استقبل العراقيون عيد الأضحى، لهذا العام، والحزن يخيّم على كل شيء، فبين قتيل وفقيد ومشرّد ونازح ومترقب، غطّت شوارع العراق لافتات نعي القتلى في كل مكان ممن يسقطون في التفجيرات، التي تضرب البلاد بشكل شبه يومي، أو في الحرب التي لا تزال مستمرة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في عدد من المدن العراقية.
يصدحون بالتكبير والتهليل بقدوم العيد ودموعهم تنهمر حزناً على من فقدوهم في أتون حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وصراع لم يكن لهم فيه يد سوى أنهم خلقوا على أرض لم تعرف طعم الراحة منذ عقود طويلة ابتلعت أحباءهم وأبناءهم وتركتهم يقاسون الحزن عليهم.
ولم يجد النازحون والمشردون في المخيمات من شمال العراق إلى وسطه وغربه وجنوبه سوى الدموع والبكاء في أول ساعات العيد وهم بعيدون عن ديارهم للعام الثالث.
يقول الناشط حسن الدليمي: "تجولنا في مخيمات النزوح أول وثاني أيام عيد الأضحى فوجدنا الحزن يسود كل شيء على الرغم من البسمة المشوبة بالألم التي تعلو وجوه الأطفال، فيما يكتفي ذووهم بالبكاء بصمت وهو ينظرون إلى ديارهم من بعيد بشوق كبير".
ويضيف الدليمي لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من محاولة النازحين التأقلم مع أجواء العيد بمعايدة بعضهم بعضاً، لكننا وجدناهم كلما أقبل إليهم أحد لتهنئتهم بالعيد بدأت الدموع تنهمر شوقاً إلى الديار وحزناً على ما حل بهم وهم مشردون هنا وهناك، بعيداً عن الأهل والأقارب والأصدقاء الذين شطّت بهم المسافات".
فيصل المحمدي (41 عاماً) أحد النازحين في مخيم عامرية الفلوجة، يقول: "يمر علينا هذا العيد ونحن في عامنا الثالث بعيداً عن ديارنا، ونحن نترقب العودة بفارغ الصبر وسط هذه المخيمات البالية بين الأراضي الصحراوية وليس هناك ما يمت للحضارة بصلة".
ويتابع المحمدي "على الرغم من كل ذلك نحاول أن نواسي أنفسنا بتهنئة بعضنا بعضاً بالعيد، لكن الحزن يخيم علينا من كل جانب فقد فقدنا كثيراً من الأحباب والأقارب والأصدقاء في هذه الحرب المحرقة التي أكلت الأخضر واليابس وشردتنا في أرجاء البلاد".
وليس بعيداً عن مخيمات النازحين كثيراً في بغداد ومدن الجنوب، حيث تعلو الشوارع لافتات نعي القتلى أينما اتجهت أعين الناظرين، يميناً وشمالاً، في مشهد يثير الشجون والأحزان، اكتفى ذوو القتلى بالبكاء على أبنائهم بدلاً من التهنئة بقدوم العيد.
أهالي الكرادة وسط بغداد استذكروا ذويهم الذين سقطوا في التفجير الذي ضرب المنطقة قبل نحو شهرين وراح ضحيته نحو 500 قتيل وجريح ولم يتذوقوا أجواء العيد التي خيمت عليهم بالحزن والدموع.
منتظر الكرادي بيّن أنّ "هذا العيد يحمل معه كثيراً من الآلام والأحزان ونحن نفقد كل يوم أبناءنا وأشقاءنا وأقاربنا وأصدقاءنا بتفجير هنا أو هناك، فلا طعم للعيد ولافتات النعي تغطي شوارع العاصمة في كل مكان".
أهالي العاصمة بدورهم، وبسبب الخشية من التفجيرات وتشديد الإجراءات الأمنية اختاروا الذهاب نحو إقليم كردستان لقضاء أيام العيد بدلاً من البقاء في منازلهم أو التجول في شوارع العاصمة المغلقة نتيجة التشديد الأمني والخوف من التفجيرات.
وفي جنوب البلاد لا يختلف الأمر، فلافتات نعي القتلى تغطي الشوارع والساحات العامة وجدران المنازل والبنايات ولا يملك المار قربها سوى أن تعلوه قشعريرة الحزن مستذكراً أحبابه الذين فقدهم في أتون حرب طاحنة.
واستقبلت كثير من الأسر المعزين بفقدانهم أبناءهم بدلاً من المهنئين بالعيد، وتحولت أجواء العيد في عشرات البيوت العراقية إلى مآتم جديدة حزناً على من فقدوهم بالتفجيرات والمعارك التي مازالت رحاها تطحن العراقيين في أرجاء البلاد.
حيدر الأسدي (39 عاماً) من أهالي كربلاء فقد اثنين من أشقائه في الحرب على تنظيم "داعش"، يقول: "جاء العيد وفي قلوبنا حسرة كبيرة على فقيدينا كحال آلاف آخرين ممن سقطوا في هذه الحرب المدمرة وبدلاً من استقبال المهنئين بالعيد استقبلنا المعزين بمصابنا المفجع".