الحجر "الداير"...

27 مارس 2018
+ الخط -
في الثقافة الشعبية مثل بديع يقول: "الحجر الداير لا بد من لطه"، وهو يشير إلى أن الممارسات غير الأخلاقية ستظهر لا محالة، ربما يطول الوقت قبل أن تنجلي للأنظار، لكنها ستنكشف يومًا ما. لك أن تتخيل الرعب الذي يدب في قلوب الآثمين، والحيل التي يتشبثون بها لإخفاء قذارتهم، وتقرأ في أعينهم أن الفضيحة واقعة لكنهم يستميتون في تأخيرها.

بالأمس القريب حاول الدراج الأميركي، لانس آرمسترونغ، تغطية الشمس بسحب كثيفة من الأكاذيب، ولكنه في النهاية فشل في خداع الناس. هذا مثال صارخ لكل خائن وغاش ومخاتل ليستفيق من سكرته، ونداء لكل من كمّم ضميره واستباح لنفسه خيانة شريك حياته أن يرعوي، وعلامة على الطريق لكل مخطئ أن يراجع نفسه.

اكتسب لانس تعاطفاً كبيراً إثر إصابته بسرطان الخصية عام 1996، ولعب استعمال المنشطات دوراً في مرضه، وبالرغم من أن "قتيل إيديه متحزنش عليه"، لكن الناس تعاطفوا مع لانس. قضى ثلاثة أعوام يصارع السرطان، وأنهى رحلة علاجه بسلام، وكان يفترض أن يتعلم من هذا الدرس القاسي.


الفوز كان هاجس لانس بعدما انتصر على السرطان؛ فقرر الفوز بسباق فرنسا الصعب، ولم يجد عوناً له على إتمام هذه المهمة سوى الطبيب ميشيل فيراري. فيراري الأب الروحي للمنشطات في الوسط الرياضي، ومبتكر برنامج المنشطات الأكثر تضليلًا في تاريخ الرياضة، ما يعني أن لانس لم يتعلم من محنة مرضه شيئاً، كانت شهوة الفوز تتلاعب به وتعمي عينيه.

خضع لانس لبرنامج فيراري السري، وحصد بطولة فرنسا لسباق الدراجات 7 مرات متتابعة، وقرر الاعتزال في 2005. أطلق حملة "عش قوياً" لمحاربة السرطان، وقدم عدداً من الإعلانات التلفزيونية، وجمع ثروة طائلة من المسابقات، وإن شئت الدقة فلنقل جمعها من المنشطات. انبرى لانس يقدم المحاضرات التحفيزية، ولكنه كان يدرك أنه يخاتل نفسه قبل أن يخدع الآخرين، وكان يشعر بمرارة الكذب والتحايل طول الوقت.

في العام التالي فاز فلويد لانديس بنفس اللقب، وكانت سعادته لا توصف، لا سيما أنه من فريق لانس. والأمور لا تجري على النسق الذي يخطط له المرء؛ فقد أثبتت التحاليل الطبية تعاطي فلويد للمنشطات. شعر فلويد بالغصة وضاق صدره؛ فزميله في الفريق توسل بنفس المادة المنشطة سبع مرات وفاز بدون أن يكتشف، وهذا يقدح في نزاهة التحاليل! ضاعف هذه المشاعر السلبية لدى فلويد التجاهل الذي لاقاه من فريقه، فضلًا عن إعلان لانس العودة إلى ابسباق بعد أربعة أعوام من الاعتزال.

في سباق 2009 لم يتوج لانس بالمركز الأول، وحل في المرتبة الثالثة، وصفق الناس له طويلاً. شخص يقبع بعيداً عن الأضواء لم يرقه ذلك؛ إنه فلويد الذي أحس بالقهر والظلم. منطق فلويد ينص على أنه بما أن الجميع يسرق؛ فلماذا أحرم من نصيبي في هذه السرقة؟!

وفي ظل سيطرة مشاعر الحنق، اعترف فلويد في 1000 صفحة بممارسات لانس اللاأخلاقية التي صنعت أسطورته المزيفة. وفي لقائه مع أوبرا وينفري أقرّ لانس بصحة ادعاءات فلويد.

انهارت أسطورة لانس آرمسترونغ للأبد، وجرد في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 من الألقاب السبعة التي حققها بفضل التلاعب والغش. أن تخدع الناس فهذا أمر يسير، ولكن أن تخدعهم للأبد فهذا من رابع المستحيلات.

الخطأ وارد لكل قاطني الكرة الأرضية، ولكن الإصرار على الخطأ لن يفيد بأي حال. إن عجوزاً شمطاء تخدع زوجها وتخفي آثامها عنه؛ فإن ذلك لن يشفع لها ما لم تتطهر من جرمها، وكل حاكم يخادع شعبه فسينال منه الشعب، ولن تحجب الشمس.
دلالات