منذ 64 عامًا، قرّر الاتحاد العالمي للطلّاب اعتماد يوم 17 نوفمبر/ تشرين الثاني من كل سنة، يومًا عالميًا للطالب، تخليدًا لأرواح 1200 طالب أُعدِموا على يد الاحتلال النازي، في مذبحة مروّعة، جرت وقائعها عام 1939 في مدينة براغ التشيكية.
بشكلٍ عام، رمزية اليوم لا تقف عند التذكير بالمذبحة، ولكنها تمتدُّ لتشمل التذكير بتضحيات الطلاب في مختلف البلدان والأوقات. أما في مصر فالوضع مختلف قليلًا، فالظروف العصيبة التي تمرّ بها الحركة الطلابية المصرية، لا تجعل اليوم مناسبًا للتذكير بتضحيّات الطلاب فقط، ولكن تجعله مناسبًا أكثر ، للبحث عن أسباب الجمود الذي أصاب الحركة التي كانت في يوم من الأيّام أكثر الحركات الطلابية نشاطًا في العالم العربي.
نبتة الخوف
شهدت الحركة الطلابية المصرية، حراكًا قويًا على مدى الخمس سنوات التي تلت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011. وكان الحراك في العامين التاليين للثورة متوّلدًا، من الاحتكاك والصراع بين الطلاب الممثّلين لمختلف القوى السياسية الموجودة في المجتمع. كان صراعًا طبيعيًا وصحيًا ويصبُّ في مصلحة الطلاب بشكل عام.
ومع صعود نظام الثالث من يوليو/ تموز 2013 إلى السلطة، شهدت الجامعات المصرية حراكًا من نوع آخر؛ ليس ناشئًا عن الصراع الداخلي بين الطلاب كما كان الوضع من قبل، ولكن عن صراع الطلّاب مع السلطة.
وبما أن الصراع بين الطلاب بعضهم البعض ليس كصراعهم مع سلطة تمتلك القوة وتستطيع البطش، فصراع الحركة الطلابية مع السلطة كان له ثمنٌ باهظٌ، حيث قتلَ خلال هذه السنوات الثلاث، في قلب حرم الجامعات 21 طالبًا، واعتقل أكثر من 3 آلاف آخرين، بالإضافة إلى فصل 1850 طالبًا من جامعاتهم فصلًا نهائيًا. بحسب إحصائيات مركز عدالة للحقوق والحريات.
يلاحظ هنا أن أعداد القتلى والمعتقلين المذكورة، هي لمن قتلوا أو اعتقلوا من الطلاب في الجامعات، أما إذا أضفنا أعداد الطلاب الذين تمّت تصفيتهم، والمعتقلين من أماكن أخرى، فهذا الرقم سيتضاعف بالتأكيد.
هذه التكاليف الكبيرة التي دفعها الطلّاب، ساهمت بشكل أساسي في وصول الحركة الطلابية المصرية إلى ما هي عليه الآن؛ ساكنة ومستسلمة. فالسلطة نجحت في زرع نبتة الخوف في قلوب الطلاب عبر استهدافهم بالقتل والاعتقال والإخفاء القسري والفصل التعسفي، لذا كان من الطبيعي أن يبتعد الجميع عن ساحة النشاط الطلابي، وتصاب الحركة الطلابية بالتراجع.
قبضة السلطة
لم تكتف السلطة بإحكام قبضتها الأمنية لإنهاء الحراك الطلابي في الجامعات، فبحسب تقرير "تأميم الجامعات"، الصادر عن مركز عدالة للحقوق والحريات، توسّعت السلطة في اتخاذ إجراءات قانونية من شأنها تقييد حق التنظيم الطلابي، وذلك عبر إدخال تعديلات على اللائحة الطلابية تضمنت تضييقات واضحة على نشاط وصلاحيات اتحاد الطلاب، في مقابل توسيع صلاحيات إدارات الجامعات، بالإضافة إلى وضع قيود على شروط الترشّح للانتخابات الطلابية، لمنع من لهم نشاط سياسي معارض من دخول الانتخابات.
كذلك تمت تقوية سلطة الإدارة الجامعية؛ مما سمح لها بالتوسّع في الفصل التعسفي للطلاب كعقوبة تأديبية، وإلغاء المنتمين للأسر السياسية بدعوى أن لها تأثيرات سلبية على العملية التعليمية، وعرقلة العملية الانتخابية، ودعم القوائم الطلابية الموالية للأمن في الانتخابات، وتعقّب الطّلاب على مواقع التواصل الاجتماعي ومعاقبتهم على آرائهم، وتقييد النشاط الطلابي الحرّ البعيد عن الوضع السياسي الداخلي، مثل إقامة معارض أو تنظيم حملات لدعم القضية الفلسطينية.
أجيال لا تستسلم
يرى الباحث أحمد عطا الله، في تقريره "تأميم الجامعات"، أن الحركة الطلابية المصرية هي لا حركة اجتماعية، واللا حركات الاجتماعية هي مجموعة من الأفعال المنتظمة لأشخاص غير منظمين، تؤدّي أنشطتهم إلى إحداث تغيير اجتماعي ما، وحتى وإن لم تكن هذه الأنشطة محمّلة بإديولوجيا أو تحرّكها تنظيمات.
لعب النظام السياسي، في مختلف العصور، دورًا في الحفاظ على سيولة الحراك هذه، محاولًا احتواءه في فترات التمدّد، وخنقه في فترات الانكماش، للحيلولة دون تحوّله إلى تنظيم.
ويضيف عطا الله، أنه عند النظر لفترة السبعينيات، نجدها من أكثر فترات الحركة الطلابية صخبًا وازدهارًا، لكن رغم قوة التحوّلات المصاحبة وعمق الروافد الفكرية ومدى وطنية القضايا التي حملتها الحركة، انتهى دور هذا الجيل جامعيًا ببساطة بعد التخرّج، باستثناء بعض النماذج. وهذا يدّل على وجود عيب خطير في الحركة الطلابية وهو الانقطاع الجيلي بين خبرات الجيل الأكبر والأصغر سنًا، فبدلًا من استفادة الأجيال الجديدة من الخبرات السابقة، يحاولون إعادة اختراع العجلة من جديد.
مرآة المجتمع
من يلقون باللوم على الطلاب بسبب الجمود الذي أصاب حركتهم، يتناسون ملمحًا أساسيًا من ملامح الحركة الطلابية المصرية؛ وهو أنها مرآة عاكسة للمجتمع.
عندما خرج الطلاب غاضبين في فبراير 1968، ومعبرين عن حالة الغضب الشعبي من هزيمة 1967، ومن المحاكمات الهزلية التي خضع لها قادة الجيش في ذلك الوقت، وعندما تنامى حراكهم ضدّ السادات، بعد انتفاضة 1977، كانوا معبرين عن السخط الشعبي ضد سياسات الانفتاح الاقتصادي ومن بعدها السلام مع إسرائيل.
كذلك، لما كان المجتمع المصري يغلي عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز 2013، وفضّ اعتصامي رابعة والنهضة في 14 آب/ أغسطس 2013، كانت الحركة الطلابية مشتعلة هي الأخرى، ويمكن الاستدلال على ذلك بالتذكير بمئات المظاهرات التي خرجت في مختلف الجامعات خلال العام الدراسي الذي تلى مذبحة رابعة، وبتضحيات الطلاب التي قدمت في هذا العام. لكن مع مرور الوقت وتناقص حدّة الاحتجاجات المناهضة للسلطة الحاكمة، خفت الحراك الطلابي كنتيجة منطقية لكونه مرآة للمجتمع.