وشهد التصعيد في الساعات الأخيرة، دخول عون شخصياً على الخط، مانحاً الحريري مهلة حتى الأول من سبتمبر/أيلول المقبل، وكذلك فرض شروطاً واضحة لجهة العلاقة مع دمشق، ضمناً، عبر الاتصال الذي أجراه برئيس النظام السوري بشار الأسد، وقبله موقف باسيل خلال لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، حيث أكّد باسيل أنّ "العلاقات اللبنانية - السورية قائمة، ولبنان، يجب أن يكون منصة لإعادة إعمار سورية".
هذه التطورات أعادت الحكومة اللبنانية أسيرة الموقف من النظام السوري، وأسيرة العنوان العريض لها. فـ"التيار الوطني الحر"، ومن خلفه "حزب الله" بعد التصريح الأخير للأمين العام للحزب، حسن نصرالله، وضع عنواناً واضحاً لها وهو الانفتاح على سورية، وعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين.
وإن كانت مصادر قوى "8 آذار" تنفي هذه العقدة الواضحة، محيلةً الأزمة إلى الشروط المتعلقة بالحصص الوزارية التي يضعها "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وكذلك "القوات اللبنانية"، إلا أنّ ما نقل عن عون خلال استقباله قبل يومين وفداً من المغتربين اللبنانيين في دول الخليج العربي، يلغي كلياً ما تشيعه أوساط "8 آذار"، خصوصاً أنّه تحدّث بوضوح عن سياسة "النأي بالنفس" بوصفها لا تصلح عند الحديث عن المصالح اللبنانية، في إشارة إلى ضرورة التنسيق مع النظام السوري في موضوع عودة اللاجئين، وكذلك الصادرات اللبنانية عبر معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن.
وسط هذا المشهد، لا يزال الحريري وحده ملتزماً الصمت. لم يعلّق بعد على كلّ ما يقال، وعن الشروط والشروط المضادة، وعن سياسة النأي بالنفس، وعن العلاقة مع النظام السوري، لكنه وفق مصادر مطلعة، تحدّثت لـ"العربي الجديد"، لن يطول صمته، خصوصاً أنّ الاتهامات وصلت إلى مرحلة لم يعد ممكناً السكوت عنها، ليس على الصعيد الشخصي فقط، إنّما أيضاً على مستوى موقع رئاسة الحكومة وما يمثّل ضمن المعادلة اللبنانية، بعد أن بات البعض يستسهل التعاطي مع هذا الموقع بفوقية، وصولاً إلى الحديث عن تنحيته.
وبانتظار أن يخرج الحريري عن صمته، تؤكّد المصادر المطلعة نفسها أنّ الحريري يعكف وفريقه على دراسة كل الخيارات الممكنة، مشيرةً إلى أنّ "الأزمة الحالية ليست أزمة حقائب لهذا الفريق أو ذاك، بل باختصار هي أزمة في العناوين السياسية والسيادية؛ بين فريق يريد أن يُخرِج لبنان من سياسة النأي بالنفس ويزجّ به في محاور إقليمية ودولية، وفريق يرى أنّ هذا قد يجرّ الويلات على لبنان، وبين فريق يريد الانفتاح على النظام السوري، وبين فريق يرى أن النظام السوري حتى الساعة متهم بتفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس ومتورّط في ملف الوزير السابق ميشال سماحة، من دون الحديث عن اتهامه بعدد من الاغتيالات التي سبقت وتلت انسحابه من لبنان عام 2005. كما أنّ ما يحول دون عودة اللاجئين إلى أرضهم، هو هذا النظام بالتحديد".
إذاً، بات المشهد واضحاً، والخلافات كلّها وضعت على الطاولة دفعة واحدة، لكن المشكلة تكمن في أنّ أحداً لم يلعب بعد دور الإطفائي، كما تقول مصادر "العربي الجديد"، مستبعدةً أن يتمّ التوافق حتى بداية الشهر المقبل على حلّ هذه العقد، بما أنّها تتخطّى لبنان إلى دول إقليمية ودولية كبرى، وباتت جزءاً من تعقيد يمتدّ من طهران إلى صنعاء، مروراً بدمشق وبغداد وبيروت.
وبما أنّ المشهد السياسي بات واضحاً، فإنّ خيارات الحريري أيضاً باتت معروفة بالنسبة إليه، على الرغم من صعوبة تحديد أي خيار سيكون وجهة الحريري وفريقه. وتقول المصادر إنّ الخيار الأول هو أن يقدّم الحريري تشكيلة حكومية واضعاً الجميع أمام مسؤولياتهم، ومن دون الاتفاق على موضوع العلاقة مع سورية، وهو ما سيؤدي في حال قبل عون التشكيلة الحكومية المقدمة، إلى مراوحة على صعيد البيان الوزاري، الذي يجب أن يبصر النور في مهلة شهر من تاريخ تأليف الحكومة، وإلا تعدّ الحكومة مستقيلة، ويصار إلى استشارات نيابية لتكليف شخصية جديدة تأليف الحكومة.
الخيار الثاني المطروح هو أن يعتكف الحريري بعد أن يخرج عن صمته. أمّا الخيار الثالث، فيكون ببقاء الحال على ما هو عليه، بما أنه لا مهلة دستورية تفرض على الرئيس المكلّف تأليف الحكومة ضمنها، وذلك ريثما تتضح الصورة إقليمياً ويفرج عن الحكومة.
وبين الخيارات الثلاثة المطروحة، الثابت الوحيد هو أنّ الحريري، بحسب المصادر، مرتاح، بما أنّه أولاً غير متمسك بالمنصب، وثانياً ليس هو في أزمة مع الفريق الذي يرفع شعار الانفتاح على النظام السوري، وضرب سياسة "النأي بالنفس"، تحت شعار المصلحة اللبنانية، من دون الالتفات إلى أنّ المصلحة اللبنانية أيضاً لا تكمن في استفزاز المجتمع الدولي والعربي، الأمر الذي قد يعرّض لبنان لمخاطر كبيرة، وستكون بمثابة انتحار سياسي.
يتسلّح الحريري، وفق هذه القراءة، بورقة أنه يعتبر نفسه حاجة ضرورية بالنسبة إلى فريق "8 آذار" العاجز عن تأليف حكومة أحادية، بما أنها ستكون إعلاناً واضحاً بتماهي الدولة مع "حزب الله"، مع ما سيترتّب عن هذه الخطوة من رد فعل دولي وعربي. وبالتالي، متى دعت الضرورة، فالحريري، بحسب المصادر أيضاً، لا يمانع أن يكون في صفوف المعارضة.