بدأت السلطات الماليزية الإجراءات القانونية ضد المتورطين في فضيحة فساد صندوق التنمية الماليزي (1 أم دي بي)، أمس الثلاثاء، عبر اعتقال الرجل الأول في هذه الفضيحة، وهو رئيس الوزراء السابق، نجيب عبد الرزاق.
ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام المحكمة اليوم الأربعاء، في أول أيام ما بات يطلق عليه الماليزيون والمراقبون "يوم المحاسبة"، لا سيما أنه سيتم توجيه أكثر من 10 تهم لنجيب متعلقة بصندوق التنمية، وغيرها من القضايا التي يجري التحقيق حولها. وسيقود النائب العام الجديد، تومي توماس، بنفسه فريق الادعاء. وأعلنت قوة مهام تحقق بشأن الصندوق أن اعتقال نجيب له صلة بتحقيق يتعلق بشركة "إس آر سي إنترناشونال"، وهي وحدة كانت تتبع صندوق "1إم دي بي". وقال مصدران قريبان من الأسرة إن السلطات اعتقلت نجيب من منزله بعد تسليمه أمر القبض عليه.
ومن شأن اعتقال نجيب أن يزيد من تعقيد الأوضاع في ماليزيا، لا سيما أن الرجل ما زال لديه شعبية، كما أن الكثير من القيادات التي قد تكون على قائمة هيئة مكافحة الفساد، قد تدفع إلى توتير الأوضاع عبر استخدام الجماهير. ففي أول رد من حزب "أمنو" على اعتقال نجيب، دعت قيادات في المجلس الأعلى مناصري الحزب إلى الخروج والاحتجاج على اعتقال نجيب، ورفض ما سمته الظلم. وطالب عضو المجلس الأعلى لحزب "أمنو"، لقمان نور، المناصرين بالخروج في احتجاجات للتضامن مع نجيب عبد الرزاق، لوقف الاضطهاد ضده. وشن لقمان، في بيان نشره على صفحته على "فيسبوك"، هجوماً على رئيس الوزراء الحالي، مهاتير محمد، فضلاً عن رئيس هيئة مكافحة الفساد، شكري عبد الله، معتبراً أن ما يقومون به هو انتقام من نجيب.
ويترافق اعتقال نجيب مع ملاحقات مستمرة لقيادات في حزب "أمنو"، متورطين في الفساد. وأعلن وزير الداخلية، محيي الدين ياسين، أن السلطات الإندونيسية اعتقلت القيادي الهارب في "أمنو"، جمال يونس، فضلاً عن أن السلطات بدأت التحقيق مع الرئيس الجديد للحزب أحمد زاهد حميدي، الذي كان نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في عهد نجيب. وكل جلسة تحقيق كانت تمتدّ لـ9 ساعات متواصلة، حول فضيحة الفساد المتصلة بصندوق التنمية. وركزت التحقيقات على الأموال السعودية التي تلقاها نجيب عبد الرزاق، إضافة إلى المؤسسة العائلية لأسرة حميدي، والتي تقول هيئة مكافحة الفساد، إنها تلقت أموالاً سعودية. كما تحقق السلطات مع الرجل حول اللقاء الذي عُقد مع أفراد من الأسرة المالكة السعودية.
وتقول السلطات الماليزية إنها ستحاكم الجميع، ولن تستثني أحداً، وهو أمر ينتظره الماليزيون والمراقبون لمسارات خيوط الفضيحة الحالية، لا سيما أن المتورطين في هذه القضية كثر جداً، بينهم قيادات سياسية بارزة وتجار وشركات فضلاً عن مسؤولين من ذوي المراكز الرفيعة في البلد. وطلبت أحزاب وقيادات سياسية التعامل بلطف واحترام مع نجيب باعتباره رئيس وزراء سابقا، خصوصاً إذا تم احتجازه. وبدأت تداعيات الاعتقال أيضاً تقض مضاجع مكونات وقيادات حزبية منعت من السفر، وتنتظر دورها في التحقيقات والمحاسبة التي بدأت فصولها بعملية اعتقال نجيب عبد الرزاق. وقد لا تتوقف المحاسبة عند أفراد، بل تشمل مؤسسات وجمعيات عائلية فضلاً عن شركات. وفي الوقت ذاته، تشير معلومات إلى أن السلطات باتت متأكدة من تورط أكثر من 400 حساب مصرفي تتبع لأطراف وجهات عدة، فيما عدد الحسابات المجمدة يصل إلى ما يقارب ألف حساب. وتعد الجمعيات العائلية واحدة من أهم خيوط الفساد وتبييض الأموال، والتي كانت لها علاقة بفضيحة الصندوق السيادي الماليزي.
ووفقاً لمراقبين ماليزيين فإن موضوع اعتقال نجيب وتقديمه للمحاكمة أصبح مطلباً شعبياً لا يمكن تجاهله بعد أن تحول الرجل إلى مظلة للفساد الداخلي والخارجي. وصدم انكشاف الكثير من الحقائق اليوم، بعد الإطاحة به، الماليزيين، لاسيما في كمية البذخ والأموال والمجوهرات غالية الثمن. وأصبح مطلب تقديم نجيب يشكل ضغطاً على السلطات الماليزية وهيئة مكافحة الفساد بالتحديد نظراً لأن القضية أصبحت قضية رأي عام، غاضب ليس فقط على نجيب وزوجته، بل أيضاً على منظومة كانت تسرق من الشعب، في الوقت الذي كان فيه البلد يعاني من تراجع اقتصادي وديون كبيرة. مسارات التحقيق بدأت بنجيب، وستمتد، مع تواصله، إلى قيادات كثيرة داخلياً في البداية، ثم ملاحقة المتورطين الدوليين بعد ذلك حسب وسائل إعلام ماليزية. وتركت حكومة مهاتير عملية التحقيق والملاحقات لهيئة مكافحة الفساد، وأعطتها صلاحيات واسعة لاتخاذ كافة التدابير والإجراءات، داخلياً وخارجياً، بمساعدة كل الأجهزة الأمنية والعسكرية. ويرى مراقبون أن حكومة مهاتير أطلقت العنان للجهات المختصة لملاحقة كل المتورطين من دون استثناء، فيما تحاول هي إعادة ترتيب البيت الداخلي للحكومة، وإغلاق عشرات المكاتب والوكالات الحكومية، التي كانت جزءاً من حكومة نجيب. كما تسعى الحكومة إلى عدم استغلال الفضيحة سياسياً، لكنها، في الوقت ذاته، تؤكد على ضرورة إسراع الجهات ذات الاختصاص إلى البدء بالإجراءات، خصوصاً أن القضية باتت من عوائق عمل الحكومة.