الحكومات البرلمانية الأردنية: "منحة" تفرغها الإجراءات الاحترازية من المضمون

24 اغسطس 2014
النظام يتبع إجراءات تحول دون تحقيق الإسلاميين أغلبية برلمانية(Getty)
+ الخط -

تؤكد كل المؤشرات السياسية في الأردن، حتى الآن، على أن الحكومات البرلمانية ستبدأ بالتشكل في حد أقصاه مطلع عام 2017؛ تاريخ انتخاب برلمان جديد، بعد انقضاء المدة الدستورية للبرلمان الحالي الذي انتخب في 23 يناير/ كانون الثاني 2013، بعدما تعهد الملك عبد الله الثاني، يوم افتتاح البرلمان بالعمل على جعل هذه الحكومات واقعاً، ووجه مراراً بتهيئة الظروف التشريعية للوصول إليها.

الحكومة البرلمانية المنتظرة، لو قدّر لها أن تكون وفقاً للخطة، والتي تقتضي غياب المفاجآت التي قد تسبب إرباكاً للسياسية الأردنية سواء كانت مفاجآت داخلية أو إقليمية، ستشكل "المنحة" الأخيرة التي يقدمها الملك، تتويجاً لاستراتيجية الإصلاح المتدرج التي اختطها في مواجهة المطالبين بالإصلاح، خلال موجة الاحتجاجات التي انطلقت مطلع 2011، وطالها الخريف منتصف 2013.

خلال موجة الاحتجاج، طالبت القوى السياسية والحزبية والشعبية والشبابية بإصلاحات سياسية تقود إلى حكومات منتخبة. مطالب رفضها النظام، وتحايل عليها مراراً، بل وحتى عندما استجاب لها مرحلياً، قدم تلك الاستجابة على اعتبارها منحة ملكية قدمها ملك أدرك ذلك بحنكته السياسية.

واليوم، يمضي النظام في تهيئة الظروف الموضوعية لتحقيق المنحة الإصلاحية في موعدها غير المعلن، والتي تشير إليها التصريحات السياسية وحزمة القوانين التي يجري إعدادها.

ومن أجل ذلك دفعت الحكومة إلى مجلس النواب بقانون جديد للأحزاب السياسية، يشجّع على تشكيلها، وينزع العقبات التي كان يتضمنها القانون السابق، إذ خفض القانون الجديد عدد الأعضاء المؤسسين للحزب عند التأسيس من 500 مؤسس إلى 150 مؤسساً، وألغى شرط أن يكون الأعضاء يمثلون سبع محافظات. ومنح القانون الحزب مهلة للتصويت على أوضاعه بعد التأسيس، وفقاً للاشتراطات السابقة.

تقول الحكومة في العلن إن هذا القانون بمثابة الطريق لتكوين حياة حزبية قوية تكون قادرة على المنافسة في الانتخابات المقبلة والوصول إلى البرلمان، وفي السرّ تدرك أن أي قانون لن يوجد أحزاباً سياسية تستطيع منافسة حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لحركة "الإخوان المسلمين". وهو الإدراك الذي تُرجم بإيعاز أذرع النظام الأمنية لشخصيات وازنة للشروع بتشكيل حزب سياسي، يكون في ظاهره مستقلاً وفي باطنه تابعاً للنظام.

وعلم "العربي الجديد" أن الإيعاز بتشكيل الحزب وجّه لشخصيات شرق أردنية وأخرى أردنية من أصول فلسطينية، على أمل أن يكسب الحزب جماهيرية لدى العشائر الأردنية والمخيمات الفلسطينية، في خطة تسعى لكسر الجماهيرية التي يتمتع به حزب "العمل الإسلامي"، والتي تترجم في الانتخابات النيابية.

وكخطوة استباقية، تهدف إلى إبعاد الجيش وجهاز الاستخبارات عن التجاذبات السياسية، في حال تشكيل حكومة برلمانية، دفعت الحكومة إلى مجلس النواب بتعديل دستوري يعزز من صلاحيات الملك، من خلال منحه حق تعيين قائد الجيش ومدير الاستخبارات، بعدما كان التعيين يتم بتنسيب من قبل رئيس الوزراء يوافق عليه الملك.

ترتيبات مشهد الانتقال إلى الحكومة البرلمانية التي تشكلها أغلبية نيابية، ينقصها الآن فقط، الكشف عن قانون الانتخاب الجديد، والذي أصبح جاهزاً وأودع أدراج الحكومة، في انتظار اللحظة المناسبة، حسب ما أكدت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد".

وانسجاماً مع خطة الانتقال إلى الحكومات البرلمانية، يكون لزاماً أن يغادر قانون الانتخابات المقبلة، قانون الصوت الواحد المعمول فيه منذ العام 1993، والمتهم بأنه فصل لمنع وصول أغلبية تستطيع تشكيل حكومة برلمانية.

الإجراءات الاحترازية، التي يقوم بها النظام، تهدف في جوهرها للحيلولة دون تحقيق قوى سياسية معارضة أغلبية برلمانية تخولها تشكيل الحكومة البرلمانية، وقد تبدو تلك الإجراءات موجهة على وجه الخصوص ضد الحركة الإسلامية، ممثلة بذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الأكثر تنظيماً وجماهيرية بين الأحزاب الأردنية مجتمعة.

ويطمح النظام الأردني للوصول إلى حكومات برلمانية لا تختلف في جوهرها كثيراً عن الحكومات التي يعينها الملك، لتكون الحكومة البرلمانية شكلاً ديمقراطياً لا جوهراً، الأمر الذي يبدو تحقيقه صعباً رغم كل الخطط الاحترازية.

المساهمون