكين أبنائهم من استدراك الوقت الضائع من العام الدراسي. وينسحب هذا الأمر على وزارة الجامعات، التي لم تنجح في تفعيل منصات إلكترونية للتعليم عن بعد، وإيصال المحاضرات للطلبة كبديلٍ مؤقت، إلى حين انحسار الأزمة، كما لم تساعد وزارة الاتصالات في توفير الحلول الممكنة للرقمنة.
وعلى الرغم من حاجة البلاد في هذا الظرف لتفعيل القطاع الصناعي وتكييف إنتاج بعض المصانع والمؤسسات المتوسطة مع طبيعة الأزمة، فإن وزير الصناعة فرحات آيت علي لم يظهر له أثر خلال الفترة الماضية، ما عزّز لدى كثيرين شكوكاً سابقة بشأن قدرته الفعلية على إدارة قطاع حسّاس وحيوي، وكذلك بشأن خطط الرئيس تبون في تحقيق إقلاع اقتصادي.
بدورها، أظهرت وزارة التضامن عجزاً عن اللحاق في تنظيم وتأطير عمليات التضامن المركزي والمحلي مع الأسر والعائلات المعوزة المتضررة من الأزمة ومن تدابير الحجر الصحي. ولم تظهر الوزيرة كوثر كريكو سوى مرةٍ واحدة خلال فترة الأزمة، حتى الآن، استدعتها ظروف وملابسات متعلقة بتزايد التعليقات الصحافية بشأن غيابها في هذا الوقت الحسّاس.
ولم تسلم وزارة الخارجية أيضاً من الانتقادات، لجهة عجزها عن متابعة أوضاع الرعايا الجزائريين العالقين في الخارج، وتقاعس الممثليات الدبلوماسية عن إدارة فعّالة لأزمة العالقين، خصوصاً في دبي وتركيا، قبل أن تتطور الأمور إلى احتجاجات داخل مقر القنصلية في دبي، وفي مطار إسطنبول، ما دفع تبون إلى التدخل، وإسداء تعليمات بوضع خطط لترحيلهم وحلّ المشكلة.
يعتقد أستاذ العلوم السياسية مولود محصول، أن الحكومة الجزائرية تتحرك ببطء شديد، خصوصاً أن غياب عددٍ من الوزراء عن المشهد مثير للتساؤل. وفي هذا الإطار، قال محصول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هناك رد فعل بطيئاً تجاه تحدٍ مباغت وضاغط، ويتطلب السرعة والحسم والتجنيد وقوة الاتصال بالمجتمع وتنوير الرأي العام"، ملاحظاً أن "غالبية الفريق الحكومي خارج مجال الحضور والفعالية المطلوبة، ومنهم وزراء قطاعات حسّاسة، مثل التعليم العالي أو التربية، وغيرهما من القطاعات التي ترتبط بالمجتمع، وبمواعيد استحقاقات وطنية في غاية الأهمية". وعزا الخبير السياسي هذا التباطؤ "إلى الطبيعة التكنوقراطية لأغلب الوزراء، ونقص خبرتهم السياسية في التعامل مع مختلف الظروف والأزمات".
وإذا كانت الحكومة الجزائرية التي مضى على تشكيلها ثلاثة أشهر، قد وجدت نفسها مباشرة أمام تحدي معالجة آثار الحكومات السابقة، أو ما وصفها رئيس الحكومة عبد العزيز جراد بـ"الألغام" التي زرعتها حكومة سلفه نور الدين بدوي، وكذلك أزمة أسعار النفط وتفشي كورونا، ناهيك عن تحدي أزمة الثقة الفاصلة بينها وبين الشارع، فإن عدداً من المتابعين يعتبرون أن هذه التحديات كان يمكن أن تمنح الحكومة حافزاً لإظهار قدرتها على تحمل المسؤولية، ورسم خطط وحلول مبتكرة، ووضع تدابير عاجلة لاستعادة ثقة الشارع.
وفي ظلّ وجود قطاعٍ من الشعب لا يزال يشكك في قدرة الحكومة الحالية على إحداث تغيير جدّي في القطاعات الخدمية والاقتصادية، يعتقد مراقبون أن الوضع في الجزائر، المعنية بكل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم، خصوصاً في ظلّ تدني أسعار النفط وتآكل احتياطات الصرف والأزمة الوبائية، كان يتطلب تحفزاً حكومياً للتخلي عن أدوات التسيير التي انتهجتها الحكومات السابقة. ولكن على خلاف ذلك، يبدو الجهاز التنفيذي راسباً في أول امتحان يواجهه، لا سيما أن عدداً كبيراً من الوزارات تجمدت أنشطتها وغاب رؤساؤها عن المشهد، إضافة إلى مشكلات التنسيق والتضامن بين القطاعات الحكومية.
وبرأي الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عبد السلام عليلي، فإن هناك توافقاً في التقييم على ضعف الأداء الحكومي. واعتبر عليلي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "باستثناء أربعة وزراء أظهروا بعض بالقدرة والكفاءة والرؤية المستقبلية في إدارة قطاعاتهم، فإن باقي الفريق الحكومي ظلّ يتفرج على الأزمة". وأضاف المحلل السياسي أن "الملاحظ قبل الأزمة الوبائية، أن ثمّة الكثير من الوزراء تحدثوا كثيراً في المنابر الإعلامية عن خطط طموحة لتطوير قطاعاتهم، لكن كورونا كشف أنهم لا يملكون أياً منها يمكن تطبيقها على أرض الواقع". ورأى عليلي أن إخفاق الحكومة "له انعكاس سلبي على تطلعات وآمال الشعب الجزائري في إعادة هيكلة النظام، وتطوير الأداء المؤسسي والسياسات في الرئاسة والحكومة، لإيجاد نهج جديد في إدارة شؤون البلاد".
ثمة من يقابل هذا التقييم بإطلاق مؤشرات إيجابية بالنسبة للسلطة التنفيذية، على اعتبار أن الحكومة الفتية حققت مع الوقت حالة انسجام حكومي، ونجحت حتى الآن في محاصرة انتشار وباء كورونا بأقل كلفة ممكنة لجهة عدد المتوفين (83 وفاة، و863 إصابة حتى مساء أول من أمس الخميس)، والتحكّم في التموين والأسعار، وإجلاء 10 آلاف مواطن من الخارج. كذلك تمكنت الحكومة من تفعيل العلاقات مع الصين، بما وفر للبلاد سنداً ومعدات طبية هامة، وإحصاء مناطق الظل، وإطلاق مشاريع إنمائية وخدمية لصالح سكان المناطق المعزولة، وتعديل تشريعات لصالح المؤسسات الناشئة وتحسين الاتصال الحكومي والرسمي.