الحرب التجارية تضرّ بالشركات الأميركية أكثر من الصينية

21 يوليو 2018
ترامب يواصل تصعيد الحرب التجارية (Getty)
+ الخط -
نفذت الولايات المتحدة تهديدها، وبدأت بالفعل منذ منتصف ليل الجمعة السادس من يوليو/ تموز تطبيق تعريفات جمركية جديدة على ما قيمته 34 مليار دولار من وارداتها من الصين.
وتشمل الرسوم الجديدة الآلات وأشباه الموصلات التي تستخدم في التصنيع وقطع غيار السيارات، بينما أعلنت تأجيل تطبيق التعريفات على ما قيمته 16 مليار دولار من المنتجات الصينية لأسابيع قليلة، حتى تتم مناقشة القرار وتداعياته مع بعض مسؤولي الشركات الأميركية المعنية.

وفي نفس اللحظة ردت الصين بفرض نفس النسبة من التعريفات الجديدة على منتجات أميركية بذات القيمة، 34 مليار دولار، تشمل السيارات وفول الصويا ولحم الخنزير، بالإضافة إلى بعض المنتجات الزراعية الأخرى. 
وقالت وزارة التجارة الصينية: "تعهدت الصين بعدم إطلاق الرصاصة الأولى، ولكننا مجبرون على الرد لحماية مصالحنا القومية ومصالح الشعب الصيني".
 
وتأتي تلك التعريفات كإضافة لما تم فرضه من قبل على مشتريات الولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم بواسطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي هدد أيضاً بإضافة ما قيمته مائتي مليار دولار من الواردات الأميركية من الصين إلى قائمة المنتجات الخاضعة للتعريفات.

كما أعلن ترامب استعداده للوصول بهذه القائمة إلى ما قيمته 500 مليار دولار، فيما يعد أقوى اجراءات حمائية تتخذها الإدارة الأميركية منذ عام 1930، حين وافق الكونغرس على فرض تعريفات على بعض البضائع الأميركية المشتراة من الدول الأخرى، بحجة الحفاظ على الأمن القومي الأميركي، الأمر الذي ساهم في ازدياد حدة ما عرف بعد ذلك باسم "الكساد الكبير".
 

خسائر أميركية متوقعة

وعلى الرغم من أن البعض يرى أن ترامب بتلك الخطوات يحاول كسب ود الناخب الأميركي، بالإعلان عن السعي لتخفيض العجز التجاري الأميركي وخلق فرص عمل جديدة للأميركيين، خاصة مع الاقتراب من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وأيضاً استعداداً للانتخابات الرئاسية في 2020، إلا أنه من الواضح أن بعض رجال الأعمال ممن يؤيدون اتفاقات التجارة الحرة السابقة لا يرضون عن توجهات ترامب الأخيرة.
ويوم الاثنين الماضي، ذهب رالف هاردت، رئيس شركة "غاغمان ستامبنج" المعروفة عالمياً في تصميم الأدوات الإبداعية وحلول التصنيع الفريدة، إلى المحكمة الاتحادية في ميلووكي، ليطلع السيناتور الجمهوري رون جونسون على حجم الخسائر التي تسببها التعريفات الجمركية  لشركته. 
وقال هاردت إن أحد عملائه من كندا كان على وشك أن يمنح شركته مشروعاً بقيمة 3 ملايين دولار لإنتاج قطع غيار السيارات، ولكن بسبب ارتفاع أسعار الحديد في الولايات المتحدة، تم تحويل العملية إلى شركة كورية. وأضاف هاردت: "كلما طالت المدة، زادت إمكانية فقدان المزيد من المشاريع الجديدة".
 
ويتوقع ديفيد دولار، الباحث بمعهد بروكنغز بواشنطن أن تقضي الحرب التجارية على بعض الوظائف المرتبطة بالتصدير في الولايات المتحدة، وأن تساعد أيضاً في خلق وظائف أخرى في القطاعات المنافسة للواردات من الصين والدول الأخرى، ويضيف "هذه مبادلة سيئة، حيث إن الوظائف المرتبطة بالتصدير عادةً ما تكون أكثر إنتاجية وأعلى أجراً".

وفيما يخص التأثير على الاقتصاد الصيني، يرى معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، أن التعريفات الأميركية المفروضة على الصين، حتى بعد إضافة منتجات بمائتي مليار دولار، لن تتسبب في تخفيض معدل نمو الاقتصاد الصيني بأكثر من نصف بالمائة، من 6.9% تم تحقيقها العام الماضي. 

وفي ذات الاتجاه، يقول دولار، إن الصين في وضع أفضل في تلك المواجهة، حيث إن اقتصادها أقل اعتماداً على الصادرات عموماً، وعلى الصادرات إلى الولايات المتحدة بصفة خاصة، مما كان عليه الحال قبل عشر سنوات، حيث لا تمثل كل القيمة المضافة الصينية على صادراتها إلى الولايات المتحدة أكثر من 3% من حجم الاقتصاد الصيني، "الأمر الذي يعكس تعقد سلاسل التوريد للمنتجات المُصَدَّرة من الصين، كونها تشمل مدخلات من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان"، وهو ما يؤكد أن "نيران التعريفات" على الواردات من الصين سوف تطاول الأصابع الأميركية.

ويقول دولار إن "هذا من مفارقات فرض الولايات المتحدة للتعريفات على وارداتها، حيث يؤدي قلق المستثمرين من التطورات، تاريخياً، إلى تزايد التدفقات الرأسمالية من الدول الأخرى إلى الولايات المتحدة، ويؤدي ذلك على المدى القصير إلى ارتفاع قيمة الدولار، وهو ما يطيح بالآثار الايجابية المفترضة للاجراءات الحمائية الأميركية". 
 
وفقدت العملة الصينية أكثر من 4% أمام الدولار، وهو ما أرجعه المحللون إلى خوف المستثمرين من تأثير الحرب التجارية على الاقتصاد الصيني، بالإضافة إلى قيام بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي برفع معدلات الفائدة الأميركية مرتين هذا العام، مع وضوح اتجاهه إلى القيام برفعين إضافيين هذا العام، وثلاث  مرات في العام القادم، وخلال نفس الفترة، ارتفع الدولار أمام سلة من العملات الكبرى بحوالي 5%.

وحذّر صندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي في تحديثه لتقرير توقعات النمو الاقتصادي العالمي من الصراعات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة وأغلب شركائها التجاريين، وفي مقدّمتهم الصين، وقال إن هذه الصراعات تهدد بإخراج التعافي الاقتصادي العالمي عن مساره وتكبح فرص النمو في المدى المتوسط. كما أكد أن الولايات المتحدة ستكون معرضة أكثر من غيرها من الدول لمخاطر تباطؤ النمو.


 وقال الصندوق أن تصاعد التوترات التجارية الحالية – بتأثيراتها السلبية على الثقة في الأسواق وأسعار الأصول والاستثمارات، هي أكثر ما يهدد النمو العالمي على المدى القصير. 
 
وأكد الصندوق في تقريره أيضاً أن النماذج التي تم إعدادها تشير إلى أن التهديدات التجارية التي يتم التلويح بها حالياً، إذا تحققت، ستؤدي إلى تراجع ثقة مجتمعات الأعمال، ومن ثم فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الناتج العالمي بنسبة 0.5% عن التوقعات الحالية، أو حوالي أربعمائة وثلاثين مليار دولار، بحلول عام 2020.

وأشار الصندوق إلى أن الولايات المتحدة ستكون معرضة للخطر بوجه خاص، كونها تعتبر الهدف الأساسي للإجراءات الانتقامية من الدول الأخرى، حيث ستكون نسبة كبيرة من صادراتها خاضعة للضرائب في الأسواق العالمية. 
المساهمون