قدّم رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري، اليوم الإثنين، تصوره للحكومة التي يسعى إلى تأليفها، وهو تصور لم يرقَ إلى مستوى المسودة، وإن شكلت الخطوة ورمزيتها إيجابية، بعد أربعة أشهر على انتهاء الانتخابات النيابية.
وشهد اليوم حركة مكوكية على خط تأليف الحكومة، إذ انطلقت مع اللقاء الذي جمع الحريري برئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل، وتلته زيارة للحريري إلى بعبدا، حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال عون.
وبعد نحو ساعة ونصف من لقاء بعبدا الذي حبس أنفاس اللبنانيين بعد أخذ ورد بشأن احتمال إعلان الحكومة، خرج الحريري بتصريح مقتضب، من دون أن يعلن حكومته، مكتفياً بالقول إنه سلّم عون "صيغة مبدئية لحكومة الوحدة الوطنية المرتقبة، لا ينتصر فيها أحدٌ على الآخر"، مشيراً إلى أن أفكار هذه الصيغة اقتبسها من كل القوى السياسية، وهي "ليست موجودة إلا عندي وعند الرئيس".
وفور انتهاء اللقاء، برز تكتم شديد لدى الدوائر المعنية، ما يعكس قراراً اتخذ بإبقاء النقاشات وما طرح سرّياً، بالرغم من بعض التسريبات التي أشارت وفق معلومات "العربي الجديد" إلى صيغة حكومية من 30 مقعداً وزارياً، بلا أسماء، تتضمن ما يرى الحريري أنه توازنٌ على صعيد تقسيم الحصص الوزارية بين الأطراف السياسية.
وعُلم أن الحريري ينتظر نقاشات رئيس الجمهورية بشأن هذه التركيبة، على أن يشرع فور تبلغه الموافقة المبدئية، في تحديد الأسماء لكل حقيبة وزارية، بعد التشاور مع الأحزاب الممثلة فيها، وبمعنى آخر، استعملت مصادر "العربي الجديد" تعبير "الكرة في ملعب الرئيس".
وكان اللقاء الذي سبق زيارة الحريري إلى القصر الجمهوري، مع باسيل، حدد تصور الحريري الأخير، خصوصاً أن اللقاء كان جيداً لكنه "ليس إيجابياً كلياً"، وفق تعبير مصادر "العربي الجديد" التي أكدت أن باسيل لم يعلن موافقته على تذليل ما اصطلح على تسميته بـ"العقد المسيحية"، في إشارة إلى حصة "القوات اللبنانية" التي كانت تطالب بوزارة سيادية أو موقع نائب رئيس الحكومة، إلى جانب ثلاث وزارات.
إلا أنه ونتيجة لاعتراض باسيل، طرح الحريري تمثيل "القوات" بأربعة مقاعد حكومية، على أن لا تتضمن وزارة دولة، وهو ما وافق عليه رئيس "القوات" سمير جعجع، إلا ان باسيل تحفظ على هذا الطرح، داعياً إلى منح "القوات" ثلاث حقائب الى جانب حقيبة وزارة دولة. وعلم أيضاً أن لقاء الحريري – باسيل شهد خلافاً بشأن حصة "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية، اذ يطالب باسيل بحصة إجمالية من 11 وزيراً.
وبناءً عليه، توجه الحريري الى بعبدا ليقدم تصوراً، تقول المصادر إنه "يراعي مطالب مختلف الأفرقاء، وما هو معقول"، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة المكلف تبلغ من جعجع أنه لا يمكنه التنازل أكثر من ذلك، لأن "القوات" تتعرض لحملة واضحة لتحجيمها، وهو الأمر الذي يؤيده الحريري، وهو طالب باسيل صراحة ببعض الليونة خلال اللقاء، وعندما لم يستجب، قرر التوجه إلى بعبدا لتقديم تصوره، رامياً الكرة في ملعب الرئيس اللبناني ووزير الخارجية.
وبانتظار الساعات المقبلة، التي ستحدد إن كان الحريري سينتقل الى مرحلة تحديد الأسماء أم أن مساعيه ستعود إلى نقطة الصفر، بدا واضحاً لبعض الأوساط السياسية أن خطوة رئيس الحكومة المكلف هذه هدفت إلى وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، والقول إنه أدى واجبه، فيما العقدة عند من يعارض التنازل.
وبالرغم من بقاء "العقدة المسيحية" على حالها، حتى مع تقديم الحريري لتصوره الحكومي، إلا ان العقد الأخرى شهدت حلحلة واضحة، وفق مصادر "العربي الجديد"، خصوصاً بعد تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري على خطها، وتحديداً على خط عقدة تمثيل النواب السنة المحسوبين على فريق "8 آذار"، وكذلك عقدة المقاعد الثلاثة للطائفة الدرزية.
هكذا انتهى اليوم الماراثوني حكومياً، والأكيد أنه حمل تقدماً، بالرغم من أن الأمور لم تصل الى خواتيمها السعيدة، لكن الإيجابية تكمن في وضع النقاط على حروفها. مع ذلك، يبقى التشاؤم لدى كثر في الساحة السياسية اللبنانية على صعيد تأليف الحكومة حاضراً، ولسان حالهم: "لا حكومة في الوقت الراهن".