الحريديم أكثر إصابة بفيروس كورونا وبلداتهم قنابل موقوتة

31 مارس 2020
لم يلتزم الحريديم بتوصيات وزارة الصحة (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
على مدار أسبوعين كاملين، حاولت المؤسسة الإسرائيلية إلزام جمهور اليهود الأرثوذكس المتزمتين المعروفين باسم "الحريديم"، باتباع توصيات وتعليمات وزارة الصحة، والإرشادات التي صدرت بداية بشأن فيروس كورونا من دون أن تكون ملزمة، لكن من دون جدوى.
واستغرق الأمر أسبوعين كاملين على الأقل، منذ أول ظهور تلفزيوني بهذا الخصوص لكل من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الصحة يعكوف ليتسمان، وهو حريدي أرثوذكسي من حزب "يهدوت هتوراة"، حتى بدأ تجاوب المرجعيات الدينية الحريدية في إسرائيل، وإبداؤهم مرونةً واستعداداً للدعوة لخفض عدد المصلين في المعابد، وعدد الدارسين في المعاهد الدينية، إلى أن تم إغلاقها رسمياً الأسبوع الماضي. لكن الاستجابة لم تكن كاملة، إذ رفض شق يُعرف بالشق الأورشليمي المتطرف، الذي يعتبر الحاخام شموئيل أويرباخ المتوفى قبل عامين مرجعيته الدينية العليا، الالتزام بهذه التعليمات.
ويرفض هذا الشق كل سلطة وشرعية لدولة الاحتلال، ويرى أتباعه في المرجعيات الدينية الآمر الناهي في كلّ ما يتعلق بسبل إدارة شؤون الحياة.
في المقابل، وعلى الرغم من اتجاه حاخامات الحريديم الآخرين، ولا سيما حاخامات السفارديم الشرقيين وعلى رأسهم ديفيد يوسف، إلى التجاوب مع تعليمات الدولة، فقد تلكأ الشق الغربي الأشكنازي الممثل بحزب "يهدوت هتوراة" في التقيد بالتعليمات، ولا سيما منع التجمهر ومنع إقامة الصلوات، حتى الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي.
ومع إقرار الحكومة الإسرائيلية، ليل أمس الإثنين، تشديد تعليمات الحذر ومنع التجمهر والخروج من البيت إلا للحالات الضرورية، نشرت صحف إسرائيلية عدة، اليوم الثلاثاء، بينها "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، معطيات رسمية لوزارة الصحة تبيّن أن الإصابات في صفوف الحريديم هي الأعلى مقارنة بنسبتهم من السكان.
وبيّنت هذه المعطيات أن مدينة بني براك، التي تُعتبر أكبر تجمع للحريديم الغربيين (الأشكناز)، هي المدينة الإسرائيلية التي توجد فيها أعلى نسبة من الإصابات بفيروس كورونا، وذلك بفعل نمط الحياة المنغلق للحريديم، والاكتظاظ السكاني، حتى على مستوى الأسرة، حيث يوجد عدد كبير من الأولاد في شقق صغيرة، وفي مبانٍ متراصة، وسط حياة اجتماعية نشطة واختلاط كبير، خصوصاً في مؤسسات التعليم الدينية وفي الكنس.

ووفقاً للمعطيات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية، فقد اتضح مثلاً أنّ عدد المصابين بفيروس كورونا تضاعف خلال أربعة أيام، فيما اتضح أنّ نسبة الإصابة بين من أجريت لهم الفحوصات للكشف عن كورونا تصل إلى 25%. وبلغ عدد المصابين في المدينة 508 مصابين. في المقابل، بيّن جدول نشرته الصحف الإسرائيلية أن عدد حالات الإصابة في تل أبيب بلغ 261 إصابة، بواقع 0.6 لكل ألف، مقابل 2.5 في بني براك، و0.4 لكل ألف مواطن في بيتح تكفا، فيما تصل النسبة في بلدة مستوطنة إلعاد الحريدية إلى 1.4 لكل ألف مواطن، كما تبيّن أن 25% ممن أجريت لهم الفحوصات للكشف عن فيروس كورونا أصيبوا بالمرض.
وفي ظل التوقعات بارتفاع عدد الإصابات في بني براك، كشف وزير الصحة الإسرائيلي يعكوف ليتسمان، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عن أنه اقترح فرض العزل الكامل على المدينة لمدة ثلاثة أيام. وجاءت هذه التصريحات في ظل اتهامات له من الصحافة ومن جهات حزبية في إسرائيل بالتهاون مع السكان الحريديم لأسباب سياسية، وأنه يعرض حياة مجمل السكان للخطر، فقط في سياق محاولاته الدفاع عن الحريديم والحاخامات الذين يرفضون الانصياع للتعليمات الطبية والصحية الصادرة عن وزارته.

وطاولت هذه الاتهامات نتنياهو أيضاً، إذ قيل إنه تغاضى عن واقع استمرار تجاهل الحريديم لتعليمات وزارة الصحة، حتى بعد وقوع مواجهات مع عناصر من الشرطة في كل من بني براك وأحياء الحريديم في القدس المحتلة، مثل مئه شعاريم وغيئولا، عندما كانوا يحاولون منع التجمهر وفرض التعليمات الرسمية بعدم الخروج من البيت.
وفي هذا السياق، أشار المحلل عاموس هرئيل في "هآرتس"، إلى أن إسرائيل ستضطر لفرض حالة إغلاق كاملة فقط بسبب الحريديم وترجيحهم تعليمات المرجعيات الدينية على تعليمات وأنظمة الطوارئ الرسمية.
بدورها، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في هذا السياق، إلى أن نسبة الإصابات في صفوف الحريديم في مدن مختلطة، يعيش فيها حريديم وعلمانيون، مثل القدس المحتلة وبيت شيمش وأسدود، أقلّ بكثير منها في صفوف الحريديم الذين يقطنون مدناً ومستوطنات حريدية خالصة. مع ذلك، أشارت المعطيات إلى أن نسبة كبيرة من الذين أصيبوا بالمرض من هذه المدن يأتون من جمهور الحريديم.
وتخشى سلطات الصحة الإسرائيلية، خصوصاً على المستوى المهني، من أن يؤدي هذا الوضع في مستوطنات الحريديم إلى اتساع تفشي جائحة كورونا خارج مجتمع الحريديم أيضاً، ولا سيما أن هذا المجتمع، الذي يعيش منطوياً على نفسه بشكل عام في روتينه اليومي، هو على اتصال مع شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي خارج المدن الحريدية، بفعل الوظائف ونمط نشاطه الاقتصادي في التجارة وفي التفتيش الديني مثلاً.

ويتجلّى هذا في كون جميع مفتشي الالتزام بشروط الحلال (الكوشير) في مختلف محال التجارة والمطاعم والمصانع، هم من الحريديم بطبيعة الحال، وبالتالي فإن اختلاط هؤلاء مع الشرائح من خارج مجتمعهم الديني المنغلق على نفسه، يبقى كبيراً وواسعاً. ويشكّل هذا الأمر عاملاً في رفع احتمالات نقل العدوى أو حتى الإصابة بها.
وأقرّت البروفيسورة سيعال ساديتسكي، المسؤولة عن صحة الجمهور في وزارة الصحة الإسرائيلية، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، بأنّ الخطوات التي اتخذتها الحكومة جاءت متأخرة، ولا سيما بفعل الظروف الخاصة في المجتمع الحريدي، ومن ذلك الاكتظاظ داخل الأسرة الواحدة، ونمط الحياة الاجتماعي الذي يضع صعوبات خاصة لفرض الحجر الصحي. ومع ذلك، فقد أشارت إلى إمكانية اتخاذ خطوات أشدّ لفرض أوامر الإغلاق، وصولاً ربما إلى فرض إغلاق كامل وعزل مطلق لمدينة بني براك.
المساهمون