ازداد عدد الحجاج من بلاد الشام في أواخر العهد العثماني بحسب السجلات إلى ما بين 40 و60 ألف حاج كل عام، وكان يتم استئجار الإبل من القبائل البدوية، وترافق قافلة الحج قوات عسكرية للحراسة والمكاتيب الخاصة من السلطان إلى أمير مكة، وصناديق الإحسان إلى الفقراء والخلع والكساوي، إضافة إلى الأعطيات والمساعدات التي كانت تُعرف بـ (دفتر الصرَة)، وقد بنى العثمانيون المنازل والقلاع والخانات والبرك والآبار على طول طريق الحج الشامي.
وعمدت السلطنة إلى إسناد هذه الإمارة إلى موظفين كبار. منهم بعض ولاة دمشق، إضافة إلى حاكم (الصنجق)، وعندما كان يعيّن حاكم الصنجق أميراً على الحج، فإنه كان يقيم في دمشق مع قواته في ذلك الصنجق إلى أن يحين موعد سفر القافلة، وعندها يأتي إلى موقع "قبة الحاج" بطريق دمشق الجنوبي، حيث تتجمع القافلة للانطلاق إلى الحجاز.
وكانت تترتب على والي دمشق بصفته أميراً للحج مهام كثيرة، منها: توفير الأمن في دمشق وإعداد قافلتي الحج والمحمل، وتشكيل القوة العسكرية التي ستصاحب القافلة للدفاع عنها، وعليه أيضاً إرضاء عشائر البدو ومدّهم بالهدايا والأموال وتوزيع أموال "الصدقة" على فقراء الحرمين الشريفين.
وشملت القافلة الشامية أعداداً كبيرة من الحجاج الذين كانوا يفدون إلى دمشق في موسم الحج، من داخل السلطنة العثمانية وخارجها. وكانت مدينة دمشق في شهر شعبان تجنّد كامل طاقاتها وإمكاناتها وفعالياتها لخدمة الحجيج الوافدين إليها من الجزيرة العليا وكردستان والقوقاز وأذربيجان والأناضول والبلقان والقرم. فتعمل السلطات على تشديد الرقابة على البيع والشراء، وفي الوقت ذاته تعمل على استكمال ما يلزم لانطلاق قافلتي الحج والمحمل الشامي والقوة العسكرية والقوة المستأجرة التي ستصحب القافلة للدفاع عنها ضد أي اعتداء من البدو النازلين على طريق الحج، ويعتمد أمير القافلة على عدد من الأدلاء (البدو) الذين يعرفون الطريق والمنازل ومواقع المياه، وهم على الأغلب من القبائل النازلة على طريق الركب.
كان أغلبهم يصل إلى دمشق في شهر رمضان، ويمكن القول إن رخاء دمشق الاقتصادي ارتبط ارتباطاً كبيراً بحركة الحج، لما كان لموسم الحج من حركة تجارية ضخمة في أسواقها، فقد كانوا يتزودون بجميع ما يحتاجونه من مواد غذائية تكفيهم لثلاثة شهور على الأقل.
وتنقل النساء الموسرات في هودج فخم مشدود على الجمل بتركيز محكم وبه مقعدان وثيران، وهو مغطىً بأستار من الديباج وستائر من قماش "الدامسكو" الفاخر المزركش بالقصب اللامع والمدهون بالألوان الزاهية. ويتّخذ أمير الحج " تختروان" يتوسط الركب، وهو على هيئة غرفة صغيرة مربعة ترتكز على بغلين، ويفرش داخلها بحشايا من "الدامسكو" أو المخمل، وقد كان لأهل النعم والترف في ركائبهم على الجمال قباب بديعة تظللهم، وقد نصبت على محامل، وكانت لركابها أمهدة كأمهدة الأطفال تملأ بالفرش الوثيرة، ويقعد فيها الراكب مستريحاً كأنه في مهد فسيح.
وترافق القافلة طوائف أو حرفيون يعملون على إعانة الحاج في سفره الشاق ومنهم "الجمالة والعكامة والمهاترة والشيالون، والمقومون والحلاقون وطوائف الخيمية والسماسرة والمكارية، ثم طوائف المشعلجية".
تعرّض الحجاج إلى شدائد بسبب الأنواء الطبيعية من برد وحرّ، وتعديات الإنسان على ركب الحجيج، وخضعت قافلة الحج الشامي إلى تقاليد مميزة فقد كان أول أعمال الحج وضع الصنجق السلطاني على الباب الأوسط الذي تحت قبة النسر بالجامع الأموي بدمشق، وكان هناك مواكب تسمى بيوم الزيت ويوم الشمع وماء الورد، وموكب خروج الصنجق وموكب يوم دورة وداع المحمل والصنجق، وهي من الأيام الجميلة.
أما يوم طلوع الركب فيكون في يومي الخامس والسادس من شهر شوال، وفيهما يخرج موكب الحج مع المحمل والصنجق بطرازهما الموشّى المزركش بالقصب المذهب، باحتفال مهيب من باب "السرايا" ويمشي خلفهما الوالي والمشير وأمير الحج وأمين الصرَة، وأرباب الوظائف الملكية والعسكرية وأصحاب الرتب من الأهلين بالألبسة الرسمية المطرزة بالذهب.
ويحيط بالمحمل أهل الطرق الصوفية والموسيقى السلطانية خلفه تصدح بألحانها وخلفها العساكر والبيادة، وفوق الأسطحة والنوافذ مئات من الأهلين قصد التبرك، والحجاج راكبون على الجمال فوق أمتعتهم، ويشدَ بعضهم رؤوس وركاب جمالهم بأشرطة بديعة الألوان وبأهداب وشراشيب وجلاجل وأجراس صغيرة، ويدوم مرور الموكب من شروق الشمس حتى ما بعد الظهر.
وعندما يصل موكب الركب الشامي إلى "قبة الحج" تترجل العساكر وأصحاب الريش وينزل القضاة والمفتون في خيام خاصة أعدت لهم، ثم يكتبون وثيقة تسليم المحمل إلى أمير الركب، ويرجع أهل الموكب إلى دمشق، ويحفظ أمير الركب جمل المحمل ريثما تنطلق القافلة. ويصاحبها حينها قرع الطبول ويكبّر الناس ويهللون وهم يهزجون، ويأخذ المهاترة بزمام الخيل، وتطوى الخيام وتلف البسط وتشد الأحمال ويسير الركب.