الحكم الدولي باغتيال الحريري اليوم: ضبط الشارعين أولوية لبنانية

18 اغسطس 2020
اغتيل الحريري في 14 فبراير عام 2005 (رمزي حيدر/فرانس برس)
+ الخط -

خطف الانفجار الذي هزّ بيروت في 4 أغسطس/ آب الحالي، وأدى إلى مقتل أكثر من 170 شخصاً وإصابة 6 آلاف آخرين، إضافة إلى دمار هائل في العاصمة اللبنانية، الأنظار من مختلف القضايا التي كانت تشغل الساحة اللبنانية، ومنها الحكم الدولي في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري (في 14 فبراير/ شباط 2005)، الذي كان مقرراً في 7 أغسطس، وأُجِّل إلى اليوم الثلاثاء. ويترقب الشارع اللبناني انعكاسات قرار المحكمة على الساحة الداخلية اللبنانية التي يسيطر عليها "حزب الله" ويتحكّم بالقرارين السياسي والأمني للدولة، علماً أن أربعة مسؤولين في الحزب يحاكمون في القضية، هم سليم جميل عياش، أسد حسن صبرا، حسين حسن عنيسي، وحسن حبيب مرعي. وبينما أكد الحزب أنه سيتعامل مع القرار كأنه لم يصدر، وهو الذي شكك في المحكمة الدولية منذ إنشائها ورفض الاعتراف بها وأي تعاون معها، تتجه الأنظار إلى الشارع المقابل، وخصوصاً جمهور "تيار المستقبل" الذي يرأسه سعد الحريري، وكان قد دعا جمهوره إلى الهدوء والتصرف المسؤول، قبل أن يطلب شقيقه بهاء أمس الاثنين من جميع اللبنانيين "الابتعاد عن ردات الفعل الغاضبة غير المفيدة" مع صدور قرار المحكمة الدولية.

ويأتي الحكم في ظل غضب شعبي متصاعد منذ أشهر، وتحديداً منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي شهد انطلاق انتفاضة احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية، أدت إلى استقالة حكومة سعد الحريري (29 أكتوبر)، قبل أن يطيح انفجار بيروت حكومة حسان دياب التي تلته، ليستقبل لبنان قرار المحكمة الدولية، في ظل حكومة تصريف أعمال، ومساعٍ لتشكيل أخرى جديدة تختلف وجهات النظر القوى المحلية بشأنها، بين المطالبة بأن تكون في إطار "وحدة وطنية" تضم مختلف الأطراف السياسية، وبين الدعوة إلى حكومة مستقلة، مع مطالبات صريحة لسعد الحريري بترؤس الحكومة الجديدة، وهو قرار لن يكون بعيداً عن حكم المحكمة الدولية وتداعياته.

وسيتم النطق بالحكم في جلسة علنية، وسط ترقب لحجم الانعكاسات على الساحة الداخلية. وكان رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب قد قال عبر حسابه في "تويتر"، في 28 يوليو/ تموز الماضي، إنه يجب أن "نكون جاهزين للتعامل مع ارتدادات صدور الحكم"، مضيفاً "بحسب معلوماتنا، المعنيون بهذه القضية سوف يتعاطون معها بشكل مسؤول لوقف الاصطياد بالماء العكر" الذي "قد يلجأ إليه البعض". وأضاف "مواجهة الفتنة أولوية"، مشيراً إلى أنه لن يكون هناك "أي تساهل في هذا الموضوع". فيما استبق رئيس الوزراء السابق سعد الحريري صدور القرار بالدعوة إلى "الصبر والتصرف المسؤول". وقال الحريري، أواخر شهر يوليو/تموز الماضي: "لا أريد استباق إعلان الحكم، فالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تفرض عليّ شخصياً وتيار المستقبل وجمهور الشهيد رفيق الحريري وكل العائلات التي أصابها مسلسل الاغتيالات، انتظار الحكم والبناء عليه"، مضيفاً: "نحن نتطلّع إلى السابع من أغسطس (الموعد الأول للحكم قبل تأجيله) ليكون يوماً للحقيقة والعدالة من أجل لبنان، وللاقتصاص من المجرمين". وتوجه إلى جمهور "المستقبل" والمحازبين بدعوتهم إلى "وجوب الاعتصام بالصبر والهدوء والتصرف المسؤول قبل صدور الحكم". وتوجه الحريري إلى لاهاي أمس لحضور جلسة النطق بالحكم، ويُتوقع أن يحضر الجلسة أيضاً النائب مروان حمادة، الذي كان قد تعرض لمحاولة اغتيال في 2004، وربطت المحكمة قضيته مع قضية الوزير السابق إلياس المرّ (تعرض لمحاولة اغتيال في يوليو/ تموز 2005)، والأمين العام السابق لـ"الحزب الشيوعي اللبناني" جورج حاوي، الذي اغتيل في 21 يونيو/ حزيران 2005، بجريمة اغتيال الحريري الأب.
وأكدت أوساط مقرّبة من الحريري لـ"العربي الجديد"، أنّه "سيحرص على ضبط الشارع ومناصري تيار المستقبل، تحسباً لأي ردّة فعل من شأنها أن تأخذ البلاد إلى الفتنة التي يصعب إطفاؤها".

سيحرص الحريري على ضبط الشارع ومناصري تيار المستقبل، تحسباً لأي ردّة فعل من شأنها أن تأخذ البلاد إلى الفتنة

أمّا "حزب الله"، فلم يتوقف على مدى السنوات الـ15 الماضية التي تلت اغتيال رفيق الحريري عن نفي ضلوعه في الجريمة التي وقعت في 14 فبراير/ شباط 2005 في بيروت، وأودت بحياة 22 شخصاً وأدت لإصابة 226 آخرين. وجدد الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، قبل أيام، القول إن حزبه غير معنيّ بقرار المحكمة وسيتعامل معه كأنه لم يصدر، منبهاً من محاولة استغلال المحكمة لدفع الأمور باتجاه الاستفزاز. وحذّر من أن "هناك مَن سيحاول استغلال المحكمة الدولية لاستهداف المقاومة وحزب الله"، داعياً مناصريه إلى "التحلي بالصبر" في الشارع بعد صدور القرار.

أدى الانفجار إلى مقتل 22 شخصاً (أنور عمرو/فرانس برس)

وكان الحزب قد رفض تسليم المتهمين الذين كان من بينهم مصطفى بدر الدين، الذي قُتل في سورية عام 2016 وأطلقت بلدية الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله) اسمه على شارع فيها عام 2018، علماً أنّ المحكمة تعتبر بدر الدين الرأس المدبّر لتنفيذ عملية اغتيال الحريري. واتهمت المحكمة الخاصة بلبنان بدر الدين، قبل أن تعترفَ رسمياً بوفاته في 11 يوليو/ تموز 2016، بتنفيذ مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، وقتل الحريري عمداً و21 آخرين باستعمال مواد متفجرة، ومحاولة قتل 226 شخصاً عمداً.
ورفض أحد نواب "حزب الله" ممن تواصل معهم "العربي الجديد"، التعليق على مضمون الحكم المرتقب أو التصريح رسمياً بشأن طريقة تعاطيهم معه، مكتفياً بالقول: "لا يعنينا الموضوع"، ومعتبراً أن ما يهمهم ردود فعل المناصرين، وتحديداً في الشارع، في حال صدر الحكم باتهام المسؤولين في الحزب.

مرّ التحقيق في اغتيال الحريري بمسارات عدّة تخللتها تحوّلات كبيرة على الصعد الأمنية والسياسية والقضائية


ومرّ التحقيق في اغتيال الحريري بمسارات عدّة تخللتها تحوّلات كبيرة على الصعد الأمنية والسياسية والقضائية، أبرزها انسحاب قوات النظام السوري من لبنان في 26 إبريل/ نيسان 2005 بعد احتلال دام 29 عاماً، واغتيالات طاولت شخصيات سياسية معارضة لسورية وأمنية لعبت دوراً في التحقيق، أبرزها الرئيس السابق لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن والنقيب وسام عيد. فيما نجا من محاولات الاغتيال وزير الدفاع الأسبق إلياس المرّ، ووزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية السابقة مي شدياق (كانت صحافية عند محاولة اغتيالها)، والمقدّم سمير شحادة، الذي كان مساعد رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وتابع التحقيقات في قضية اغتيال الحريري، هذا فضلاً عن تفجيرات متنقلة في عددٍ من المناطق اللبنانية. وكان النائب مروان حمادة أول من استُهدف بمحاولة اغتيال في عام 2004 ونجا منها.

وشهدت المحاكمة استقالات عدة، أبرزها لبنانياً تقديم نائب رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي رالف رياشي استقالته من مجلس القضاء الأعلى، كما تقدّم على صعيد المحكمة رئيسها القاضي أنتونيو كاسيزي باستقالته، وكذلك القاضي روبرت روث رئيس غرفة الدرجة الأولى، وأكثر من 10 آخرين من الذين شاركوا في التحقيقات بعملية الاغتيال، التي نتجت عن مطالب داخلية صدرت عن معارضين للنظام السوري ودعت إلى تحقيق دولي لا لبناني، نتيجة فقدان الثقة بالقضاء اللبناني والأجهزة الأمنية والسلطة الحليفة للنظام السوري وقتها. وقد قوبلت هذه المطالبات برفض من جانب سليمان فرنجية الذي كان وزيراً للداخلية آنذاك، ويعدّ أحد أبرز حلفاء "حزب الله" والنظام السوري، تاركاً الباب مفتوحاً أمام مساعدة خبراء في التحقيق. بيد أنّ إطلاق المعارضة "انتفاضة الاستقلال" في 18 فبراير/ شباط 2005، عزّز مطلبها، فأنشأ مجلس الأمن اللجنة الدولية المستقلة في 7 إبريل/ نيسان 2005، لمعرفة من يقف وراء الاغتيال، بعدما توصّلت لجنة من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق إلى أن التحقيق الذي أجرته السلطات اللبنانية يشوبه القصور والخلل (جرت محاولة متعمدة لطمس الأدلة في مسرح الجريمة)، فضلاً عن أنّ الاغتيال تمّ في إطار سياسي وأمني يتسم باستقطاب حاد حول النفوذ السوري، بحسب ما ذكر بيان صادر عن الأمم المتحدة.

المحكمة الدولية
الحكم الذي يصدر عن غرفة الدرجة الأولى هو حكمٌ معلّلٌ يشارك فيه أغلبية القضاة (فرانس برس)

وبدأت اللجنة عملها في 26 إبريل لتأكيد انسحاب القوات السورية تماماً من لبنان والتزام سورية الكامل بالقرار 1559 (صدر عن مجلس الأمن في 2 سبتمبر/ أيلول 2004 وطالب جميع القوات الأجنبية بالانسحاب من لبنان). ووصل رئيس اللجنة ديتليف ميليس إلى بيروت في 26 مايو/ أيار 2005، وبدأ محادثات مع السلطات اللبنانية حول عملية التحقيق. وسبقت هذا الأمر تظاهرتان: الأولى في 8 مارس/ آذار لـ"حزب الله" مؤيدة لسورية، وثانية في 14 مارس تطالب بانسحاب القوات السورية واعتقال مسؤولي أجهزة الأمن التابعين لها، بعدما اتهم قادة أجهزة أمن لبنانيين، حلفاء لسورية، بمحاولة إضاعة الأدلة الجرمية.
في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، قدمت اللجنة الدولية نتائج تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة وقتها، كوفي عنان، لبحثه في مجلس الأمن، وتضمّن أدلة تثبت ضلوع شخصيات لبنانية وسورية، أمنية وسياسية، بعملية الاغتيال. ومن أبرز الأسماء التي وردت، رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان آنذاك رستم غزالي، ومدير المخابرات السوري السابق آصف شوكت، صهر رئيس النظام السوري بشار الأسد (قتل في تفجير خلية الأزمة في دمشق في 18 يوليو 2012)، وأحمد عبد العال، وهو عضو في جماعة "الأحباش" الإسلامية في لبنان، ووزير الداخلية السوري الأسبق غازي كنعان (انتحر في 12 أكتوبر 2005 في ظروف غامضة)، والذي اتهم بمحاولة تضليل تحقيق اللجنة، ونائبه في ذلك الحين وليد المعلم (وزير الخارجية الحالي)، والشاهد محمد زهير الصديق. بالإضافة إلى أربعة ضباط لبنانيين أوقفوا عام 2005 للاشتباه بتورطهم في اغتيال الحريري قبل أن تصدر المحكمة الخاصة بلبنان، التي أقرت من قبل مجلس الأمن عام 2009، قراراً في السنة نفسها بإطلاق سراحهم باعتبار أنّ الأدلة المقدمة لم تكن كافية لتوجيه الاتهامات ضدهم. والضباط الأربعة هم مدير الأمن العام في ذلك الحين اللواء جميل السيد، وهو اليوم نائب في البرلمان اللبناني ومقرّب من "حزب الله"، مدير جهاز الأمن الداخلي حينها اللواء علي صلاح الدين الحاج (عمل بين 1992 و1998 في رئاسة فريق حرس رفيق الحريري)، وترشح في انتخابات 2018 النيابية على لائحة "التيار الوطني الحر" الذي يرأسه صهر رئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، ما شكّل وقتها استفزازاً لرئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري. ويضاف إليهما العميد ريمون عازار، الذي كان يشغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية، وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى فهمي حمدان.
تجدر الإشارة إلى أنّ المشتبه به الأول في الجريمة كان أحمد أبو عدس، الذي ظهر في شريط مصور على قناة "الجزيرة" الفضائية بعد ساعات قليلة من الاغتيال وتبنى عملية التفجير وربط اسمه بتنظيم "القاعدة"، علماً أن لجنة التحقيق الدولية نفت لاحقاً ضلوع أبو عدس في الجريمة، وقالت إنه استخدم لتضليل التحقيق. كذلك شملت الاتهامات الأولية رئيس الجهاز الأمني في "حزب الله" وفيق صفا.

وبعد جلسات عدة، صدّق قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان قرار اتهام بحق عياش وبدر الدين وعنيسي وصبرا في يونيو/ حزيران 2011، ومن ثمّ صدّق قرار اتهام بحق مرعي في يوليو 2013. وفي فبراير 2012، قررت غرفة الدرجة الأولى الشروع في محاكمة عياش وبدر الدين وعنيسي وصبرا غيابياً. وأصدرت القرار نفسه في ما يتعلق بمرعي في ديسمبر/ كانون الأول 2013.
بدأت محاكمة عياش وعنيسي وصبرا وبدر الدين في يناير/ كانون الثاني 2014، وفي فبراير من العام نفسه، قررت غرفة الدرجة الأولى أنه ينبغي ضم قضية مرعي إلى قضية المتهمين الأربعة الآخرين وينبغي محاكمته على أساس قرار الاتهام نفسه، وقررت إرجاء موعد المحاكمة.
استؤنفت جلسات محاكمة المتهمين الخمسة في يونيو 2014. وعند ورود نبأ مقتل بدر الدين، أنهت غرفة الدرجة الأولى الإجراءات القائمة بحقه في يوليو 2016 بعد صدور قرار عن غرفة الاستئناف بغالبية قضاتها على أن لا يعيق ذلك مواصلة الإجراءات إذا ما قُدّم في المستقبل دليل يثبت أنه لا يزال على قيد الحياة. وانتهت محاكمة المتهمين الأربعة في سبتمبر 2018 بعد تسلّم المذكرات الختامية الكتابية، والاستماع لمرافعات ختامية للادعاء والممثلين القانونيين للمتضررين والدفاع.

علوش: حزب الله، بناءً على قرار سياسي وأمني، اغتال بالتعاون مع النظام السوري وإيران، الرئيس رفيق الحريري


واليوم تتجه الأنظار إلى تداعيات صدور الحكم إذا ما اتهم القياديين في "حزب الله" بعملية الاغتيال. وفي السياق، قال عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل"، النائب السابق مصطفى علوش، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القضية واضحة جداً وحزب الله، بناءً على قرار سياسي وأمني، اغتال بالتعاون مع النظام السوري الذي يرأسه بشار الأسد، وإيران، الرئيس رفيق الحريري". وفيما أشار إلى انتظار الحكم الذي سيصدر عن غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، رأى أنّ "تداعياته لن تغيّر شيئاً في الواقع اللبناني، باعتبار أن المحكمة تصدر حكماً بحق أشخاص متهمين وليس جهات حزبية، الأمر الذي سيستغلّه حزب الله لصالحه". ووفقاً لعلوش، فإنّ "الترقب في هذه الحالة، يصبح لناحية مجلس الأمن الذي سيحال إليه الحكم بعد صدوره، وفي كيفية تنفيذه. ففي حال وقع تحت الفصل السابع، عندها له أن يلزم الحكومة بإجراءات معينة، منها القبض على المحكومين تبعاً للتدابير التي لمجلس الأمن أن يتخذها في حالات تهديد السلم والإخلال به". ويوفّر الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الإطار الذي يجوز فيه لمجلس الأمن إنفاذ القرارات، ويسمح له أن يقرّر "ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو أنّ ما وقع عمل من أعمال العدوان، وأن يقدّم توصيات أو يلجأ إلى القيام بعمل غير عسكري أو عسكري لحفظ السلم والأمن الدوليَّيْن".
وتحدث علوش عن عراقيل كثيرة واجهت مسار المحكمة، منها استقالة وزراء "حزب الله" من حكومة سعد الحريري عام 2011 على خلفية الأزمة المتعلقة بالمحكمة (التي وصفها الحزب بالمشروع الإسرائيلي)، إضافة إلى الاغتيالات التي طاولت شخصيات سياسية من تحالف "14 آذار"، واغتيال اللواء وسام الحسن، الذي ساهمت التحقيقات التي أجراها في كشف نقاط أساسية أضاءت على من قاد عملية اغتيال الحريري ولعب دوراً في توقيف الوزير السابق ميشال سماحة عام 2012 (الذي كانت محكمة التمييز قد قضت بسجنه 13 عاماً مع الأشغال الشاقة بجرم نقل المتفجرات من سورية إلى لبنان والتخطيط لتنفيذ تفجيرات). وكذلك اغتيال النقيب وسام عيد، الذي كان قد وضع يده على الملف وكشف الكثير من الأدلة. ولكن كل المحاولات باءت بالفشل واستمرّت المحكمة في عملها، وفق علوش.

أوقف الضباط الأربعة عام 2005 قبل أن قبل أن تطلق المحكمة سراحهم في 2009 (رمزي حيدر/فرانس برس)

من جهتها، أوضحت المتحدثة الرسمية باسم المحكمة الخاصة بلبنان، وجد رمضان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "الحكم الذي يصدر عن غرفة الدرجة الأولى هو حكمٌ معلّلٌ يشارك فيه أغلبية القضاة، على أن يكون مرفقاً برأي مكتوب ومعلّل يُتلى في جلسة علنية بشأن كل تهمة وردت في قرار الاتهام، ويقرّر إدانة المتهمين بعد ثبوت الأدلة ضدهم من دون أدنى شك معقول، أو تبرئتهم إذا تبيّن للغرفة أن الأدلة لا تفي بالمعيار المطلوب في ما يخصّ أي تهمة من التهم الموجهة إليهم، علماً أنّ الحكم قابل للاستئناف بعد 30 يوماً من صدوره".
وقالت رمضان: "إذا صدر حكمٌ بتبرئة المتهم، يخلى سبيله إذا كان موقوفاً، ولكن يجوز للقضاة أن يأمروا باستمرار توقيفه إذا كان المدعي العام يعتزم استئناف الحكم. أمّا إذا صدر الحكم بالإدانة، فيتعيّن تحديد العقوبة المناسبة، ويفرض قضاة غرفة الدرجة الأولى عقوبة عن كل تهمة واردة في قرار الاتهام أدين بها المتهم أو مجموع التهم المسندة إليه، وقد تكون العقوبة المفروضة السجن لمدة معينة يمكن أن تصل إلى المؤبد، على أن تتلى العقوبة أيضاً في جلسة علنية. وإذا كان المُدان طليقاً وغير حاضر عند تلاوة الحكم والعقوبة، تصدر مذكرة توقيف بحقه، ويجوز استئناف الحكم أو العقوبة أمام غرفة الاستئناف، وتنفذ العقوبة عندما تصدر الغرفة حكمها". علماً أنه إذا جرى توقيف المتهم في تاريخ لاحق، يجوز أن يقدم طلباً كتابياً من أجل إعادة محاكمته، وتتاح للمدان خيارات عدة، منها قبول الحكم و/أو العقوبة كتابياً أو الطعن بكليهما أو القبول بحكم الإدانة وطلب عقد جلسة جديدة لتحديد العقوبة.

المتحدثة باسم المحكمة: الحكم الذي سيصدر عن غرفة الدرجة الأولى لن يضم أسماءً جديدة


وأضافت رمضان أنّ "الحكم الذي سيصدر عن غرفة الدرجة الأولى لن يضم أسماءً جديدة، وهو حكم قضائي لا سياسي تنطق به تبعاً للأدلة الموجودة أمامها، شرط أن لا تحمل أي شك معقول، وهو المعيار الوحيد الذي يعتمده القضاة، إذ إنّ الأدلة قُدّمت من قبل 297 شاهداً ومواد جرمية تفوق الـ3 آلاف مادة تتخطى صفحاتها الـ150 ألف صفحة، إلى جانب محاضر الجلسات على مدى 415 يوماً وتتجاوز أيضاً 90 ألف صفحة. وبالتالي، هذه هي الاعتبارات الوحيدة التي تأخذ بها المحكمة بغض النظر عن تأثيرات الحكم على الساحة اللبنانية الداخلية".
تحديات كثيرة واجهت المحكمة منذ أن استهلت عملها عام 2009 في ضواحي لاهاي في هولندا، بحسب رمضان، لكن "التحدي الأكبر أنّ القضية ككلّ كانت معقدة من ناحية الإجراءات أو الأدلة التي استندت إلى داتا الاتصالات التي هي أصلاً معقدة للجمهور".
وعن تكاليف المحكمة التي شكّلت نقطة خلاف كبيرة في لبنان بين فريق "8 آذار" (حزب الله وحلفائه)، الذي رفض تمويلها وتحميل الدولة أعباءها، وبين فريق "14 آذار"، الذي صمّم على السير بها حتى اليوم، قالت رمضان، إنّ "المحكمة تضع سنوياً موازنة خاصة يدفع لبنان 49 في المائة منها، وتُسدد النسبة المتبقية، أي 51 في المائة، من مساهمات طوعية من دول خارجية، وتراوح التكاليف تبعاً للاحتياجات، فكانت في البدء 60 مليون يورو في السنة، ومن ثم تقلصت إلى حوالي 55 مليون يورو".