الحروب لا تطفئ بريقه

06 يونيو 2016
فاعلو الخير لا يتركون الفقراء (حيدر حمداني/ فرانس برس)
+ الخط -

يرى عراقيّون أن بريق شهر رمضان تطفئه الأحداث المأساوية التي يعيشونها يومياً. تكفيهم التفجيرات التي قد تضرب أحياءهم وأسواقهم في أي لحظة، والاغتيالات التي تهدّد البعض، والعصابات التي قد تخطف أبناءهم من دون سابق إنذار ولأسباب عدة، والمعارك المحتدمة بين القوات العراقية وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

هذه التفاصيل المؤلمة التي تعاني منها البلاد منذ 13 عاماً، يبدو أنها ستستمر مع قدوم شهر رمضان. على الرغم من ذلك، يتحدّى العراقيون ظروفهم الصعبة تلك، ويحاولون جعل هذا الشهر مختلفاً. في العادة، يتأقلم العراقيون مع قطع الشوارع بالحواجز الإسمنتية الكبيرة، والتي توضع بهدف حماية مؤسسات حكومية أو مقرات حزبية، أو بهدف العزل الطائفي بعد وقوع خلافات ونزاعات وصراعات طائفية بين الأحياء المتجاورة، وإن كان هذا الأمر يؤثّر على تحركاتهم.

تلك الحواجز استغلّت من قبل بعض الناس، خصوصاً الباعة في الأسواق. في شهر رمضان، يعرضون عليها منتجاتهم الرمضانية. كذلك، تستخدم للصق المنشورات التي تدعو إلى الصوم، حتى باتت جزءاً من المشهد الرمضاني العراقي.

يبدو رمضان هذا العام أكثر قساوة في ظل الظروف الأمنية السيئة والأوضاع الاقتصادية الصعبة. أخيراً، شهدت العاصمة العراقية بغداد تفجيرات دامية، استهدفت الأسواق الشعبية، وقد هدّد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالمزيد من التفجيرات. للأسواق قبل شهر رمضان وأثناءه نكهة خاصة. اعتاد العراقيون على شراء "حاجيات رمضان" قبل قدوم الشهر الفضيل. ويحرص الفقراء منهم على بدء تأمين حاجياتهم قبل بعض الوقت.

يقول عراقيون إن أسواق بغداد لم تشهد حركتها المعتادة قبل شهر رمضان. يوضح حسين الربيعي، وهو أحد تجار سوق الشورجة في العاصمة العراقية بغداد، أحد أكبر وأعرق الأسواق الشعبية في البلاد، أن الأسواق وفّرت كل ما تحتاجه الأسرة في رمضان، مضيفاً أن "حركة التسوّق خفيفة جداً بالمقارنة مع السنوات السابقة".




ويعزو بعض العاملين في سوق الشورجة قلة أعداد المتسوّقين إلى الخوف من وقوع تفجيرات، على غرار ما حصل في عدد من الأسواق أخيراً. ويرى الربيعي الذي يعمل في تجارة الحبوب منذ أكثر من 30 عاماً، أن "السبب الوحيد هو الظروف الاقتصادية الصعبة". يضيف: "منذ 13 عاماً، نتعرض للتفجيرات في الأسواق والأحياء السكنية وفي كل مكان. لذلك، لم يعد الموت يمنع العراقيين من الخروج للتبضع والتسوق والتنزه، بل هي الظروف الاقتصادية".

ويلفت الربيعي إلى أنه "في سنوات سابقة، عندما تجاوز سعر برميل النفط حاجز المائة دولار، انتعش الاقتصاد وصار الناس في حال أفضل. وكان العراقيون يتسوّقون في رمضان، وإن كان الوضع الأمني متأزماً، والتفجيرات تستهدف كل مكان، بما فيها الأسواق".

ووفقاً لخبراء اقتصاديين، فإن الحالة الأمنية التي تشهدها البلاد، لاسيما الحرب على تنظيم "داعش"، جعلت الحكومة تخصص جزءاً كبيراً من موازنتها لوزارة الدفاع، بهدف شراء الأسلحة والذخيرة والمعدات ودفع رواتب الجنود. من جهة أخرى، يعاني العراق بسبب قلة المشاريع الاستثمارية في البلاد، بالإضافة إلى الفساد المالي المستشري في أجهزة الدولة، وأخيراً الهبوط الحاد لاحتياطي النقد الأجنبي في المصرف المركزي العراقي.

في الوقت الحالي، تعتمد الحكومة العراقية "التقشّف"، ما أثّر بشكل سلبي على حياة المواطنين الذين يعانون من زيادة الضرائب وارتفاع أسعار السلع، وذلك نتيجة فساد الحكومة العراقية، كما يؤكد سياسيون وبرلمانيون وغيرهم. وكانت منظمة الشفافية الدولية قد أعلنت في يوليو/تموز عام 2015 أن العراق خسر خلال سنوات حكم نوري المالكي (2006-2014) مائة مليار دولار.

لكن يبقى لرمضان نكهته، ويحرص العراقيّون على استقباله كما يجب. هو شهر الطاعة والمغفرة والسلام والتسامح والخير.

يقول إمام جامع الفرقان في بغداد علي النعيمي إن "الخير موجود والمسلم لا يتوقف عن أداء فروضه مهما ساء الوضع الأمني والاقتصادي". يضيف أن هناك الكثير من فاعلي الخير، وهؤلاء يساعدون الناس الفقراء على الاستمتاع بهذا الشهر. لذلك، تقل نسبة الفقر في هذا الشهر".

هذا العام، يخشى العراقيون بسبب المعارك المندلعة بين قوات البلاد الرسمية بمشاركة المليشيات و"داعش". وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن في 23 مايو/أيار انطلاق معركة تحرير الفلوجة، التي يسيطر عليها "داعش" منذ نحو عامين.